“الاشتراكية النيويوركية”.. زهران ممداني نموذجاً 

بسبب ما حدث في العام 2008، يقوم سكان نيويورك بانتخاب عمدة اشتراكي للمرة الأولى في تاريخ أمريكا الممتد لـ250 سنة. ولكن ما علاقة عام 2008 بهذا الأمر؟

لأن أمريكا، في عام 2008، بدأت تتحول كدولة نحو الاشتراكية حتى لو أن قادتها لا يحبون الاعتراف بذلك.

في عام 2008، تعرضت أمريكا لأكبر أزمة مالية منذ الكساد الكبير في عام 1929 حيث انهار سوق العقارات بسبب انخفاض الطلب. وبالطبع، كانت أسعار العقارات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنظام المصرفي. لذلك، عندما انهار قطاع العقارات، بدأ النظام المصرفي بالانهيار أيضًا. وعندما تنهار البنوك، تنهار معها جميع الأعمال المرتبطة بها.

عندها اتخذ البنك الاحتياطي الفيدرالي والحكومة الأمريكية إجراءات جذرية ما زال العالم أجمع يعيش تحت أثرها حتى اليوم عندما قرّرت الحكومة الأمريكية أنها لن تسمح بانهيار البنوك ووصفتها بأنها “أكبر من أن تُفشل” (Too Big to Fail).

حينها، قامت الحكومة بالاقتراض من الاحتياطي الفيدرالي نيابة عن جميع المواطنين، واستخدمت ذلك الدين لإنقاذ البنوك الكبرى. وبهذا، قامت الحكومة بتحميل المجتمع خسائر المؤسسات وادخلت أمريكا بهذا عصر الاشتراكية.

الرأسمالية هي نظام حر يعتمد على السوق. في السوق الحقيقي، يمكن لأي أحد أن يفشل أو ينجح. تعيش الشركات أو تموت حسب قوى السوق، وهذا هو جوهر الرأسمالية. ولكن عندما تتدخل الدولة لاختيار الرابحين والخاسرين، فهذه قطيعة واضحة مع الرأسمالية.

إذًا بالفعل، في عام 2008، بدأت الدولة الأمريكية في التحول نحو الاشتراكية. أما زهران ممداني (Zahran Mamdani)، المرشح الديموقراطي لمنصب عمدة نيويورك فهو نتاج هذا التحول.

كيف ذلك؟

منذ عام 2008، قام الاحتياطي الفيدرالي والحكومة الأمريكية بطباعة وضخ أكثر من 25 تريليون دولار في النظام المالي لإنقاذ البنوك والشركات الكبرى. هذا المال تدفق إلى الأسواق المالية والأصول الحقيقية.

ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الأصول المالية والحقيقية بشكل هائل ليس بسبب نمو طبيعي، بل بسبب ضخ السيولة من الحكومة والاحتياطي الفيدرالي.

ومع ارتفاع الأسعار، فقد الشباب في الولايات المتحدة الأميركية الأمل في امتلاك أي أصول. فمعظمهم لم يعد يستطيع تحمل تكاليف امتلاك منزل. والبعض لا يستطيع ذلك إلا عبر ديون ضخمة.

ثم في عام 2020، وبسبب وباء كورونا، قامت الحكومة بضخ أموال مباشرة في جيوب المواطنين، إلى جانب دعم النظام المالي، ما أدى إلى تضخم حقيقي وكبير. ومع ارتفاع التضخم، ارتفعت أسعار الفائدة مجددًا.

الآن، ومع ارتفاع الأسعار والفوائد، لم يعد بإمكان الشباب حتى تحمّل أقساط الفوائد. الكثير منهم غارق في ديون الدراسة ويكافح لتسديدها، وكذلك الحال مع قروض السيارات والبطاقات الائتمانية، وظهور خدمات مثل “اشترِِ الآن وادفع لاحقًا” (BNPL) وكلها تصب في خانة التدليل الواضح على هذا اليأس.

ومع الضغط المالي المتزايد على الشباب، بدأت هذا الشريحة بالتمرد على النظام، واللافت للانتباه أن زهران ممداني يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب المتعلمين في الجامعات وليس بين الطبقات الأكثر فقرًا.

الديون تُدمّر الأمم من الداخل ومواطنو الدول صاحبة الديون المرتفعة سيعرفون هذا أكثر مع مرور الوقت. لعدة سنوات، بدا أن الاقتراض بنسبة فائدة 0٪ وأسعار الفائدة المتدنية كأنه مجانيًا، لكن المجتمع دائمًا يدفع الثمن، وهذه مجرد حالة واحدة.

العالم الحر كله يتمنى الفوز لزهران ممداني بانتخابات عمدة مدينة نيويورك.

‎لديّ آمالٌ كبيرةٌ بأن رجلاً نزيهًا يتمتع ببوصلة أخلاقية قوية (خصوصًا في ما يتعلق بقضية فلسطين) سيُثبت للوبي الصهيوني أن الحق ينتصر دائمًا على الباطل، مهما طال الزمن.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  إسرائيل لا تنزل عن شجرة التصعيد قبل انتهاء الانتخابات الأميركية
فوّاز يوسف غانم

كاتب أردني متخصص في الاقتصاد السياسي والاجتماعي

Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  أولمبياد طوكيو وكورونا.. من يهزم من (1)؟