ترامب إذ يتبوأ زعامة اليمين المسيحي.. الغربي

فى أعقاب اغتيال الناشط اليمينى تشارلى كيرك قبل أسابيع، كثف الرئيس دونالد ترامب محاولاته ليتحول من كونه مجرد زعيم سياسى جمهورى دخل التاريخ من أوسع أبوابه بانتخابه مرتين غير متتاليتين للبيت الأبيض، إلى كونه زعيم تيار مسيحى يمينى عالمى تتخطى حدوده حدود الدولة الأمريكية.

منحت لحظة اغتيال كيرك فرصة استغلها ترامب لتصوير نفسه وحركته وما يمثله من تغيير داخل وخارج أمريكا فى صورة روحانية تتضمن حمايته لقيم المسيحية، وقيادته قوى الخير ضد قوى الشر، وبأنه مدافع صلب عن الحريات الدينية وبخاصة للمسيحيين.

قبل خطابه فى مراسم تأبين كيرك، والتى جرت فى استاد مفتوح بولاية أريزونا، خاطب ترامب العالم من فوق منصة الأمم المتحدة بخطاب استثنائى فيما تضمنه من عبارات وإشارات دينية وروحية استغربها الحاضرون الذين توقعوا فقط التطرق لقضايا العالم الخارجى الملتهبة.

***

فى أول خطاب له، فى فترة حكمه الثانية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تبوأ الرئيس ترامب، بصورة رمزية غير رسمية، زعامة اليمين المسيحى الغربى من خلال خطاب امتد على مدى 56 دقيقة ركز فيه على مهاجمة حركة الهجرة العالمية وتبعاتها السكانية والأمنية، وباكيًا على ما اعتبره مظالم تتعرض لها المسيحية حول العالم، ورفع ترامب راية التحذير للغرب من تبعات الهجرة بالقول إن «بلدانكم ذاهبة إلى الجحيم».

عكس خطاب ترامب الشعبوى إيمانه بما يعتبره مظالم تتعرض لها بلاده والغرب بصفة عامة. وعلى غير عادة خطابات الزعماء أمام الجمعية العامة، جمع ترامب بين أجندته الأمريكية الداخلية وربطها بالقضايا العالمية. واستدعت كلمة ترامب صدى خطاباته أثناء الحملة الرئاسية الانتخابية الأخيرة، حيث تحول من موضوع إلى آخر، وقدم فى كثير من الأحيان ادعاءات لا أساس لها أو متناقضة.

وبّخ ترامب الأمم المتحدة لفشلها فى لعب دور فى حماية حرية العقيدة، وبخاصة المسيحية حول العالم، وبدلًا من ذلك اتهمها بتمويل الهجرة التى تقوض الدول الغربية. ووصف الهجرة غير الشرعية بأنها «القضية السياسية رقم واحد فى عصرنا»، وألقى باللوم على ضعف الأمم المتحدة. وحذّر من أن «الأمم المتحدة تمول هجومًا على الدول الغربية وحدودها».

يُسلّح ترامب نفسه أمريكيًا وأوروبيًا بسلاح التخويف من تبعات الهجرة الواسعة وتبعاتها على الخريطة السكانية العرقية والدينية فى أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، مستغلًا خوف الأغلبية البيضاء المسيحية على تطور ميزان التمثيل العرقى والدينى بين تلاميذ المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، والتى تعكس تبعات هجرة عشرات الملايين من دول الجنوب، وهو ما يغير شكل ونسب السكان البيض المسيحيين فى أغلبهم

وانتقد ترامب جهود الهجرة العالمية فى أروقة الأمم المتحدة، واصفًا إياها بأنها تهديدات للحضارة الغربية. وادعى ترامب زورا أن لندن، العاصمة البريطانية، تتجه نحو «الشريعة الإسلامية» فى عهد عمدتها الحالى، وقال: «انظر إلى لندن، حيث لديك عمدة فظيع رهيب، لقد تم تغيير الأمر بشكل كبير، وتغير لدرجة أنهم يريدون الذهاب إلى الشريعة الإسلامية، لكنك فى بلد مختلف، لا يمكنك فعل ذلك».

