مقدمة الدستور اللبناني.. كيف يصرفها النازحون في لحظة الحرب؟

تتصاعد من وقت لآخر التهديدات الإسرائيلية بحرب جديدة تطال هذه المرة لبنان بشعبه ومؤسساته وبناه التحتية.. وثمة وفود آتية وأخرى مغادرة، وهذه وتلك تزعم بأنها تسعى لمنع حصول تلك الحرب أو على الأقل تأخيرها!

وبرغم التزام لبنان بتطبيق بنود القرار 1701، وتجاوبه مع اقتراحات عدة لإبعاد شبح الحرب، ومنها الموافقة على الاقتراح الأميركي – الإسرائيلي بتطعيم لجنة الـ “ميكانيزم” التي أُنشئت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بمدني (ديبلوماسي سابق هو سيمون كرم)، إلا أن إسرائيل لم تنفذ أي بند من بنود القرار 1701 ولا اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي يُعتبر بمثابة آلية تنفيذية للقرار 1701..

ومع بدء العد العكسي لاعلان قيادة الجيش اللبناني من انتهاء المرحلة الأولى من تنفيذ قرار حصرية السلاح في جنوب نهر الليطاني، على أن تستكمل مع انسحاب قوات الاحتلال من التلال التي تحتلها عند تخوم القرى الحدودية اللبنانية، يحتار الجنوبيون ولا سيما سكان القرى الحدودية ومعهم سكان الضاحية الجنوبية، فيما يفعلون تحسبًا لأي اعتداءات إسرائيلية جديدة، وهم الذين لم يتعافوا بعد من الحرب الأخيرة، لا بل إن السجال الدائر في البلاد وعدم موافقة البعض على إعادة الإعمار قبل نزع سلاح حزب الله، جعل قضايا الاعمار والترميم والإيواء عنصرًا ضاغطًا على هذه البيئة التي تلاحق في جغرافيتها المقيمة والمغتربة، المحررة والمحتلة.

والملاحظ أن بعض سكان تلك المناطق ممن تشفع لهم إمكانياتهم المادية، يسعى، وتحسبًا لأي اعتداء جديد، إلى استئجار بيوت في مناطق تُعتبر آمنة لأن الاعتداءات الأخيرة لم تطلها، ولا سيما في جبل لبنان الجنوبي أو الشمالي. وقد وجد بعضهم ضالته العقارية، إنما بشروط محددة ودقيقة، وأسئلة لا يُحرَج المالك بطرحها على الساعي للإيجار، ومنها: معرفة عدد أفراد الأسرة الذين سيقيمون في المنزل أو الشقة، هل ينتمون إلى حزب ما وتحديدًا حزب الله؟ ماذا يعملون؟ وقد يصل الأمر إلى معرفة هل بينهم محجبات وهل بينهم ملتحين إلخ… هذا عدا كلفة الإيجار المرتفعة أصلًا والتي ترتفع باستمرار، ومدة الإيجار المحددة، مع إضافة شرط يكاد يكون موحدًا عند أصحاب تلك البيوت أو الشقق المؤجرة، وهو عدم استقبال أي شخص إضافي غير أفراد العائلة المقيمين في حال نشوب أي حرب.

الشرط الأخير يشكّل، التقيد به، كسرًا لكل العادات القائمة على استضافة الأسر للأهل والأقارب في أوقات الأزمات والحروب، وهو ما شهدته غالبية الأسر التي تقيم خارج المناطق التي استهدفت من قبل إسرائيل، إلا أن قسمًا من اللبنانيين يراه واقعيًا في ظل الاعتداءات الإسرائيلية التي طالت شققًا ومبانٍ استقبلت هاربين ينتمون، وفق الادعاءات الإسرائيلية، لحزب الله… وأدت إلى خسارة المؤجرين لممتلكاتهم إضافة إلى خسائر بشرية كبيرة طالت الهاربين.

وفي هذا الإطار، يستحضرني نقاش في إطار مادة المجتمع اللبناني دار بين طلابي في الجامعة اللبنانية أثناء مناقشة ما نصّت عليه الفقرة “ط” من مقدمة الدستور اللبناني، من أن “أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين. فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون…”، إذ اعتبر أغلبية الطلاب أن ما نصّ عليه الدستور مختلف كثيرًا عما يُعاش فعليًا، إذ إن السكن في لبنان أصبح بأغلبه ذا طابع طائفي إلا في بعض المدن الكبرى التي تعرف التنوع.

واعتبر أولئك الطلاب أن الحرب الأخيرة كسرت ذلك الطابع عند استقبال الهاربين من الحرب المختلفين طائفيًا وإن بشروط صارمة، إلا أن إسرائيل كانت مصرة على تكريس طائفية المناطق من خلال قصفها للعديد منها، مما ولّد تشددًا معاكسًا لما هدفت إليه الفقرة “ط” من مقدمة الدستور.
هذا الاستنتاج هو واقع معاش يواجهه أكثرية الذين لم يعودوا إلى مناطقهم بعد الحرب الأخيرة، ممن قرّروا، وأتيح لهم، البقاء في الأماكن التي استأجروا شققًا سكنية فيها خلال الحرب، أو أولئك الذين يبحثون حاليًا عن مسكن في مكان يُعتبر “آمنًا”.. وهي مشكلة ستواجه قسمًا من سكان الجنوب والضاحية الجنوبية في حال حصول حرب إسرائيلية جديدة.. عسى أن لا تحصل وأن تنجح قيادة البلد في توفير كل شروط وظروف عدم تجددها.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  ماذا عن "فراغ القوة" و"نزع السلاح" في بلاد الشام تاريخياً؟
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  العودة إلى إريك رولو.. لغة وشخصية وجرأة!