

المَشْغَل اسمُ مكان من الفعل شَغَل وهو المَعمَل الصَّغير الذى تُزاوَل فيه الصِّناعاتُ اليدويَّة من نِجارة وحِدادة ونَسج وتَطريز وما فى حُكمها. الفاعلُ شاغلٌ والمَفعول به مَشغول والمصدر شَغْل بتسكين حرف الغين. إذا شغل الواحدُ المكانَ فقد ملأه، وإذا شاغلت الأمُ ولدَها فقد لاعبته وألهَته، وقد دَرجنا على استعمال مُفردة “الشُّغلانة” ما أردنا سؤال شَخصٍ عن عملِه؛ برغم أنها لا تَرِد فى أغلبِ مَعاجم اللغة العربية.
***
“الخطُّ مشغول”؛ تعبيرٌ قديم استخدمه من شَهدوا الوقتَ الذهبيَّ للهواتف الأرضيَّة؛ حينما لم تكُن هناك وَسيلةُ اتصالٍ سواها، أما هؤلاء الذى وَعوا على المَحمول وعلى خاصية الانتظار وإمكانات الرَّد على أكثر من مُتَّصِل بالتبادل؛ فغالبًا ما لا يجدون الفُرصَة للتعلُّل بانشغال خطوطهم أو خطوط الآخرين ما كان عليهم الاتصال بهم.
***
بعضُ المرَّات يريد الواحد الانفرادَ بنفسِه، دون أن يتطفَّلَ عليه شَخص. يَتشاغَل بقراءةِ جَريدة أو كِتاب وربما يرفع المحمولَ إلى أذنه متظاهرًا بأنه لا يرى أو يَسمَع سواه، يحاول أن يبدو مُنهمِكًا فى أمر ما؛ بينما يسعى فى حقيقة الأمرِ للهَرَب مِمَا يُوجِع الدِّماغ. إذا انكشفت حيلتُه تعرَّض للإحراج، وإذا انطلَت على مَن حَوله؛ فاز بفترةِ الرَّاحة المُشتهاة.
***
من الأحداثِ ما يَشغلُ الانتباهَ ويَصرِفُ الناسَ عن مُتابعة ما عداه. المَنطقيُّ أن تحتلَّ الوقائع المُهمةُ المُؤثرةُ رأسَ قائمة الأولويَّات، بينما يُترَك الهامشُ للتوافِه. الحالُ فى مُجتمعاتنا مَقلوبةٌ رأسًا على عقب؛ نعدو وراء أخبار بلا معنى ونلهثُ لمعرفة تطوُّراتها، نتقصَّى لونَ رداء نجمةٍ وتَصفيفةَ شَعْر مُطرب، وننشغل حتى الثمالة بأحوال الطلاق والزواج والشائعات.
***
إذا شَغلَ المُستأجِر الدارَ فالمعنى أنه سكنها وأقام فيها، السَّكن من السَّكينة أيّ الراحة والاطمئنان؛ زوالهما يقضُّ البالَ ويُؤرِّق المَضاجِع ويُورِث المَرءَ خوفًا من المُستقبل وشعورًا بعدم الأمان. فى قانون الإيجار الجديد ما لا يَستقيم وأوضاع ملايين الناس، قاطنون قَضوا أعمارَهم فى بيوتهم، يشقُّ عليهم الرحيلُ عنها، ويضنيهم الإذلال، وإذ يتوجَّسون من مصائرهم؛ فإنهم لا ينفكون يبحثون سبل المقاومة وحيل البقاء.
***
المَشغوليات الكثيرة تحرمُ الواحدَ مُتع الحياة البَسيطة. مَشغول البال ومَشغول القلب؛ الأول كثير الفكر، والثانى فى حال عشق لا تترك فسحة لغير المعشوق، والاثنان يشعران بالامتلاء لا الخواء، وذاك مما يُغبَط المرءُ عليه.
***
انشغل عنه وبه وعليه؛ تعبيراتٌ ثلاثة تختلف عن بعضِها البعض تمام الاختلاف. انشغلَ عن صاحبه بأمرٍ ما؛ يعنى أنه لم يتمكَّن من الاهتمام به على النَّحو الواجب، وانشغل بصاحبه؛ أى وجَّه له انتباهه وأعانه على أمرِه، أما انشغلَ عليه؛ فكناية عن القلقِ الذى أبداه تجاهه.
***
عادة ما نقول إن فلانًا اشتغل على نفسه؛ قاصدين أنه طور أداءه للأحسن، أما قولة “فلان اشتغل علانًا” فتعبير آخر شائع؛ يعنى أن الأولَ نسَج كذبةً وأقنع بها الثانى، أوهمَه بغير الحقيقة عامدًا، والاشتغالة تشير بدورها إلى خدعة ما، وجميعها استخدامات اصطلحنا عليها واختصرنا بها شروحًا مطولة.
***
“انتى جايه اشتغلى إيه”؟ أشهر سؤال مسرحيّ تحوَّل إلى مأثور طريف نستخدمه فى مَواقف عدَّة، خاصَّة كلما صادفنا شخصًا فى غير محله، يتحدث عما لا يَعرف أو يُعلِّق على موضوع يجهل تفاصيله، ظهرت مسرحية “إلا خمسة” على الخشبة فى ستينيات القرن العشرين؛ بطولة مارى منيب وعادل خيرى، وشارك فيها أيضًا عدلى كاسب وسعاد حسين.
***
تضفى المشغولاتُ بأنواعها ذَهبية كانت أو فِضية، أو حتى من غير المَعادن النفيسة؛ بهجةً خاصةً على نساء كثيرات. يَجِدن فى النَّظر إليها مَسَرَّة، وفى اقتنائها سَعادةً كبرى، وحبَّذا لو لفتت انتباه الآخرين فعلقوا بإطراءٍ أو مديح.
***
هناك من يحظى بوقت فراغٍ طويل، لا يجد ما ينشغل به فى يومه، ولا ما يتطلع إليه فى مستقبله. لا يعنى هذا أنه سعيدٌ مَجبور الخاطر وهانئ بحياته؛ فغياب الهدف وعدم الالتزام بواجبات مُحدَّدة يصيب الواحد بالهمِّ والغمِّ، فإذا كثرت المشاكل التى يسببها وتعدَّدت معاركُه التافه؛ أدرك الناسُ موطن العلة وقالوا إنه “فاضي” لا يجد ما يفعل، والقَّصد أنه يشغلُ نفسه بالمُناكشَة واستفزاز الآخرين.
***
إذا اهتم الواحد بأمر ما، وكرَّس له وقته، وقام ونام يفكر فيه؛ لبات شغله الشاغل دون مُنازِع؛ أى مَوضِع انتباهه الدائم، لا يَصرفه عنه أمرٌ آخر.
(*) بالتزامن مع “الشروق“