لبنان والحرب.. الحوار قبل فوات الأوان

لا بد من الحوار مهما طال سفر اللبنانيين بعيدًا عنه.. وحسناً فعل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أن قرّر التريث حتى لا يُقدم على دعسة ناقصة تُحوّل الحوار إلى مجرد فولكلور على الطريقة اللبنانية الباهتة.

الحرب التي اشتعلت بعد العدوان الإسرائيلي – الأميركي على إيران لم تنتهِ. قرار وقف إطلاق النار [في 24 حزيران/يونيو 2025] بطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعني انتهاء معركة لا انتهاء حرب. الانتهاء لا يكون بتوقُّف الهجَمات والردود. إنَّهُ يحتاجُ إلى نتائجَ سياسيّة، وجيو- سياسية وهذا ليس مُتوافِراً الآن. سيتوافر عندما تتضّحُ ملامحُ عالمٍ جديد.عندئذٍ يمكن التفكير جدّيّاً بمسألة الانتهاء. وهذا ليس بعيداً من زاوية الحسابات الإستراتيجية؛ لكن حاليَّاً الدول كلُّها، صغيرتُها وكبيرتُها، غرباً وشرقاً، معنيّةٌ بهذه الحرب التي نفَّذَها الكيان الصهيوني وأدارَتْها- وستبقىى تديرُها – شبكةُ الدولةِ العميقةِ الممتدّة أخطبوطيَّاً من الولايات المتحدة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها في الغرب، بما تتضمَّن من أجهزة استخبارية ومجمَّعاتٍ عسكريّة وماليّة وإعلامية، فضلاً عنِ المنظّمات الحكومية وغير الحكومية ومنها الوكالة الدوليّة للطاقة الذرَّيّة. ولا نُغفِلُ أنَّ هذا الأخطبوط له أذرُعُهُ أيضاً في عددٍ كبيرٍ من الدولِ العربيّة، وهي مكشوفة وإنْ تكُنْ غير معلَنة.

لبنانُ – السلطةُ هو بين هذه الدولِ. يتأثَّرُ بالحرب لكن لا يؤثِّرُ فيها طبعاً. تعيش السلطةُ فيه حالة ارتباكٍ وترقـُّبٍ. ليس المطلوبُ منها الانخراط، وهي أصلاً غير أهلٍ له؛ لكنَّ “المأمولَ” من السلطة، في الحدِّ الأدنى، أنْ تنتبهَ إلى خطورةِ ما يجري في الداخل، ربطاً بما يجري حولنا. الأصوات التي ترتفعُ في لبنان مُحذِّرةً – كما تقول – من إقدام المقاومة على التدخُّل تثيرُ علاماتِ استفهامٍ عديدةً كي لا نرمي إلى أكثر من ذلك.

هذا التحذير المتوتِّرُ، وتكرارُه المتواترُ، لا مبرِّر له. المقاومة أكَّدت مراراً أنَّها تقف خلف الدولة والجيش اللبناني فلماذا يتِمُّ التخويفُ منها، وتشويهُ صورتِها؟ وأيَّ مصلحةٍ يخدُمُ ذلك؟ وماذا يقول هؤلاءِ فيما لو كرَّرَ الاحتلالُ الإسرائيلي اعتداءاتِه، ونفَّذَ تهديداتِهِ الجديدةَ بالعُدوان على لبنان ولا سيَّما أنَّه يلوِّحُ بمحاولةِ اجتياح؟ هل يواصلون التخويف من المقاومة وتحميلِها المسؤولية، وكأننا شعبٌ لا يحقُّ له الدفاعُ عن نفسه، لأنَّ بعضـَ”نا” يُراهن على “إسرائيل” والغرب الاستعماري من أجل ترتيبات داخلية؟ ولأنَّه ما زال يفكِّرُ كيانيّاً لا وطنيّاً، ويرى أنَّ الظروف في المنطقة باتت مؤاتية لإقامةِ نظام فديرالي يزيد من “تَكْيين” الطوائفِ والطائفية؟ هذه المسألة في منتهى الخطورة، ولا سيَّما في مرحلة تشهدُ تحوُّلاتٍ إقليميَّة بأبعادٍ عالمية، وهي لن تلبثَ كثيراً حتى تصيرَ تحوُّلاتٍ عالميةً صرفاً. لغة التخويف والتشكيك خرَّبت لبنان سابقاً، وقد تخرِّبُهُ لاحقاً فلماذا تتباطأ السلطة في معالجة هذا الأمر؟ وما الذي يمنعُها من إدارةِ حوارٍ، بل ما الذي يمنعُها من مغادرة حلبة التكرار اللفظويّ للدعوة إلى الحوار نحو التحرُّك العملي من أجلهِ؟ وبمشاركةِ الجميع ِبلا استثناء. مصيرُ لبنان مرتبطٌ جداً بوحدةِ الموقفِ الداخلي خصوصاً أنَّ المخاطر هذه المرَّة تأتي منَ الجهاتِ الأربع، فالاحتلالُ يُهدِّدُ من جهة الجنوب، وسوريا التي تعيش خراباً وطنياً تُقلقُ لبنان شمالاً وشرقاً، والأساطيل الأميركية قبالةَ السواحل. ربَّما نسي كثيرون أنَّ في القرنين الماضيين لم يكن لبنان ليشهد الحروبَ الداخليَّة، ونظامَ القائمقاميتين، ونظامَ المتصرفيةِ، ثمَّ الكيانَ الطائفي الحالي، لو أنَّ الحدَّ الأدنى من الوحدة كان متوافراً. لبنان في خطر من داخله قبل الخارج؛ فلـْيَكُنْ حوارٌ جادٌ قبل فواتِ الأوان.. ولنتعلَّمْ ممَّا قاله تشي غيفارا قبل نحو ستين سنة “الوطن أو الموت”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  ماكرون وفيروز "قبالة الشمس".. والقهوة "غير تركية"!
بسّام ضو

عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الكُتّاب اللبنانيين

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  هدنة غزة بين المُعلن.. والمُضمر