السيد.. القيادة والقدوة

كثيرون تكلموا وأجادوا التعبير عن شعور الحب والفقد والشوق واليُتم مع ارتقاء أب المقاومين السيّد حسن نصرالله شهيداً. من المناسب أيضاً التركيز على واجب الشعور بالمسؤولية التي تركها لنا السيّد، وكيف نُثبت أننا على قدر الحمل، وأننا نُحي ذكراه في كل لحظة، وليس فقط لمناسبة الذكرى الأولى لإستشهاده.

من سُنَنّ الحياة، أن فقد الأطفال لآبائهم يحفّزهم على الاستقلالية، وتنمية القدرات الذاتية، ليثبتوا أنهم سيصبحون آباء صالحين أو أمهات صالحات بدورهم/هن كما كان آباؤهم.

مجتمعنا لديه الكثير من المقدرات، لكنه طفل في بعض المجالات، وأهمها التحرير والسيادة.

السيّد لم يكن ساحراً رمى بتعويذة فتقدمنا بأشواطٍ في مجال التحرير والسيادة والنصر.

هو كان بشرٌ مثلنا عمل مع بشرٍ مثلنا، وضعوا ثقتهم ببعضهم البعض، وساعدوا بعضهم البعض. ومعاً حددوا الهدف، وصبّوا جُلَّ جهودهم نحو تحقيق هذا الهدف، غير آبهين بالنتائج الآنية. لم يستصغروا حتى أبسط المهمات، ولم يستسلموا حتى أمام أعتى المهمات، بل جزّأوها إلى مهمات بسيطة. لم يقعوا في فخ الإتكالية في كل ما يحتاجونه، بل تأنوا وثابروا متبعين مبدأ الاعتماد على النفس. لم يطمح أحدهم إلى غلبة حجته على حجة الآخر، بل طمحوا سوياً إلى ما يحقق الهدف.

إذا كانت الوصفة أعلاه نجحت في أخطر وأقدس مجال وهو تحرير الأرض من الاحتلال، علينا أن نطبقها فوراً في المجالات الأخرى، وأولها الإنتاج والتعليم والبحث العلمي.. وحتى السياحة والترفيه.

تطوير الذات والمجتمع

لنضع أهدافنا، كل حسب هواه ومقدراته. ولنجتمع مع أقراننا ونُفعّل بعضنا بعضاً. ولننشر هذه الوصفة ونعظّمها.

المشروع الفاشل ليس ذاك الذي لا يعود بالربح السريع. بل ذاك الّذي يتوقف بغياب أصحابه، والذي لم يكن مناسبة لتطوير قدرات وثقة أحد غيرك، أو حتى أنت!

في المقابل، المشروع الناجح ليس الذي تسيطر على كل مفاصله وتحيط به علماً. بل ذلك الذي طورت فيه اختصاصك ووضعته بخدمة الآخرين، وأعطيت الفرصة لغيرك كي يفيدك في اختصاصه. فالمعرفة والقدرة في كل المجالات سراب. والنجاح تبادل خبرات وتراكم تجارب.

والأهم أنه لا بأس إذا لم يكن لديك مشروع بالمعنى الشائع، أو لم يتنسن لك بعدُ الانضمام الى مشروع غيرك. بل بإمكانك رفد المشاريع التي تطور حقاً قدرات مجتمعنا- ولو عن بُعد. كأن تقدم نصيحة بناءة لأعضاء فريق مطعم تساعدهم في تحسين خدماتهم، بعد أن لمست إخلاصهم وتعاضدهم في العمل وطموحهم لتقديم خدمة مميزة. أو كأن تشتري منتجاً محلياً ولو لم يكن منافساً جدياً للمنتج الغربي، إدراكاً منك أنك عندما تفضله عن غيره فإنك تساعد في تطويره.

وفي هذين المثلين، لا تنتظر المردود الآني، أكان معنوياً أم مادياً.

هذا هو معنى المسؤولية التي يضعنا غياب السيّد الشهيد الأسمى أمامها: أن نضع أمام أعيننا تطوير مجتمعنا. جميعنا شركاء في هذا المشروع وعلينا أن لا نستصغر أي مساهمة فيه.

القدوة والشفافية

بالعودة إلى مجال التحرير، علينا أن نسأل: كيف وصلت منظومة المقاومة وهي بهذا الحجم والتفرّع إلى قدرة الإنجاز بهذه الفعالية؟ حتى صار يخيل لنا أن لمسة القائد العظيم موجودة في أزهد الحركات العملية للمنظومة؟

بالتأكيد ليس بالسطوة والأمر المباشر من قبل القائد للموكلين بالعمل. حتى وجود مئات القادة من طينة القائد العظيم لا يفسر هذه الفعالية.

السطوة تنفع فقط في المنظومات الهرمية التي يطمح أفرادها للتسلق وتحصيل الامتيازات، لا في منظومة يتسابق أفرادها للتضحية، ولا يعرف القادة فيها إن كانوا سيحضرون إجتماع الأسبوع المقبل!

ما يفسر هذه الفعالية ليس مبدأ السطوة بل مبدأ القدوة. أن نرى القائد ينفذ بنفسه مرات ومرات ما يطلبه منّا، حتى يصبح من الكماليات أن يأمرنا به! والأهم هو أن يشرح لماذا وضع هذا الهدف أو ذاك، وعلام استند، وبأي وسائل راكم معرفته، ويفصّل آليات عمله واتخاذ القرار. كان يفعل كل ذلك بشفافية مراراً وتكراراً لدرجةٍ لا نعود نحتاجه، فينتقل إلى العمل مع أقرانٍ لنا ما زالوا بحاجة لقدوته.

والقدوة الذكية لا تهدف لجعل الفرد نسخة طبق الأصل عن القائد. ولا تتوقع أن تكون ردّات فعله ومقاربته مطابقة تماماً لما تتصوره. بل تترك له وتحمس عنده جانب من الإبداع والتعبير عن الذات. فهي على يقين أن هذا الاختلاف سيكون المفتاح لمواجهة التحديات المستقبلية التي لا تشبه تحديات اليوم.

القيادة صعبة، ولا يتولاها أيٌّ كان. والقدوة أكثر صعوبة بأشواط ! جوهرها أن العبرة في ما تترك لغيرك وكم ساهمت في تنمية قدراته، ليس في ما تجني أو حتى في ما تنجز.

وهنا نختم مع المعنى الثاني للمسؤولية التي يضعنا أمامها غياب شهيدنا الأسمى، وهو أن نقود مشاريعنا على اختلافها بمبدأي القدوة والشفافية، حتى يكون في أعمال كل واحد منا لمسة صغيرة من القائد الأممي.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  القصر الذي لم يتوقعه السياسي
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  خطّة "لازار" المالية: التوصيف الفج والحل المنقوص