“لا يمكنك الاستسلام”!
في الولايات المتحدة، يقتصر الجدل بشأن الطائرات من دون طيار على الطائرات القاتلة في الترسانة الأميركية. ولكن بفضل انتشار التكنولوجيا الأميركية، وبقدر ضئيل من الوعي خارج حدودها، أصبحت تركيا الآن من بين أكثر المستخدمين لهذه الأسلحة.
الطائرات من دون طيار في تركيا موجودة دائماً في سماء جنوب شرق البلاد. كل يوم تقريباً، تطلق طائرة من دون طيار تركية (“تي بي 2”) النار على هدف أو تحدد موقع هدف يتم قصفه لاحقاً من قبل طائرة “اف-16” أو طوافة هجومية.
على مدار العامين الماضيين، وبينما كانت القوات التركية تطارد “حزب العمال الكردستاني” في شمال سوريا والعراق، سمحت الطائرات من دون طيار لأنقرة بالقضاء على أفراد المنظمة المحظورة من الجو، فاكتسبت عشق الأمة التركية.
وفقًا لمصادر رسمية، فإن طائرات “تي بي 2” التركية التي تحمل قنابل موجهة تركية الصنع قتلت 449 شخصاً في شمال غرب سوريا بين كانون الثاني/يناير ونيسان/أبريل 2018. وقتلت العشرات في شمال العراق، بمن فيهم قادة في “حزب العمال الكردستاني” كانت أنقرة تطاردهم منذ عقود. وداخل تركيا، في الجنوب الشرقي ذي الغالبية الكردية، قُتل ما لا يقل عن 400 شخص في غارات جوية شنتها طائرات تركية من دون طيار منذ عام 2016.
لقد أثبتت هذه الهجمات انها تحظى بشعبية كبيرة داخل البلاد، حيث تحولت الطائرات من دون طيار إلى نوع غريب من الأيقونات الثقافية. وقد قام أردوغان بنفسه بالتوقيع على حفنة من طائرات “تي بي 2” الأنيقة، مع ذيل مقلوب خلف محرك تدفعه مروحة. يقوم حكام جنوب شرق تركيا الذي يسوده التمرد بزيارات منتظمة إلى حظائر تضم طائرات من دون طيار للصلاة لأجل الوحدات التي تشغلها.
لكن تبني تركيا للقتل من بعيد له اثار مترتبة على حقوق الإنسان شبيهة بالطائرات من دون طيار التي كانت قد بدأت في واشنطن قبل أكثر من عقد. هناك أدلة على أن بعض الذين قتلوا بسبب طائرات من دون طيار في تركيا هم من المدنيين. ولكن مع اكتساح الحماسة القومية للبلاد، تم تفويض مهمة تحديد من الذي يجب أن تستهدفه ضربات الطائرات من دون طيار إلى ولاية ذات تفويض واسع النطاق للقيام بكل ما يلزم للقضاء على الجماعات الإرهابية – مع القليل من الاهتمام الواضح للأخطاء الفادحة التي يبدو أنها ارتكبتها.
“لا يمكنك الاستسلام لطائرة من دون طيار مسلحة”، أشار كريس وودز من “ايروارز”، مضيفاً “لا يمكن القبض عليك بواسطة طائرة من دون طيار مسلحة. هناك نتيجة واحدة فقط عندما تشتبك الأسلحة، وهي القوة المميتة. وهذا مصدر قلق كبير، خاصة عندما تستخدم الطائرات المسلحة من دون طيار على الصعيد الداخلي”.
