رهانات “المحور” ويقظة العرب

يقدم "المحور" المحسوب على إيران نفسه قوة لا يجرؤ أحد في طول الكرة الأرضية وعرضها على مقارعتها. لنناقش مشروعية مكونات هذا المحور أولا، فهذا هو صلب البنيان في المجتمعات.

يجادل إعلام “المحور” بأن إيران إستطاعت بناء تحالف قوي بين قوات مدعومة من طهران في أربع بلدان عربية، تمتد من العراق مرورا بسوريا ولبنان وتنتهي في اليمن. وأن هذا المعسكر العربي الموالي للدولة الفارسية أصبح من القوة والصلابة بما يهدد مصالح الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، وبالتالي لا تجرؤ واشنطن على مهاجمة إيران لأن الرد سيأتي من هذه القوات على القواعد الاميركية والأوروبية في المنطقة وعلى إسرائيل والدول العربية التي توجد فيها قوات أو شركات أو حتى ممثليات دبلوماسية أميركية أو غربية.

هذا المنطق يفترض أن حلفاء إيران هم دول أو قوى سياسية وعسكرية مشروعة، في الوقت الذي يرى العالم أنهم، في أحسن الأحوال، أحزاب ومليشيات تمثل فئات وطوائف وأقليات محدودة العدد. كما أن ولاءها وتسليحها وتمويلها من قبل دولة أجنبية، يفقدها مشروعيتها. فلن تقبل إيران، مثلا، أن ينشأ حزب في إيران يفاخر بولائه للولي الفقيه في النجف، أو إلى خليفة في الموصل. أما لو وصل الحال الى التمويل والتسليح والتوجيه السياسي والعسكري، فستعلن عليه حربا ضروسا لا تبقي ولا تذر. فالولاء للأجنبي، سرا أو علنا، هو خيانة عظمى، ومهما كانت المظلومية أو المذهبية التي تبرر بها هذه الاحزاب أو القوى إرتباطها بقم، فهي في نظر دولها وأغلبية مواطنيها طابورا خامسا.

كما أن هذا المنطق يبالغ في تقدير قوة وصلابة الأحزاب والمليشيات الإيرانية وإنجازاتها. ففي اليمن، فشلت جماعة الحوثي في فرض حكومة الأمر الواقع على العالم الذي أعطى التحالف العربي الضوء الأخضر بقرارات أممية لدعم الشرعية والجيش الوطني، وإستعادة سلطتها على قرابة 90 بالمئة من الأرض اليمنية التي كاد الحوثي أن يحكم السيطرة عليها، في العام 2015.

وفي سوريا، فشلت هذه المليشيات في دعم نظام بشار الأسد الذي كاد أن يسقط لولا تدخل روسيا، وبالتالي حصول موسكو على استحقاقات سياسية وعسكرية كاسحة، على حساب قوى المحور، التي تتعرض للقصف الإسرائيلي المتواصل بلا غطاء جوي أو صاروخي، أو قدرة على الرد، ناهيك عن التدخل الأميركي والدولي، وكذلك الإحتلال التركي.

ها هو الشعب العراقي يثور حاليا ويحمل شعارات تندد بإيران وتطالب بخروجها من العراق

وفي العراق، تنال القوى المؤيدة لطهران نصيبها من القصف، علاوة على ردود فعل سلبية على تغولها وفسادها، من جانب الحكومة، والمرجعية الدينية، والأحزاب الوطنية. وها هو الشعب العراقي يثور حاليا ويحمل شعارات تندد بإيران وتطالب بخروجها من العراق.

لذلك، تصبح  قصة النجاح التي تفاخر بها طهران، هي حزب الله، الذي إستلزم بناء قوته وهيمنته على لبنان حوالي أربعة عقود، إلا أنه يتعرض اليوم لحصار أميركي ودولي كبيرين، وقنوات التمويل والتسليح من إيران يُضيّق عليها الخناق، ومصادره الدولية أصبحت مكشوفة أكثر من ذي قبل، تطاردها المحاكم والمؤسسات الأمنية والمالية في أوروبا والأميركيتين وآسيا وأفريقيا.

أما الخلايا التي زرعت في المنطقة، كالأحزاب والفرق الطائفية في الخليج، والتحالفات التي عقدت مع دول كتركيا وقطر، ومع تنظيمات كجماعة الأخوان المسلمين وحماس، فقد ضعفت بضعف موقف الحلفاء وتعرضهم هم أيضا للرقابة والمقاطعة والمواجهة مع دول المنطقة والقوى الكبرى.

وهكذا، يقف مشروع الهلال الشيعي وولاية الفقيه مرة أخرى ليواجه حالة الرفض العربية لأعجميته، وطائفيته، وفساد أدواته، وهذه المرة عن تجربة مريرة، طويلة ـ إستمرت عقودا، وأسفرت عن كم هائل من الفوضى والدمار والصراعات. ففي العراق التي حكمتها أحزاب وقوى تدين بوجودها وبقائها لإيران، عجزت بعد وصولها للحكم عن توحيد البلد، وتأمينه وتنميته، بل حتى عن إعادته لحالته المستقرة والآمنة في فترات الحرب والحصار!

ولعل أكثر ما يستغضب العرب، أن إيران، التي تدعي دعم المستضعفين، تحملهم مهمة الدفاع عن مصالحها، وتكلفهم بإستهداف أعدائها، وتستخدمهم علفا لمدافعها. وعندما تتجرأ فتضرب إنطلاقا من أراضيها، كما فعلت ضد شركة أرامكو، تحمل أوزارها لحلفائها حتى يتحملوا هم، لا هي، التبعات.

الرهان على غفلة الشعوب وضعف العرب وغياب المسلمين بدأت ملامح فشله بالتحالف العربي لتحرير اليمن، والتحالف الإسلامي ضد الإرهاب، وبيقظة شعب العراق، فالمارد العربي إستيقظ، والمشروع الإيراني ينهار، والمد الأعجمي الطائفي إلى إنحسار.

(*) كاتب سعودي

Twitter:@kbatarfi

 

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  شهور عراقية ثقيلة.. على وقع الإحتدام الأميركي ـ الإيراني
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إلغاء السياسة.. وغلبة الـ"أنا" على الـ"نحن"!