ماذا عن لبنان حزب الله.. وزياد الرحباني؟ 

كثيرون اعتمرتهم الدهشة وانبعثت من دواخلهم تساؤلات لا أول لها ولا آخر، وهم يتابعون البيانات والمواقف الناعية للراحل زياد الرحباني الصادرة عن حزب الله ونوابه ووسائل إعلامه، وإذ تساكنت الدهشة والحيرة في سابقة غير معهودة لدى الحزب كما يتساءل المتسائلون، إلا أن تساؤلاً واحداً تقدم على غيره ومضمونه: كيف ينعي حزب الله فناناً وموسيقياً ونصيراً لعقيدة مناقضة لعقيدته ومغايراً في الدين والمذهب؟

حلّ تشييع زياد الرحباني، نصاً ومفردات، في مقدمة النشرة الإخبارية لقناة “المنار”، يوم الإثنين الماضي، وتقدم حضوره الوداعي على سائر الأحداث اللبنانية، وهي بمجملها كتل من نار ولظى ومعارك وحروب، ومع ذلك فقد سبق حدثه أحداث الآخرين، وإلى حدود بدا فيها خبر رحيل تشييع زياد الرحباني ما بعده خبر وما أعقبه حدث في مقدمة قناة “المنار”.

يستحضر علي حايك كاتب نص المقدمة، الإسم الثلاثي لزياد الرحباني، ولا يخلو هذا الإستحضار لعاصي الوالد، من دلالات احترام وتقدير وتثمين للعائلة الرحبانية، وإذا لم يكن الأمر على هذا النحو التوقيري للرحابنة، فلا معنى للإستحضار، لكن المعنى يسكن في مفرداته، ويتجلى في تتابع النص الذي يقول “إنه زياد عاصي الرحباني الذي ودّعه لبنان بمأتم وطني يحكي قصة وطن حزين، بعد أن حاول وأمّه وأباه وعموم عائلته، أن يُرمّم صورة هذا الوطن بمخيلة محبّبة“.

إن نصاً كذاك، لا يحمل في باطنه إلا قصة حب للرحابنة وحكاية أمل بلبنان خطّها الرحابنة في كلمات أغانيهم وعزفوها في جملهم الموسيقية، فصنعوا لبنان المحبوب والمأمول، فأحبهم اللبنانيون على مختلف مشاربهم، وبيئة حزب الله من هذه المشارب، هكذا يُفهم من نص علي حايك، وكيف لا تكون تلك البيئة من الوطن الرحباني الذي غنّت له فيروز “دقوا المهابيج خلوا الهوا جنوبي/ وصوت المهابيج ينده يا محبوبي” و”يا زهرة الجنوب” وفي الأغنية الأخيرة تقول:

يا زهرة الجنوب

يا عصفورة البكي 

يا زغيرة اغفريلي 

يللي كنتي تضلي حزيني 

يللي سكنتي الدمع 

وصرتي دمع المديني 

اغفريلي 

المجد، الكرامة، إنتِ أحلى

الحكمة، الشهرة، إنتِ أحلى 

إنتِ أحلى، إنتِ أغلى، أعلى.

يقول النائب عن حزب الله، علي فياض، خلال مشاركته في تشييع زياد الرحباني، إنه “شخصية استثنائية ونسخة لن تتكرر، لا يوجد لبناني لا يحب زياد الرحباني، الماركسي والإسلامي، اليساري واليميني، المقاوم وغير المقاوم، الجميع يلتقي على حب زياد وتقديره كإنسان وفنان، إن لبنان من دون زياد الرحباني يعني هناك شيء ناقص في الروح اللبنانية الشديدة الخصوصية والتميز والإسستثنائية، وقيمته كإنسان ومناضل وموسيقي ستبقى حاضرة“.

تجتمع في هذا الرأي، مجموعة من العناصر الوطنية والسياسية والفكرية والفنية، منها ما يتصل بالإستثناء اللبناني المميز وذي الطابع الخاص، وهذا يتيح التوسع في تفصيل الفكرة التي أرادها فياض، من حيث إيمان حزب الله بإستثنائية لبنان وخصوصيته، وما الإجماع اللبناني على محبة زياد الرحباني إلا لكونه ذاتاً عاكسة للروحية اللبنانية الثرية بمكوناتها المتعددة التي اجتمعت في شخصية زياد الرحباني، وهذا التعدد هو لبنان الفكرة ولبنان المعنى ولبنان الواقع، وبشيء من الإجتهاد في قراءة رأي النائب فياض، فالتعددية المتجسدة في شخصية زياد الرحباني هي من تمثلات التعددية اللبنانية وروحيتها المتمثلة في الهوية الوطنية التي يؤمن بها حزب الله ويقرها انسجاماً مع قناعته الفكرية والسياسية بنهائية الوطن اللبناني، وبأنه جزء من هذه الجماعة اللبنانية كما أكد أكثر من مرة الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم.

