مستِخدم اللغة في أقصى قدرة لها “ربما لم يكن جون ديكسون أول من لاحظ أن اللغة مركز كل نشاط التعلم، كل الاكتشاف. بالمعنى الدقيق للكلمة، كل شيء سواء كنا نُدرّس التاريخ أو الرياضيات أو الأدب أو الشعر أو الفلسفة، فنحن مُدرسين للغة”. [1]
اللغة قائمة على الشعر، قائمة على المجاز، حتى في حياتنا العادية وليس فقط الذهنية نستخدم كل أدوات الشعر. من الأمثلة، من القسم، التأكيد، التشبيه.. إلخ. برغم أنه يُنظَر له أنه متعلِق بالشكل الرومانسي أو اليوتوبي فقط في السائد الاجتماعي.
التاريخ اللغوي أيضا المعروف من النصوص الاولى هو نصوص شعرية، من إينوما إيليش، لجلجامش، وكتاب الموتى.
مفهوم الشعر أكبر من مفهوم القصيدة، لقدرة أدواته ومحدودية الإنسان.
أصول الخلق الأدبية المؤسسة كانت شعرية، الرواية والقصة القصيرة مراحل متأخرة جدا من تاريخ الخلق الأدبي، لهذا ظهر أولا الشِعر كون المحدودية كانت أكبر والمدرَك كان أكثر ضخامة.
فالشعر ليس فقط القصائد التي تخرج من معرَّف كشاعر، كل شيء يمكن أن يكون شعرا. الشعر أضخم من اللغة، لأن اللغة نفسها صورة شعرية ممتدة وضخمة.
الشعِر والفلسفة
حينما يحتل الشعر عند كانط “المقام الأول، من بين جميع الفنون الجميلة. إنّه يشرح الصدر ويوسّع أفق الروح لأنّه يطلق الحريّة للمخيّلة.. إنّه يهب النفس قوى جاعلًا إيّاها تستشعر قدرتها الحرّة التلقائيّة..”. [2] وكذا عند هيدجر الذي حاول تعريف الشعر من خارج الأطر التقليدية أو الأدبية من خلال الاعتماد على شِعر هلدرلين.
مفهوم الشعر والميتافيزقيا
1. عند العرب
ارتبط الشعر بشكل ميتافيزيقي كمصدر سواء في الشكل الشرقي أو الغربي، فقد كان عند العرب لكل شاعر شيطان، والجن كما قال ابن حجر في “فتح الباري بشرح صحيح البخاري” من ولد إبليس. واشتقت “الجنة” لغويا من الجن كذلك وهي المكان المفارق الجمالي.
وهذه الطريقة في قلة المعلومات والحاجة للتصنيف والرد لمتن يجنح المجتمع فيه إلى الميتافيزيقيا. ولم يكن العرب في وصفهم غير قادرين على الوصف الجمالي البارع للشعر وهذه نقطة جوهرية أنهم رغم ذلك ردوا الأمر إلى خارج وجودهم. وهذا الخارج دوما أكثر قدرة وجمال وهذا يتم الاشتراك به حتى الآن في بعض الألفاظ التي تُستَخدَم رغم دلالتها الأخلاقية السيئة في المجتمع كتعبير عن الجمالية الكبيرة.
وأيضا للأماكن الخالية من خلال وادي عبقر التي تم أخذ العبقرية من الاشتقاق. وليس عبقر فقط بل هو الأكثر شهرة، “منها البدي، أبرق العزاف”.
فالشعر كان عندهم كشكل من أشكال الألوهية الأرضية، في غياب الشكل الشامل لها.
الشعر ليس فقط القصائد التي تخرج من معرَّف كشاعر، كل شيء يمكن أن يكون شعرا. الشعر أضخم من اللغة، لأن اللغة نفسها صورة شعرية ممتدة وضخمة
2. الحضارة الغربية
وفي الحضارة الغربية ولاختلافات سوسيولوجية ارتبط الشعر بمفهوم الوحي وجرت التفرقة بينه وبين الرسام مثلا بمفهوم الوحي “أعمال الشاعر، التي نعتبرها متحالفة مع أعمال الرسام أو المهندس المعماري، لم تيدخل في مفهوم الفن الذي صاغه اليونانيون. لقد اعتبروا أن الشعر محروم من كل من السمات المميزة لـ”الفن”: إنه ليس إنتاجًا بالمعنى المادي، وهو ليس بالكامل محكوما بالقواعد. إنه ليس نتاج قواعد عامة بل نتاج الأفكار الفردية، ليست روتينية بل إبداعية، لا تتعلق بالمهارة بل بالوحي”. [3]
ودفع أفلاطون الشعر من مدينته الفاضلة برغم أنه استخدم صفات الشِعر في نصوصه ولهيمنته على طرق التفكير التي تتضاد مع العلم التجريبي وتقترب من الميتافيزيقيا.
