دولتان.. لا تكونان

اعترافُ عددٍ من الدول بـِ"دولة فلسطين" ليس في أكثرِهِ إلَّا رَواغاً. لا جَرَمَ في ذلك ولا غرابة. الرَوَّاغون كثيرون، وفي الدرَكِ المُهينِ يقبعُ ولاةُ العربِ، ولا نقولُ "قادة". حاشا أن يستحقُّوا هذه التسمية. يتشدَّقُ هؤلاءِ الولاةُ بالدعوةِ إلى ما يُسمَّى بـِ"حلِّ الدولتينِ". لم يقُلْ أحدٌ منهم شيئاً حول جغرافيا هذه الدولة. ولم يَنبِسوا ببنتِ شَفةٍ حول مضمونِها وهُويّتها وتاريخِها وموقعِها في العالمِ بعد نحو ثمانيةِ عقودٍ على اغتصاب فلسطين.

لم يُصدّق البريطانيون والفرنسيون ثمَّ الأميركيُّون أنَّ الكيانَ الإسرائيلي الذي زرعُوهُ بين مشرقِ الوطنِ العربي ومغرِبِهِ سيعيشُ طول هذه المدَّة. رأَوْا الأمر قائماً فلماذا يكونون ملكيينَ أكثرَ من الملك؟ الولاة العربُ أنفسُهم كانوا شركاءَ أساسيين في هذا المشروعِ، من أجل السلطة. الرأسماليةُ الاستعماريةُ الأميركية ُوالغربية ُقرأتْ هذه الحقائقَ مثل الصهاينةِ تماماً. وما زالت كلمة جو بايدن عندما كان عضواً في الكونغرس تطنُّ في الآذان، إذ قالَ: “إذا لمْ نُوجِدْ إسرائيل لكان يجبُ أنْ نسارعَ إلى إيجادها لأنَّ فيها مصلحتَنا ولأنَّها قاعدتنا وثكنتنا المتقدِّمة في الشرق”. وها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يستدعي قبل أيامٍ على هامشِ الجمعيةِ العامَّةِ للأمم المتحدة عدداً من الولاةِ العربِ ليطرحَ عليهم خُطةً خداعيَّة ًجديدةً لإيقافِ الحربِ على غزَّةَ. حضرُوا الاجتماعَ صاغرينَ، لم يسأل أحدٌ منهم عن دولةِ فلسطينَ، وعندما خرجُوا لم يتجرَّاْ أحدٌ منهم على إدانةِ جريمةِ الإبادةِ التي يُنَفِّذُها الاحتلالُ لا نتنياهو وحدَه. لقد فرِحُوا عندما شدَّدَ ترامب على أنَّ خُطته تقومُ على مبدأ القضاءِ على المقاومةِ فكرةً وأسلوباً سواءٌ عند “حماس” أو غيرها. وهذا يعني أنَّ ترامب ونتنياهو يحاولانِ شراء الوقت للاستمرار في إدارة الحرب. ويسْعيانِ إلى اِسيعابٍ مؤقَّتٍ لصدمةِ العزلةِ الشعبيةِ التي طوَّقَتْهُما في أوروبا وأميركا اللاتينية وعدد من دولِ آسيا وأفريقيا حتى في الولايات المتحدة نفسِها، فيما رئيسُ السلطةِ الفلسطينيةِ محمود عبَّاس لم يمتلكِ الحدَّ الأدنى من الخجلِ ليسكتَ بدلاً من أنْ يُهاجمَ “حماس” والمقاومة ويُعلنَ اِستعدادَهُ للعملِ مع ترامب الذي منعه من دخول الولايات المتحدة لحضور الجمعية العامة. أيُّ صلافةٍ هذه فيما نرى إسبانيا تُصعِّدُ مواقفها ضدَّ “إسرائيل”، وتدعم أسطول الصمود الدولي لكسر الحصار على غزَّةَ. أمَّا في إيطاليا فقد غَصَّتْ شوارع المدن بالتظاهرات الغاضبة برغم أنف رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني التي ترفض الاعتراف بحقِّ الشعب الفلسطيني بدولةٍ على أرضِه. غير أنَّ مَنِ التقطَ المعنى الأممي التحرُّري للقضيةِ الفلسطينية كان الرئيس الكولومبي غوستاف بيترو الذي دعا إلى إنشاء جيشٍ عالميٍّ لتحرير فلسطين كونُها – بحسبِ تعبيره – هي العنوانُ الأممي المعاصرُ للكفاح ضدَّ الرأسمالية والإمبريالية والاستعمار.

أمَّا عندنا، في بلاد العرب التي قد لا تبقى لهم بلادُهُم، فقد بصمَ الولاةُ العربُ الأميركيون – الإسرائيليون على طلب ترامب إسقاط القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى مجرَّدِ مسألةٍ أمنيةٍ في غزَّة. فَهِمَ الولاةُ العربُ ما يريدُهُ ترامب ونتنياهو وارْتضَوْا. أفهَمهُم ترامب أنَّ الصراع هو صراع وجوديٌ فإمَّا العربُ في الشرق وإمَّا اليهود والكيانُ الإسرائيلي. لقد أبلغَهم بأسلوبه الذي يجمع بين السخرية والوقاحة أنَّ الولايات المتحدة تقف مع مشروع “إسرائيل الكبرى” التي لا مكان فيها لدولة فلسطينية وربّما لأيِّ دولة عربية ذات قيمة بعد أن دارت في المنطقة مطحنة الدماء الطائفية والمذهبية والعرقية.

بإزاء ذلك يبدو لنا واضحاً أنَّ الحكوماتِ الأوروبية ولا سيَّما بريطانيا تمارس النفاق السياسي عندما تعلن الاعتراف بدولة فلسطين. أمَّا الشعوب فأمر آخر لكنَّ القرار ليس بيدها حتى الآن، لكنَّه لن يتأخَّر كثيراً.

نحن والعدوُّ الصهيوني والاستعمار الأميركي-الغربي والأنظمة العربية المرتهنة أضدادٌ لا نلتقي. حلُّ الدولتين خرافة سياسية. دولةٌ يهودية ودولةٌ فلسطينية لا تكونان ولا تتعايشان، ما لم يتغيَّر ميزان القوى العالمية. ولا سبيل أمامنا سوى المقاومة.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  مارتن لوثر كينغ.. أينك من أمريكا اليوم؟
بسّام ضو

عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الكُتّاب اللبنانيين

Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  بن غفير حامي نتنياهو حتى ولو بالحرب الأهلية!