مقولات هيكل بالأمس واليوم.. رسائل المستقبل

ما أهم صفات الكاتب والمفكر والمحلل والخبير الاستراتيجى الحقيقى وليس المزيف؟ الصفات كثيرة ومتعددة، وإحداها أن يكون قادرًا على فهم الواقع والحاضر، بما يجعله قادرًا على توقع وقراءة المستقبل. الكاتب الحقيقى ليس متبنيًا أو قارئًا للطالع، بل لديه رؤية وفهم عميق للتاريخ ووقائعه وأحداثه بما يمكنه من توقع حركة المستقبل.

الصفات السابقة تنطبق على الكاتب والمفكر الكبير محمد حسنين هيكل الذى رحل عن عالمنا فى ١٧ فبراير/شباط من عام ٢٠١٦.
هيكل أو الأستاذ أو الجورنالجى ولد فى ٢٣ سبتمبر/أيلول عام ١٩٢٣، وبالتالى مر على مولده عامان بعد المائة.
مساء يوم الثلاثاء الماضى احتفلت مؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية بتوزيع جوائزها التشجيعية لعام ٢٠٢٥، وهو الاحتفال الذى يُقام فى ذكرى ميلاد الأستاذ سنويًا. وقد فاز بالجوائز الزملاء يوسف عقيل من «المنصة» عن صحافة البيانات المتعلقة بالعدوان الإسرائيلى على غزة، ويحيى اليعقوبى من غزة لتغطيته الميدانية لحرب الإبادة الصهيونية هناك، وسلمى عبدالعزيز من السودان عن تحقيقاتها عن تداعيات الحرب وكارثة الجوع فى السودان.
هدايت تيمور زوجة الأستاذ ورئيس مجلس إدارة المؤسسة قالت، فى كلمتها، إن المؤسسة تسعى منذ انطلاقها إلى تمكين الشباب وتدريبهم وتطوير مهاراتهم وإبراز إبداعاتهم بما يسهم فى الارتقاء بالصحافة العربية.
أعود إلى ما بدأت به، وأشير إلى أن ما لفت نظرى ونظر غالبية الحاضرين لاحتفال أمس الأول الثلاثاء، هو الفيديو الذى عرضه وأعده الإعلامى محمود التميمى، وهو عبارة عن مجموعة من مقولات هيكل خلال مقابلاته التليفزيونية.

أظن أننا نحتاج إلى إعادة قراءة محمد حسنين هيكل مرة وكل المفكرين العظام مرة أخرى فى ضوء الواقع المرير الراهن، ليس بهدف تقديس الشخص إطلاقًا، بل محاولة الفهم والاستيعاب والتدبر والتحسب

المقولات تكشف كيف كان هذا الصحفى الاستثنائى قادرًا بخبرته وعمق بصيرته أن يقرأ المستقبل بصورة صحيحة.
المقولة الأولى كانت فى يوليو ٢٠٠٧، وتحدث هيكل، قائلًا:

«هناك رغبة إسرائيلية عارمة لإزاحة قطاع غزة، وهى رغبة واضحة فى الخطط الإسرائيلية المتكررة، وأن إسرائيل تتصرف دائمًا مع غزة باعتبارها قنبلة موقوتة، وتريد أن تزيحها إلى مصر، وقلت قبل سنوات طويلة: نفسى أن مصر تنتبه إلى يوم تدفع فيه إسرائيل قنبلة غزة الموقوتة تجاه مصر».
هذا ما قاله هيكل والسؤال: هل هناك وضوح رؤية أكثر من ذلك؟
المقولة الثانية لهيكل فى ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٧ وكانت كالتالى:

«ما تريده إسرائيل بالأساس هو السعودية، وليس الفلسطينيين، أى التطبيع مع كل دول الخليج».
المقولة الثالثة لهيكل، وكانت فى نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٠٨ وجوهرها:

«سوف تتفاوض إسرائيل فى الفترة المقبلة مع نفسها أى مع إسرائيل أو أمريكا، على طريقة مقولة سعد زغلول «جورج الخامس يفاوض جورج الخامس».

وهذا ما يحدث الآن بالضبط للأسف الشديد.
المقولة الرابعة كانت فى ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٧، وجاء فيها:

«السياسة الأمريكية هى الاحتفاظ بالجناح الشمالى المطوق للعالم العربى أى تركيا وإيران وإسرائيل الموجودة فى قلب المنطقة، إسرائيل وأمريكا لا تريدان ضرب إيران، بل ضرب وتغيير النظام، وإعادة إيران إلى نظام قريب موالٍ لها على غرار نظام الشاه».
وأظن أن هذا ما حاولته إسرائيل وأمريكا بالضبط فى عدوان، يونيو الماضى، ولم تتمكنا منه، وأغلب الظن أنهما سوف يعيدان المحاولة أكثر من مرة لتحقيق هذا الهدف.
المقولة الخامسة، وكانت فى ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٣ وهى:

«إذا حدث وعادت إيران إلى إسرائيل سيكون تحولًا استراتيجيًا لا نستطيع كعرب مواجهته ببساطة».
هذه بعض مقولات هيكل التى تبدو اليوم وكأنها نبوءات مبكرة لما سيحدث لاحقًا.
ومن سوء الحظ أن غالبية الحكومات العربية لم تتعامل مع هذه الرؤى بما تستحقه من جدية، ومن سوء الطالع أن محاولات كثيرة من قوى وأشخاص فى المنطقة العربية سفهوا وقللوا من قدر هذا الرجل، وحاولوا تشويهه بكل الطرق، وبعضهم بشرنا بالسلام مع العدو الصهيونى مراهنًا على أن الذئب يمكن أن يتحول إلى حمل وديع!
رحل هيكل بجسده، وظلت معظم أفكاره ومقولاته وتحليلاته صالحة للتعامل مع واقعنا بل مع مستقبلنا.
أظن أننا نحتاج إلى إعادة قراءة محمد حسنين هيكل مرة وكل المفكرين العظام مرة أخرى فى ضوء الواقع المرير الراهن، ليس بهدف تقديس الشخص إطلاقًا، بل محاولة الفهم والاستيعاب والتدبر والتحسب.
هيكل اجتهد، أصاب كثيرًا وأخطأ أحيانًا، لكنه ما يزال أهم وأفضل كاتب ومفكر ومحلل صحفى عربى حتى الآن.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  تيار ثالث بين الفكر الحديث.. والتحرير
عماد الدين حسين

كاتب وصحافي مصري

Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  إيران الثورة وإيران الهضبة.. لا تُختزل بعمامة