في هجوم واحد فقط ضد أهداف كردية في محافظة عفرين السورية عام 2018، أدى قصف طائرات تركية من دون طيار إلى مقتل 449 شخصاً بشكل مباشر، واستهداف 680 آخرين خلال فترة ثلاثة أشهر
إغتيال أوزدن
لم تتردد الحكومة التركية في الاعلان عن عمليات قتل بطائرات من دون طيار تفتخر بها. إحدى هجماتها الأكثر دراماتيكية وقعت في 15 آب/أغسطس 2018. في ذلك اليوم، كان إسماعيل أوزدن، وهو مواطن تركي يُزعم أنه مسؤول عن عمليات “حزب العمال الكردستاني” في سنجار، شمال العراق، يحضر مراسم تذكارية بالقرب من قرية كوشو (وجد أوزدن أيضاً على “القائمة الحمراء” لأكثر الأشخاص المطلوبين في تركيا). وبينما كان إسماعيل يغادر الحفل التذكاري، كانت المخابرات التركية تراقب هواتف جماعته التي تعمل عبر الأقمار الصناعية وتمكنت من معرفة أنه كان مسافراً في شاحنة بيك آب بيضاء كجزء من موكب لـ”حزب العمال الكردستاني”.
أصدرت الحكومة التركية شريط فيديو مذهلاً للهجوم. راقبته طائرة “تي بي 2” من اعلى، وتعقبت موكبه، فيما أصابت قنبلة موجهة بالليزر شاحنته الصغيرة. وأكملت الطائرة من دون طيار مراقبتها بينما تدفق عشرات من زملاء إسماعيل أوزدن على الطريق ونقلوه إلى سيارة أخرى. وبينما كانت السيارة الثانية تشق طريقها نحو قاعدة حزب العمال الكردستاني المحصنة، قصفت الطائرة من دون طيار السيارة وقتلت أوزدن و10 آخرين.
449 قتيلاً في عفرين
وفي هجوم واحد فقط ضد أهداف كردية في محافظة عفرين السورية عام 2018، أدى قصف طائرات تركية من دون طيار إلى مقتل 449 شخصاً بشكل مباشر، واستهداف 680 آخرين خلال فترة ثلاثة أشهر. تم استخدام “تي بي 2” لتدمير صورة عملاقة لمؤسس “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان على سفح جبل في سوريا (نشرت الحكومة شريط فيديو لهذا الهجوم).
بعدما زعمت جماعات حقوق الإنسان أن الغارات الجوية التركية قد ضربت مستشفى في عفرين، نشرت تركيا لقطات من دون طيار تُظهِر أنها لم تُلحق سوى أضراراً جزئية.
أصبحت هجمات عفرين مشهورة جداً لدرجة يمكنك حتى اليوم أن تلعب على الهاتف الذكي لعبة من صنع طلاب جامعيين أتراك، حيث تقوم بقيادة طائرة من دون طيار مسلحة بتنفيذ ضربات في عفرين.
وقال رئيس الوزراء آنذاك بن علي يلدريم: “هذه المركبات القتالية وغير القتالية من دون طيار غيرت مصير عملية عفرين وأعطت تركيا اليد العليا”.
اما حين يتعلق الأمر بمن تقتل الطائرات من دون طيار، فليست كل العمليات شفافة مثل تلك التي قضت على إسماعيل أوزدن في شمال العراق.
قتل المدنيين
في الخريف الماضي، اضطر طاهر تمل وأفراد عائلته لمغادرة منزلهم في مقاطعة هكاري والانتقال إلى مدينة فان. تتميز الطرق المؤدية إلى قريتهم أوغول، التي تقع وسط تلال جبلية على بعد حوالي 12 ميلاً من الحدود العراقية، بوجود نقاط التفتيش.
يقول تمل إن 23 من أصل 25 عائلة تعيش هناك قررت تركها للأبد بدلاً من مواجهة الإستجواب اليومي من قبل الجنود الأتراك.
بدأت القصة في 31 آب/ أغسطس عام 2017، في عيد الأضحى، حين أدت غارة جوية بطائرة من دون طيار إلى مقتل شقيق تمل وإصابة ثلاثة من أقاربه.
“تعيش والدتنا في القرية، لذا ذهب أخي لمناسبة العيد مع ثلاثة رجال آخرين. ذهبوا إلى هناك لنقلها وإحضارها إلى البلدة، ولكن كان الوقت متأخراً، لذلك قرروا البقاء هناك والتنزه”، قال تمل.
شقيق طاهر، محمد، كان يبلغ من العمر 35 عاماً، وهو أب لابنتين وابن، يكسب رزقه كعامل بناء، وعادة ما يقوم بتركيب أنظمة تدفئة في المباني. قبل اسبوع، كان يساعد في بناء مستشفى في مدينة هكاري القريبة.