3. الحضارة الصينية
يُعدُ كتاب الأغاني أو الأودي أقدم مجموعة شعرية بين القرنين الحادي عشر والسابع قبل الميلاد وما زالت تستخدم الأربعة حروف فيه كأصوات في اللغة الصينية الحديثة، وهو مليء بالتجربة الآتية من أجواء العمل و”التضحية” التي كانت للآلهة، فارتبط أيضا بالشكل المفارق للعالم أو أداة الربط بالخارج المفارق.
ويحتاج مفهوم “الشعر” لتأصيله إلى رده إلى متن كمحاولة لتقفي الصفات أو أحدها على الأقل ومفهوم المفهوم أنه ” يُفهم المفهوم عمومًا في فلسفة العقل للإشارة إلى أحد مكونات الفكر”. [4] وهذا المفهوم يختلف من عصور إلى عصور ومن الفلاسفة إلى العلماء وفي حديثنا عن الشعر يختلف بين الشعراء والفلاسفة والقراء أيضا.
جان لوك نانسي ومفهوم الشعر
فجان لوك نانسي وهو فيلسوف فرنسي يقول إن مفهوم الشعر يتعدى الشكل اللغوي المنتَج إلى أنواع أخرى من خلال صفة شاعرية. “هذا هو السبب في أن كلمة “الشعر” يمكن أن تحدد نوعًا من الخطاب، أو نوعًا واحدًا بين الفنون، أو صفة تقدم نفسها خارج هذا النوع والتصنيف، وقد تكون غائبة جدًا عن أعمال من هذا النوع أو التصنيف”. [5]
تعمل القصيدة على إحياء جوانب الحياة بأكثرية ملحوظة، تستورد معقولات وغير معقولات، تستنفر ما وراء التكوينات، تبدل وتغير في وظائف الاشياء وتؤشر لما لا يمكن أن نختبره بشكل معين ومحدد. ولذلك هي تؤسس لعالم آخر أو تنوّه عن علاقات بين أشياء لا تربطها المنطقيات.
ولذلك اختلفت المفاهيم والتعريفات دوما. والتثبيت وعدم السماح بالنسبية نوع من السلطة، يُحاجج بها الكثيرون دلالات المفاهيم مع الآخرين.
وكتب الكثير من الفلاسفة الشِعر من نيتشه، حتى أفلاطون الذي أخرج الفلسفة من مدينته الفاضلة وإحتوت نصوصه كل صفات الشِعر.
وعرّف أو جرّب بول فاليري تعريف الشعر فقال:
“الشعر، مصطلح غامض، يعني أحيانًا الشعور يقود إلى الخلق، وأحيانًا إلى نتاج يميل ليُؤثرعلينا. تشير الحالة الأولى إلى عاطفة ذات تأثير خاص هي أن تصمم لنفسها في داخلنا ومن خلالنا عالمًا يتوافق معها. بالمعنى الثاني لهذه الكلمة يقصد بها صناعة معينة يُمكن التفكير فيها. إنها تسعى جاهدة للإنتاج وإعادة الإنتاج في الآخرين، الحالة الإبداعية التي تحدثت عنها، من خلال وسائل اللغة الإيضاحية”. [6]
يميل الشعراء إلى اللغة الميثولوجية لو كانت هناك حدود لها، بالتصنيف، لكنها حاضرة بنسب في بنية التفكير، وبول فاليري له نصيب ميثولوجي حداثي فيتجرد في محاولته تعريف الشعر إلى عاطفة ونتاج. العاطفة التي تؤسس في الاخر لا رمزية الكلمات ودلالتها بل مشيئة النص الشعري والثانية الموازنة مع الحالة الإبداعية للشاعر من خلال نصه بعيدا عن الخرفة اللغوية، اي الحروف والكلمات.
المراجع:
- The Pleasure of Product and Process
Poetry and Philosophy-A Few Things We Learned, Gerald Zinfon and Herbert Otto
- إمانويل كنت، نقد ملكة الحكم، ترجمة غانم هنا، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2005.
- A HISTORY OF SIX IDEAS AN ESSAY IN AESTHETICS by WLADYSLAW TATARKIEWICZ p83
- https://press.rebus.community/intro-to-phil-of-mind/chapter/concepts-and-content
- Resistance of Poetry by jean Luc Nancy
- The Collected Works of Paul Valery Edited by Jackson Mathews VOLUME 7 p3
(*) اللوحة المرفقة مع النص من تصميم الكاتب نفسه