بعد 55 عاماً على رحيل عبد الناصر.. هل غابت الأُمة مع زعيمها؟

ماذا بقي من إرث "الزعيم الخالد" جمال عبد الناصر بعد مرور 55 عاماً على غيابه (28 أيلول/سبتمبر 1970- 28 أيلول/سبتمبر 2025)؟

شخصية نادرة دخلت التاريخ العربي من بابه الواسع ولم تخرُج منه برغم انقضاء أكثر من نصف قرن على غيابها، وبرغم محاولات بعض الذين أتوا بعدها لطمس صورتها ومحو اسمها وإسدال الستار على أفكارها وإنجازاتها.

ظاهرة انسانية غير عادية، فيها شيء من النفس الملحمي الذي جعل منها أسطورة لم يغب بريقُها برغم غُبار الزمان، فذكراها حيةٌ أبداً، غابت جسداً، لكنها بقيت روحاً. فهي الحاضرة الغائبة ما يزال اسمُها محفوراً في وجدان الملايين، يترددُ على ألسنتهم ويسكن في أفئدتهم ويثير فيهم مشاعر العِزة والكبرياء.

شعوب هذه الأُمة من محيطها إلى خليجها، سُحِرت بجاذبية الزعيم وافتقدت هامته وطلَته وكلمته وإنسانيته. لم يسبِق أن جسَّد رجلٌ دولة بل أُمة بأكملها كما كان هو. وما من زعيم عربي شغل هذه الأُمة وملأ دنياها مِثله، فكان حقاً بمثابة “أُمة في رجل”.

معه تحوّلت مصر في الستينيات وحتى مطلع سبعينيات القرن الماضي إلى منارة مرفوعة الهامات ومفعمة بروح المواجهة والتصدي والتحدي والمقاومة، تحملُ مشاعر التحرير والتحرر وترفع رايات الوَحدة وتتحدث عن مفاهيم القومية وتزرع ثقافة الانتماء الأصيل وتجسد نبض كل عربي مهما نأت دياره، وتتفاعل مع همومه وهواجسه وتدافع عن وجوده وكيانه وأمنه واستقلاله.

يتذكر العرب جمال عبد الناصر، كما يتذكر الفرنسيون حتى يومنا هذا الجنرال شارل ديغول، والأميركيون جون كينيدي، برغم اختلاف الأحوال والظروف بين العرب وهؤلاء وأولئك. والعقود الخمسة لم تنجح في تغييبه عن المشهد السياسي المصري والعربي.

فالحاجة إلى استرجاع هذه القامة تعبر عن انشغالات الأُمة في معركتها مع ماضٍ فقد إيجابياته ولم تستوعب فيه السلبيات والأخطاء، ومع حاضر تتصارع فيه الأهواء وتفتقد فيه القيم بلا مرجعية، ومع مستقبل يكتنفه الغموض والمجهول.

وإذ تحل ذكرى الغائب الكبير فإنها لا تثير مجرد نوستالجيا عاطفية بمقدار ما تعبر عن توق جماعي حاد إلى من يقول عبارة يتردد صداها في أعماق الناس، إلى من يعيد في الربع الأول من الألفية الثالثة إطلاق صرخة الستينيات الماضية “إرفَع رأسك يا أخي”.

صحيح أن هناك قراءات مختلفة ومتعددة، تحليلية وتفسيرية لتلك الحقبة المهمة في تاريخ مصر والعرب. وصحيح أيضاً أن الصفحة التي كتبت ليست كلها بيضاء ففيها نقاط مظلمة كثيرة بدءأً بالهزيمة – النكسة عام 1967، وصولاً الى مسألتي الحريات والديموقراطية مروراً بالتوجهات الاقتصادية. وقد اشتدت حمأة الانتقادات إلى حد التجريح وصولاً إلى نعت ذلك الرمز المصري – العربي المثير للجدل بـ”الديكتاتور المقامر على مصير بلده”، كما فعل ابن مصر ووزير خارجيتها الأسبق والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى! واستمرار الجدل حول هذه الظاهرة، دفع أحد الكُتاب المصريين للتساؤل: “هل هي معجزة جمال عبد الناصر، أم هي مأساتنا الأبدية؟”.

لكن الأُمة التي رفعت عبد الناصر إلى مصاف الأبطال في مخيلتها وعقلها ووجدانها قابلت هذه الأخطاء برغم جسامة بعضها بغفرانها الرحب وشاءت أن تأتي المراجعة للتجربة الناصرية بقدر كبير من المسامحة.

يبقى أن حنين الكثيرين الى الماضي فيه سيل من التعبير عن غصة الحاضر والتوق إلى زعامات تكون في مستوى المرحلة المصيرية وعلى قدر المتغيرات التاريخية كما تملك القدرة على قيادة شعوبها وتمكينها من بناء المستقبل آخذة في الإعتبار أخطاء الأمس وتحولات اليوم بهدف بناء الغد على أساس تحويل التطلعات الوطنية والقومية من حُلمٍ الى حقيقة.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  أجدني كفرتُ.. بالعروبة!
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  القرض الصيني لتمويل العاصمة المصرية الإداريّة الجديدة.. مؤجل