وفقاً لما قاله طاهر تمل والتحقيق الذي أجراه محامون من نقابة المحامين في المقاطعة، انضم محمد تمل إلى ثلاثة رجال آخرين من القرية ــ إسماعيل أيدين (43 عاماً) وابراهيم ساك (54 عاماً)، وموسى طرحان (54 عاماً) ــ وتوجهوا إلى أوغول. أثناء مغادرتهم هكاري، مروا عبر نقطة تفتيش حيث دققت بهوياتهم. في مكان يبعد حوالي 300 متر عن منزلهم، وتحت ظلال شجرة جوز كبيرة، بدأوا في اعداد المشاوي. قام كل من تمل وأيدين برحلة إلى القرية لشراء الخضروات، وعادوا لركن سياراتهم تحت شجرة الجوز.
أخبر اثنان من الناجين – طرحان وساك – وفداً من محامي حقوق الإنسان أنه بعد حوالي عشر دقائق من عودة الرجال الى القرية، وصلت سيارة بيك آب رمادية اللون إلى مكان الحادث. وظهر أربعة أشخاص مسلحين، وقد إشتبه الناجون في أنهم أعضاء في “حزب العمال الكردستاني”، واستجوب أحدهم لفترة قصيرة محمد تمل، وسأله عما يفعلون هناك، وما هي القبيلة التي ينتمون إليها. وعندما بدأ الغرباء يتجهون إلى شاحنتهم الصغيرة واستدار احدهم للحصول على سترة كان قد تركها بالقرب من مساحة الشوي، أصابتهم طائرة من دون طيار بقنبلة. أخبر ساك المحامين أنه يتذكر الغبار الذي غطى كل شيء، وبأن تمل واثنين من الغرباء كانوا يرقدون بلا حراك. خوفاً من انفجار ثانٍ، أوقف ساك وطرحان سيارة من القرية وتوجها إلى مستشفى في البلدة.
وقال طاهر تمل: “هكذا عرفت أن أخي أصيب بجروح بالغة ولا يزال في موقع الانفجار.. حاولنا إحضار سيارة لإنقاذهم، ولكن بحلول ذلك الوقت كان هناك جنود في جميع أنحاء الطرق، ولم نتمكن من الوصول إليهم”.
في المستشفى، تجمع حشد من الناس أبقاهم الجنود ورجال الشرطة في الخارج، مطلقين الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. قال تمل: “لم يسمحوا لنا حتى بغسل جسده، وأن نقيم جنازة لأخي”، مضيفاً “كانوا فقط في نزهة، وكانوا قريبين جدا من منزلهم. لقد مروا عبر نقطة تفتيش للوصول إلى هناك، وهي ليست نقطة سهلة، والشرطة هناك تدقق في بطاقات الهوية الخاصة بك، ولم تكن تلك المنطقة محظورة. ما زلنا لا نملك تفسيراً لسبب هجوم الطائرة من دون طيار”.
الحديث عمن تقتل الطائرات من دون طيار في تركيا ليس أمراً سهلاً. يرى الكثيرون أن الانتقادات لا تشكل إنحيازاً إلى “حزب العمال الكردستاني” فحسب، بل هي خيانة لمصدر فخر البلاد (المسيرات)
“خيانة لمصدر فخر البلاد”!
خلال الأسابيع التالية، أثير جدل وطني كبير حول الهجوم. في اليوم التالي، قالت السلطات إن أربعة من أعضاء “حزب العمال الكردستاني” “تم تحييدهم” بواسطة طائرة من دون طيار تابعة لشركة بيرقدار، وأن أربعة من “المتعاونين الذين عثر عليهم مع الارهابيين المحليين” – وهم إبراهيم ساك، موسى طرحان، محمد تمل، وإسماعيل أيدين – تمت اصابتهم. وقالت الحكومة المحلية إن أحد هؤلاء “المتعاونين” – محمد تمل – توفي في ما بعد متأثراً بجراحه.
