ناصر عجمي.. زيتونه لوحات وألوانه فسحة أمل

اختار الفنان التشكيلي اللبناني ناصر عجمي "الزيتون" عنوان معرضه الفني الذي تنقل بين بلدته العباسية في جنوب لبنان و"ملتقى" صحيفة "السفير" في بيروت، المساحة التي هجرتها العدسات والأقلام بعد اقفال الصحيفة في نهاية العام 2016 لتتحول في السنوات الأخيرة إلى مساحات مفتوحة للفنون والأنشطة الثقافية.. والحوارية.

بمجرد أن يدخل الزائر إلى “الملتقى” يجد إلى يساره آلة بيانو ما زالت آثار الحرب “الإسرائيلية” ماثلة في ثناياها وعلى أزرارها. وفي أعلاها تصطف بضعة صور تعيدنا إلى زمن الأسود والأبيض. بعد ذلك يستقبلنا معرض ناصر عجمي بصحن كبير من الزيتون المملح، الحديث القطاف في مطلع الموسم الحالي؛ الزيتون المُحبّب عند أهل الجنوب لما يتمتع به من نكهة حادة مُخفّفة بالملح المشبع بالزيت البكر، وبعدها يأتي نادل ليُقدّم للزائر قطعاً صغيرة من الخبز مغمسة باللبنة وعلى كل قطعة حبة من زيتون “الجرجير”. ويشكل ذلك جزءاً واقعياً في معرض ينقل الزائر إلى عالم الخيال الذي رسمه عجمي بلوحات متفاوتة الحجم.

ولأن فلسطين هي أرض الزيتون وجارة جنوب لبنان وشريكته في تحمل عربدة الاحتلال “الإسرائيلي” وفاشيته وظلمه، فإن أكبر جدارية في معرض عجمي تحمل جسداً بشرياً في كفن أبيض يشبه نهراً وعلى ضفتيه شجر زيتون، ويُكلّل رأس الجسد كوفية فلسطينية. لا تظهر اللوحة أية ملامح للجسد، فهو قد يكون لطفل أو لعجوز، لإمرأة أو لرجل، فضحايا الاحتلال هم من كل الأعمار والأجناس، ووجود شجر الزيتون على ضفتي الجسد الضحية يُشكلان الحضن الطبيعي له من جهة وشراكته في تحمل تعسف المحتل من جهة أخرى. في زاوية الجدارية هذه تقبع نبتة الصبار التي يكثر تواجدها في كل من جنوب لبنان وفلسطين وترمز الى قساوة العيش وصعوبته في ظل الاحتلال.

وفي جدارية أخرى، يرسم عجمي جرفين طبيعيين عاليين يفصل بينهما ممر ضيق يقف فيه شكل إنسان بلا ملامح، وهنا يلعب عجمي باللون ليظهر التناقض بين بياض الممر وعتمة الجرفين ليظهر الأمل بصورة جلية على الرغم من هول عتمة الطبيعة المحيطة به. والملفت للانتباه أن عجمي رسم الممر عامودياً وليس أفقياً كما هي حال الممرات الطبيعية محاولاً بذلك التأكيد أن الضوء والأمل لا يمكن أن يحجبهما هول المحيط.

هناك الكثير من شجر الزيتون في لوحات عجمي، وكلها تؤكد على استمرارية الحياة بالرغم مما يحيط بها من أهوال. هنا شجرة تقف وحيدة في أرض كل ما حولها بور، وهناك أخرى تنتصب بين الركام الناجم عن القصف على المنازل الآمنة، وهناك أخرى أيضاً وارفة الظلال تقف بشموخ يلاقي شموخ أهل تلك المنطقة.

ويرسم عجمي جدارية لمرتفعات جبل عامل الشامخة تطل على بساتين الزيتون وتقف سداً طبيعياً حاضناً لمنازل أهله، فتكتمل في الجدارية معاني الصمود يبن الطبيعة والمنازل وشجر الزيتون.

ويُخصّص عجمي جناحاً في المعرض ليروي قصص الصمود بوجه الاجتياح “الاسرائيلي” لبيروت عام 1982 من خلال جداريات “كولاجية” يدمج فيها رسومات الدمار في بيروت بمانشيت صحيفة “السفير” الشهير: “بيروت تحترق.. ولا ترفع الأعلام البيضاء”.

ولا يغيب عن عجمي هول انفجار مرفأ بيروت فيُخصّص له بضعة لوحات أبرزها تلك التي تظهر أناساً بلا ملامح مقابل اهراءات المرفأ المدمرة جزئياً وكل مجموعة من هؤلاء الناس تتجه بأنظارها إلى اتجاهات مختلفة عن الأخرى، فيُصوّر بذلك التيه الذي عاشه أهل المدينة أمام هول الانفجار المرعب الذي وقع قبل خمسة أعوام وأدى إلى مقتل أكثر من مائتي شخص وجرح الآلاف وإلى دمار كبير في العاصمة اللبنانية. ولكن ما يُبدّد نظرة التيه في عيون هؤلاء الناس هو اللون الأزرق الطاغي على اللوحة بما يحمله من فسحة طبيعية للتفاؤل، فهذا اللون هو لون السماء ولون البحر المترامي.

ناصر عجمي افتتح معرضه أولاً في منزل والديه في بلدة العباسية الجنوبية؛ منزلٌ مدمرٌ شاهدٌ على همجية “إسرائيل” من جهة وعلى تمسك أبناء الجنوب بأرضهم وأيضاً ببيوتهم المُدمّرة من جهة ثانية. ومن الجنوب إلى مبنى صحيفة “السفير” في العاصمة. فعلاً كل الجهات وكل الدروب وكل القلوب.. جنوب.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الذهب.. حين يصبح الخوف عملة صلبة
سلطان سليمان

صحافي لبناني؛ كان يُوقّع مقالاته باسم "ماهر أبي نادر" لضرورات عمله

Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  بين الجد والحفيد.. ابتسامة الفوز والانجاز