وأما العنصر الثاني في رأي فياض، فيكمن في إشادته بزياد الرحباني “الفنان والموسيقي”، وهذا موقف يتخطى “الحرام المطلق” للفنون، إذ ليس كل فن حرام، فثمة فن يندرج في منزلة الجواز، أوالمباح على ما يقول أهل الفقه، ولذلك، وبالعودة إلى مقدمة أخبار قناة “المنار” فكاتب النص أتى على ذكر أغنيتين لزياد الرحباني الأولى “أنا مش كافر” وفي الثانية ورد المقطع المُغنّى “ودايما بالآخر في آخر/ في وقت فراق” العائد لأغنية “الوداع” لفيروز ومطلعها التالي: “أنا صار لازم ودّعكن/ وخبركن عني“.

وفي الدائرة نفسها يندرج موقف النائب ابراهيم الموسوي، ممثل حزب الله في مجلس النواب اللبناني كزميله علي فياض، فقد عاب الموسوي على الدولة اللبنانية عدم إعلانها الحداد الوطني على زياد الرحباني، مبدياً خجله من ذاك العيب الذي أسقطته الدولة على نفسها مؤكداً أن السيدة فيروز “هي أم الوطن“، داعياً لها بطول العمر.

هل تحدث النائب الموسوي عن فيروز ووصفها بـ”أم الوطن”! نعم… وأين الإستغراب والإستعجاب؟ أولم تغني بحبك يا لبنان ولبنان الحقيقي جايي ويا لبنان بحبك تتخلص الدني؟ أولم تغني لبيروت وبعلبك وقمر مشغرة وعنجر وجبل الشيخ، ولفخر الدين وعكار، ولكل لبنان بضيعه وقراه وسهله وساحله وجبله، ولفلاحيه وصياديه، ولصخوره وترابه ومرافئه، تماما هي كالأم التي لا تستسيغ فرقة ولا تفريقا بين أبنائها، ولا يشغلها سوى توزيع العدالة العاطفية عليهم بإنصاف وسوية، وهكذا فيروز عدلت بين اللبنانيين وساوت بينهم في أغانيها وأحاسيسها فغدت أمهم وملتقى قلوبهم وصراط عواطفهم، ولعل أهل الجنوب اللبناني بالذات، يحفظون لها جميلاً لا يُنسى ولا يمحوه زمن حين غنّت “إسوارة العروس” فأحبوا فيروز حتى البكاء وهي تصدّح بكلمات جوزيف حرب وألحان فيلمون وهبي:

إقرأ على موقع 180  إنتخابات إيران.. فرصة بزشكيان في "الأولى".. وإلّا قاليباف في "الثانية"!

إسوارة العروس مشغولة بالدهب 

وإنت مشغول بقلوب يا تراب الجنوب 

رسايل الغيّاب مكتوبة بالسهر 

وإنت بالعز مكتوب يا تراب الجنوب 

وبتولع حروب وبتنطفي حروب 

وبتضلك حبيبي يا تراب الجنوب 

وشو ما إجا شعوب 

وشو ما راح شعوب 

كلن رح بيفلوا وبيبقى الجنوب.

وأما العلاقات الإعلامية في حزب الله، فلم تدخر حسنة أو مأثرة إلا وأدرجتها في بيان نعيها لزياد الرحباني، فهو “الفنان الكبير، والقامة الفنية الوطنية المقاومة، الراحل الكبير ـ الذي ـ جسّد نموذجا للفن الهادف في خدمة الوطن والإنسان، ورسم من على مسرحه الصورة الحقيقية للوطن الذي يحلم به كل إنسان، وطن الوحدة والكرامة والعيش المشترك“.

رُبّ بعض التمعن في مفردات الوحدة والعيش المشترك، وهي مصطلحات سياسية على أية حال، يُوجز القواعد “الفكرو سياسية” لحزب الله ورؤيته للبنان، فالوحدة الجغرافية أساس، وكذلك العيش المشترك (وليس التعايش المضطر) وكأن الحزب سعى ليقول كل شيء في الفن والسياسة والثقافة والإجتماع في لحظة رحبانية مؤثرة، أو كأنه قال بالفعل: لبنان الذي نريده هو لبنان الرحابنة، وما أجمله لبنان هذا.

أظن… حزب الله قال ذلك؛ وأظن أن حزب الله يقول: تعالوا إلى كلمة سواء.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "الإعصار الترامبي" يضرب الأمم المتحدة.. في لبنان