في 8 أيلول/سبتمبر، القي القبض على إبراهيم ساك وموسى طرحان في المستشفى، واتهما بالإنتماء إلى “حزب العمال الكردستاني”. أما إسماعيل أيدين، الناجي الثالث، فهو قيد الاحتجاز حالياً، ويواجه تهماً بالإرهاب.
في أنقرة، عقد سيزغين تنريكلو، وهو مشرّع في حزب الشعب الجمهوري المعارض، مؤتمراً صحافيا ممسكاً بصور لمحمد تمل مع أطفاله، ومصراً على أن الرجال الأربعة كانوا مدنيين، مؤكدا انه إذا كان يشتبه في كونهم إرهابيين، لكان ينبغي توقيفهم عند نقطة التفتيش التي مروا بها. “هذا شيء يستخدم فقط في الحرب” ، قال تنريكلو، “لا وجود لمثل هذه الممارسات في دولة القانون، فقط في حالة الحرب، وحتى الحرب لديها قواعد معينة”.
ورد أردوغان قائلاً للصحافيين إنّ “ممثل حزب المعارضة الرئيسي إنتقد الطائرات المسلحة من دون طيار. هو يقول: يطلقون النار على المدنيين. أين هؤلاء المدنيون إذن؟ الطائرات المسلحة من دون طيار تطلق النار على الإرهابيين.. ولا يمكن لممثلي حزب الشعب الجمهوري إيقاف ذلك”.
الحديث عمن تقتل الطائرات من دون طيار في تركيا ليس أمراً سهلاً. يرى الكثيرون أن الانتقادات لا تشكل إنحيازاً إلى “حزب العمال الكردستاني” فحسب، بل هي خيانة لمصدر فخر البلاد (المسيرات). تنريكلو، وهو النائب المشرع المعارض الذي يتكلم بصراحة عن عدد من قضايا حقوق الإنسان في تركيا، هُدّد بالتحقيق معه من جانب النيابة بعد تصريحاته حول ضربة هكاري.
“من الصعب للغاية الآن التحدث عن طائرات مسلحة من دون طيار، بسبب كل التصريحات التي صدرت ضدي”، قال النائب تنريكلو لموقع “انترسبت”.
تواجه مجموعة المحامين التي زارت أقارب الضحايا وأعدت تقريراً في هذا الشأن، دعوى بإهانة الأمة التركية (جريمة وفق القانون التركي)، بسبب توثيقها للضربة. وقال أحمد أوزمن، الرئيس السابق لنقابة المحامين في دياربكر الذي ترأس وفد المحامين: “بعدما سمعنا أن المدنيين قد أصيبوا، قمنا بإعداد هذا التقرير ببساطة لأنه من واجبنا… لا يمكنني إضافة أي شيء آخر إلى ذلك الآن”.
منذ محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان في العام 2006، تلقى نحو 60 ألف شخص إستدعاءات بتهم الإرهاب، بما في ذلك مئات المحامين والصحافيين والمشرعين وغيرهم بسبب تصريحاتهم.
وقال أوزتورك تركدوجان، رئيس جمعية حقوق الإنسان التركية لـ”انترسبت”: تستطيع تسميتها ما تشاء – “بريداتور”، طائرة من دون طيار مسلحة – لكن بموجب القانون الدولي والطريقة التي يتم استخدامها، يجب حظرها في جميع أنحاء العالم”. منظمته هي واحدة من المجموعات القليلة في تركيا التي بدأت بتسجيل استخدام الطائرات المسلحة من دون طيار في عام 2016، ولكنها واجهت صعوبة في متابعة تقارير الخسائر البشرية، وهي تعتمد على الضحايا أو عائلاتهم للحصول على معلومات.
بالإضافة إلى ضربة هكاري، وثقت الجمعية نفسها ثلاث ضربات أخرى عام 2017 كانت قد قتلت مدنيين. على سبيل المثال، في 13 حزيران/يونيو 2017، فتحت طائرة مسلحة من دون طيار وطوافات مسلحة النار على أهداف في مقاطعة تونجيلي. أصيب ستة أشخاص، ولكن ظهر اسمان فقط للعلن هما أوزدال دونميز، الذي كان يدير مطعماً محلياً، وبينار أيدين، طالب دراسات عليا في الاتصالات. وفقًا للتقرير الرسمي الصادر عن سلطات المقاطعة، فتحت طائرة من دون طيار النار على مجموعة من ستة “ارهابيين”، ما أدى إلى إصابة اثنين، ثم قامت قوات الأمن بعملية قتلت فيها رجلاً وامرأة “ارهابيين”. تم احتجاز دونميز وأيدن في المستشفى لكن تم إطلاق سراحهما لاحقاً.
تعرض التقارير الرسمية عن هذه الضربة ومئات الضربات الأخرى قدرا هائلا من التفاصيل وتثير اسئلة قانونية عدة. على سبيل المثال، يشير تقرير في 19 تموز/يوليو عام 2017، إلى غارة في محافظة تونجيلي، ويشير إلى إن “مجموعة من أعضاء منظمة إرهابية تم إطلاق النار عليهم بواسطة مركبات جوية مسلحة من دون طيار. تم العثور على ستة أعضاء في المنظمة الإرهابية ميتين”. ثم، وفقًا للبيان، بدأت عملية برية واستردت قوات الأمن الجثث، إلى جانب “بندقية “أم-16″، واربعة بنادق “كلاشنيكوف”، ومسدس واحد، و200 غرام من مادة “سي 4″، وخمسة حقائب تحمل على الظهر”.
بعض المناطق التي تحدث فيها الضربات تخضع أحياناً لحظر تجوال، مثل مقاطعات هكاري أو تونجيلي أو سيرناك، حيث كان حزب العمال الكردستاني الأكثر نشاطًا. لكن أنقرة لم تعلن حرباً في الجنوب الشرقي، معرّضة المدنيين، مثل محمد تمل وأصدقائه الثلاثة في هكاري، لخطر الموت بالقتل من فوق حين يريدون أن يتنزهوا في قريتهم.
يقول تركدوجان إن قوانين تركيا الحالية لمكافحة الإرهاب لا تسمح إلا باستخدام القوة المميتة كملاذ أخير. إذا أرادت أنقرة استخدام الطائرات من دون طيار بشكل قانوني لتجنب وقوع خسائر بين المدنيين، فيمكنها ذلك. وقال “يمكنهم الذهاب والتعرف إلى الأشخاص هناك ودعوتهم إلى وحدة عسكرية قريبة، وسوف يذهبون ويخبرونهم بالاستسلام، وإذا لم يفعلوا، بالامكان فتح النار عليهم”، مضيفاً “لكن في الممارسة العملية، ما يتم القيام به هو أن الطائرة من دون طيار تحدد هوية الأشخاص ويُطلق النار عليهم، أو يتم ارسال طائرات من طراز “أف- 6″ أو المدفعية أو ما شابه ويقتلونهم، وهذا مخالف تماماً لأحكام القانون”.
أصبحت الطائرات من دون طيار سلاحاً له هيبة. استخدامها مشابه لتلك التي تستخدمها الدول. مثلما كانت الولايات المتحدة تنفذ ضربات بطائرات من دون طيار، وكان ذلك بمثابة إستعراض للقوة، فإن قدرة الحصول على هذه القوة، كما يقول حزب العمال الكردستاني، “تضاعف هيبتك”
جهات غير حكومية
تكنولوجيا الطائرات من دون طيار التي تسربت من الولايات المتحدة إلى تركيا تنتشر الآن في بلدان أخرى. في كانون الثاني/ يناير 2019، أعلن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو أن بلاده ستشتري 12 طائرة من طراز “تي بي 2″، في صفقة تقدر بـ 69 مليون دولار. تصطف عدة دول أخرى، بما في ذلك باكستان وقطر، لشراء طائرات تركية من دون طيار.
وفي 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، كان الناس في جميع أنحاء تركيا يحيون ذكرى وفاة مؤسس البلاد، مصطفى كمال أتاتورك. في العديد من المدن، يتميز الوقت المحدد لوفاته – الساعة 9:05 صباحاً – بالصمت، حيث يترجل السائقون من سياراتهم، ويقف المشاة من دون حراك، كما لو أن الزمن نفسه قد توقف. في مدينة سيرناك الجنوبية الشرقية، تميزت الساعة التذكارية بهجوم منسق لطائرة من دون طيار تبناها “حزب العمال الكردستاني”.