وقال ترامب لقادة العالم إنه يجب على الجميع العمل على «حماية» المسيحية، وأضاف: «دعونا نحمى الحرية الدينية، بما فى ذلك أكثر الأديان اضطهادًا على هذا الكوكب اليوم.. إنها تسمى المسيحية».

كما سلط ترامب الضوء على الاحتفال بالذكرى السنوية الـ250 للولايات المتحدة العام الماضى، قائلًا: «تكريمًا لهذه الذكرى المهمة، آمل أن تنضم إلينا جميع البلدان التى تجد الإلهام فى مثالنا فى تجديد التزامنا وقيمنا وتلك القيم التى نعتز بها حقًا معًا.. دعونا ندافع عن حرية التعبير».

***

فى كلمته خلال تأبين كيرك، ادعى ترامب أن المعارضين السياسيين له، وبخاصة من يصفهم باليساريين والاشتراكيين والفوضويين، ليسوا مجرد خصوم سياسيين، لكنهم أيضًا يمثلون تهديدات روحية وقيمية للمُثل المسيحية العليا. ومع عدم خوض ترامب انتخابات مستقبلية، لم يكترث ترامب هنا بجذب أصوات المواطنين للتصويت اللاحق له، بل يبدو أنه يهدف إلى إعادة تشكيل هوية الحركة اليمينية الأمريكية حول القومية المسيحية البيضاء.

ورغم أن التدين لم يكن يومًا سمة ملازمة لترامب، كما أن مسيرته وسلوكياته المعروفة لا تعكس انسجامًا واضحًا مع التعاليم الدينية العامة أو مع قيم التواضع والرحمة المرتبطة بالمبادئ المسيحية الأخلاقية، إلا أن ملايين الأمريكيين يرونه رمزًا ملهمًا وزعيمًا مدافعًا عن قيمهم الروحية المحافظة.

***

من هنا لم يكن مستغربًا أن يحصد ترامب أصوات الإنجيليين الأمريكيين الذين وجدوا فى سياساته المتشددة تجاه الإجهاض والهويات الجنسية والهجرة ما ينسجم مع مواقفهم المحافظة. وقد برّر العديد من قادة الإنجيليين دعمهم له بالإشارة إلى جذوره البروتستانتية، معتبرين أن انتماءه لهذا الإرث الدينى يشكل سببًا إضافيًا لتأييده. وإلى جانب ذلك، فإن الثقافة الدينية الإنجيلية، المتأثرة بالتقاليد البروتستانتية، تنظر بإيجابية إلى الثراء وتمنح الأثرياء مكانة خاصة، وهى ميزة تحققت فى شخصية ترامب. وتشير تقارير إعلامية إلى أن التيارات الإنجيلية المحافظة عزّزت نفوذها فى البيت الأبيض خلال ولايته الأولى والثانية، حيث كان بعض ممثليها يعقدون جلسات دورية لأداء الصلاة المسيحية مع الرئيس داخل أروقة البيت الأبيض.

إقرأ على موقع 180  غزة تُطلق شرارة حرب الجامعات.. والقيم

ويُسلّح ترامب نفسه أمريكيًا وأوروبيًا بسلاح التخويف من تبعات الهجرة الواسعة وتبعاتها على الخريطة السكانية العرقية والدينية فى أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، مستغلًا خوف الأغلبية البيضاء المسيحية على تطور ميزان التمثيل العرقى والدينى بين تلاميذ المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، والتى تعكس تبعات هجرة عشرات الملايين من دول الجنوب، وهو ما يغير شكل ونسب السكان البيض المسيحيين فى أغلبهم، بل يغير من شكل وطبيعة الديانة المسيحية ذاتها، وبخاصة فى لون وعرق أتباعها بما يدفع بأن البيض لن يمثلوا غالبية أتباع المسيحية داخل أمريكا فى المستقبل القريب.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
محمد المنشاوي

كاتب متخصص في الشؤون الأميركية، مقيم في واشنطن

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  هل من تأثير للدين علی العلاقات الدولية؟