ينتظر أن يقدم مصطفى الكاظمي، رئيس الحكومة العراقية المكلف تشكيل حكومة جديدة، تشكيلته الأخيرة، إلى البرلمان العراقي، في الساعات المقبلة، إذا لم تعترض طريقه مفاجآت جديدة، بعدما مهّد لذلك، قبل أيام بتسليم رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي مسودة برنامج الحكومة الجديدة، والذي ستنال الكابينة الوزارية على أساسه ثقة البرلمان العراقي.
معظم المعطيات تشي أن تشكيل الحكومة بات قاب قوسين وأدنى وأن الكابينة الوزارية باتت مكتملة، وثمة صياغات أخيرة تتعلق بمطالب بعض المكونات، علماً أن الكاظمي بات يدرك أن حصوله على تفويض كل الكتل البرلمانية، لا يمكن أن ينسحب على الحكومة، ذلك أن المقاعد الوزارية محدودة (22 مقعدا وزارياً)، بينما تستوجب تلبية مطالب الإستيزار حكومة من خمسين وزيراً على الأقل، ما يعني أن بعض الكتل “ستحرد”، وهذا الأمر يسري في المقام الاول على بعض الفصائل المنضوية تحت مسمى الحشد الشعبي، ومنها ما هو غير ممثل برلمانياً!
عندما أصرت المكونات الشيعية، في آخر إجتماع عقدته مع الكاظمي على استخدام حقها بتسمية الوزراء الذين يمثلونها، أسوة بالمكونين الكردي والسني اللذين ترك الكاظمي لكليهما حق تسمية مستوزريهما، إستعان الرئيس المكلف ببعض الوسطاء الداخليين والخارجيين الذين إنتزعوا موافقة الأكراد والسنة بأن يتركوا له حق التسمية، وبدا أن المخرج يتمثل في إعتماد خيار من إثنين: إما أن يسمي الكاظمي ويكون لهذه المكونات حق “الفيتو” أو العكس، وهذا ما أفضى عملياً إلى ولادة تشكيلة سيترك الكاظمي بموجبها للبرلمان المفاضلة بين اسمائها تفاديا للإحراج.
وتضم التشكيلة المقترحة من الكاظمي 22 وزيراً يتوزعون على الشكل الآتي: 11 حقيبة وزارية للشيعة، بينها ثلاث حقائب سيادية وهي الداخلية والخارجية والنفط. 6 حقائب للسنة بينها الدفاع والتخطيط، 3 حقائب للأكراد بينها حقيبة المالية (سيادية)، حقيبة للأقليات (المسيحيون) وهي الكهرباء (شبه سيادية)، حقيبة للتركمان.
وحسب آخر الصيغ الوزارية المسربة، يمكن القول إن الكثير من الأسماء قابلة للتغيير في ضوء تحفظات العديد من الكتل وخصوصاً إزاء من تمت تسميتهم للحقائب السيادية.
وفق آخر المسودات التي تم تسريبها وتعميمها عبر مواقع التواصل الإجتماعي، توزعت الأسماء والحقائب على الشكل الآتي:
عبد الكريم هاشم مصطفى أو حارث محمد حسن لوزارة الخارجية؛
عدنان عبد خضر الزرفي أو الفريق أول ركن عثمان الغانمي أو الفريق ركن متقاعد نجيب الصالحي لوزارة الداخلية؛
جمعة عناد سعدون أو فيصل فنر الفيصل لوزارة الدفاع؛
إحسان عبد الجبار إسماعيل لوزارة النفط؛
فؤاد حسين لوزارة المال (إلا إذا تم تثبيت وجهة عدم إستيزار من كان وزيرا في حكومة عادل عبد المهدي ليثبت بذلك مبدأ الوزراء غير الجدليين).
نزار قحطان أو جاسب عبد الزهرة ياسين أو نزار قحطان حسن جبر لوزارة الكهرباء؛
خالد بتال النجم لوزارة التخطيط؛
فلاح محمود أحمد أو إسراء هاشم دحام لوزارة التربية؛
نبيل كاظم عبد الصاحب أو حسن ناظم لوزارة التعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا؛
عزام عبد الرزاق قنبرأغا لوزارة الصحة والبيئة؛
نوار نصيف جاسم أو ماهر حماد جوهان لوزارة التجارة؛
طالب جاسب لفته عبد العباس أو محمد كريم جاسم لوزارة الزراعة؛
أمجد محمد محمد أمين لوزارة العدل؛
صالح عبدالله صالح ومنهل عزيز محمود لوزارة الصناعة؛
عدنان درجال لوزارة الشباب والرياضة؛
ناصر حسين بندر أو جواد عبد الرضا لوزارة النقل؛
علي محمود خلف أو أركان شهاب أحمد لوزارة الاتصالات؛
كاظم هيلان السهلاني أو هشام حسن الذهبي لوزارة العمل؛
جاسم محمد الأسدي أو مهدي رشيد مهدي لوزارة الموارد المائية؛
هشام صالح داود لوزارة الثقافة والسياحة والآثار؛
ثناء حكمت ناصر لوزارة الهجرة؛
نازمين محمد وسو لوزارة البلديات والإسكان.