عشر طائرات من دون طيار محملة بـمتفجرات “سي 4” والمسامير، وتسترشد بمسار GPS مُحمّل مسبقًا، توجهت في نفس الوقت إلى أهداف حكومية وعسكرية في المنطقة. صورت كاميرات المراقبة في وسط المدينة طائرة من دون طيار وهي تشق طريقها فوق رؤوس المشاة على مهل، متجهةً نحو مدخل مقر حكومة المقاطعة. تحطمت سبع طائرات أخرى من دون طيار في خمسة أهداف عسكرية مختلفة في مكان قريب..
ومع أن مسيرات “حزب العمال الكردستاني” لم تتسبب بأية إصابات بشرية، فإن وسائل الإعلام التركية تقدم تقارير منتظمة الآن عن قيام قوات الأمن بإسقاطها، سواء داخل البلاد أو بالقرب من الحدود مع العراق وسوريا.
وقال نيك ووترز، المحلل في مجموعة “Bellingcat” التي تتعقب استخدام الطائرات من دون طيار من قبل الجماعات غير الحكومية ان “حزب العمال الكردستاني” يستخدم طائرات مسلحة من دون طيار منذ فترة، وأصبح الأمر أكثر تواترا”. لقد أصبحت الطائرات من دون طيار سلاحاً له هيبة. استخدامها مشابه لتلك التي تستخدمها الدول. مثلما كانت الولايات المتحدة تنفذ ضربات بطائرات من دون طيار، وكان ذلك بمثابة إستعراض للقوة، فإن قدرة الحصول على هذه القوة، كما يقول حزب العمال الكردستاني، “تضاعف هيبتك”.
كان من السهل شراء الطائرة التي استخدمها “حزب العمال الكردستاني” في هجوم تشرين الثاني/ نوفمبر 2018؛ يمكنك حتى شرائها عبر الإنترنت من “أمازون”. تبلغ تكلفة طائرة “Skywalker X8” من دون طيار، والتي يصل مداها إلى 100 كيلومتر أقل من 300 دولار ويمكن برمجتها مسبقًا لتوجيه مسارها عبر “GPS” أو جهاز “Talon X-UAV” الأصغر والأرخص، ويبدو أن المهاجمين قاموا بتجهيزها لتطير أيضاً على طريق مبرمج مسبقاً.
“حزب العمال الكردستاني”، في الواقع، تأخر في اعتماد طائرات من دون طيار للقتال. بدأ تنظيم “الدولة الإسلامية” بتنفيذ هجمات باستخدام طائرات من دون طيار تجارية بعد تعديلها في عام 2016، ووفقاً لإحصاء أجرته شركة “Bellingcat”، فقد نفذ تنظيم “الدولة الإسلامية” أكثر من 200 هجوم بطائرة من دون طيار في العام 2017 وحده. تم إسقاط القنابل اليدوية ذات الزعانف الموصولة لتثبيت سقوطها بواسطة الطائرات من دون طيار المتاحة تجاريا.
قد يبدو من الغريب أن مجموعة تستخدم بانتظام الانتحاريين تريد الإعلان عن اعتمادها على القتل عن بعد. ولكن من الواضح كيف أن غريزة الإنسان الأساسية، أي الحفاظ على الذات، تواصل التأثير على الحرب. يبدو أن الطائرات المسلحة من دون طيار تزيل رادعاً أساسياً يجب مكافحته: فرصة أن تعرض شعبك للأذى.
كانت الولايات المتحدة رائدة في التكنولوجيا وأظهرت للعالم كيف يمكن استخدامها. شاهد الآخرون وتعلموا. لن تكون تركيا آخر بلد يصنع طائرات من دون طيار، ولن يكون جمهورها آخر من يراها كمصدر للفخر.
(الجزء الأول: “البطل” بيرقدار.. صانع “عصر المسيرات التركية” )