وتحتاج الحكومة إلى 165 صوتاً حتى تنال الثقة، وهو رقم تمتلكه القوى السياسية الشيعية مجتمعة في البرلمان (نحو 183 مقعداً) من مجموع 329 مقعدا، لكن طبيعة التركيبة الطائفية العراقية تجعل جميع المكونات محكومة بالتوافقات السياسية التي تعني أن الكاظمي يجب أن ينال أكبر عدد من أصوات هذه المكونات.
ومن حسن حظ الكاظمي أن تكليفه جاء على قاعدة توافقية وضعها معياراً منذ اللحظة الأولى لإستقالة حكومة عادل عبد المهدي في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وعندما تم تكليف كل من محمد توفيق علاوي ثم عدنان الزرفي، كان الكاظمي واثقاً أن التكليف سيؤول إليه، وساعده في الوصول إلى هذه النتيجة، إقدام رئيس الجمهورية برهم صالح، على ترشيح الزرفي من خارج القاعدة الدستورية التي تعطي حق التسمية للكتلة النيابية الأكثر تمثيلاً وليس لرئيس الجمهورية، الأمر الذي حتّم إسقاط الزرفي، لمنع تكريس اعراف دستورية، بمعزل عن أي إعتبار سياسي أو دستوري آخر.
تمرير الوقت الضائع من الآن وحتى موعد الإنتخابات العراقية في ربيع العام 2022، وهذا يعني أن مطلب إجراء الإنتخابات النيابية المبكرة، (الذي تبناه الكاظمي في مسودة البيان الوزاري) سيبقى حبراً على ورق
ماذا ينتظر الكاظمي؟
أولاً، التحدي الإقتصادي وهو الأخطر، ذلك أن تراجع عائدات النفط في ظل تدهور أسعار المحروقات عالمياً، يعني أن كل أرقام الميزانية المقدرة للعام الحالي وللأعوام المقبلة ستكون مغايرة لواقع العجز الذي سيكبر، وهذا الأمر يطرح تحدي البدائل التي تحتاج إلى وقت. لذلك، قد تجد الحكومة العراقية نفسها، على غرار العديد من حكومات المنطقة، ولا سيما الحكومة اللبنانية، مضطرة للجوء إلى خيار صندوق النقد الدولي أو أن تبادر إلى خطوات مثل إجراء حسومات على رواتب موظفي القطاع العام (حوالي خمسة ملايين موظف) الذين يستهلكون سنوياً أربعين مليار دولار، علما أن القطاع العام قبل الغزو الأميركي للعراق لم يتجاوز عتبة الثمانمائة وخمسين ألف موظف!
ثانياً، تحدي مواجهة الإرهاب، خصوصا في ظل الحادثة الخطيرة التي شهدتها محافظة صلاح الدين شمال بغداد، ليل الجمعة ـ السبت الماضي وأدت إلى سقوط عشرات الضحايا بينهم 12 من الحشد الشعبي، على يد مجموعات إرهابية من “داعش”.
ثالثاً، تحدي التفاعل الإيجابي مع الحراك الشعبي، خصوصا أن تراجع إجراءات مواجهة فيروس (كوفيد ـ 19) في المستقبل، قد يعيد المجموعات إلى شوارع بغداد ومحافظات أخرى وبزخم أكبر، وهذه المرة، بتشجيع أكبر من جهات خارجية، علما أن الكاظمي يمتلك فرصاً لا تتوفر لغيره، ذلك أن صورته لم ترفع في الساحات من ضمن من رُفِضَ من الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة، وثمة تقارير تفيد أن جهاز المخابرات العراقية كان يمد المتظاهرين بالدعم ولا سيما التموين الغذائي.
رابعاً، تحدي ضبط الإيقاع الأميركي ـ الإيراني على الساحة العراقية في مرحلة إنتقالية حساسة بين أيار/مايو وتشرين الثاني/نوفمبر 2020، موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية. يعني ذلك، ضبط “الفاولات” العراقية التي يمكن أن ترتد سلباً على حسابات هذا اللاعب أو ذاك.
خامساً، تمرير الوقت الضائع من الآن وحتى موعد الإنتخابات العراقية في ربيع العام 2022، وهذا يعني أن مطلب إجراء الإنتخابات النيابية المبكرة، (الذي تبناه الكاظمي في مسودة البيان الوزاري) سيبقى حبراً على ورق، مع العلم أنه لم يبق على موعد الإنتخابات سوى 18 شهراً، إذ أن الحملات الإنتخابية ستنطلق في مطلع العام 2022.
سادساً، صياغة علاقة متوازنة مع الأكراد ولا سيما الشق المتعلق بتحديد حصة الإقليم الكردي من الموازنة الإتحادية، في ظل تمسك الأكراد بالمادة 140 بوصفها تشكل خارطة الطريق الوحيدة لحل مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها.