لودريان.. راعي أبرشية فرنسا في لبنان
French Defence minister Jean-Yves Le Drian gives a press conference to present his military programming law on March 11, 2015 in Paris. AFP PHOTO / ERIC FEFERBERG (Photo credit should read ERIC FEFERBERG/AFP via Getty Images)

أعطى اللبنانيون لزيارة وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان، ما يشتهونه لها، سلباً أم إيجاباً، لكن الزائر الباريسي لا يحمل مبادرة ولا جديداً مفاجئاً. ما يريده الفرنسيون يحفظه اللبنانيون عن ظهر قلب. العبرة ليست في النوايا ولا في الخطط، بل في كيفية تنفيذها.

كل الإتصالات اللبنانية ـ الفرنسية، قبل كورونا وبعدها. قبل 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 وبعده، قبل حكومة حسان دياب ومعها، مضمونها واحد: “مرتا مرتا. إنك تهتمين بأمور كثيرة والمطلوب واحد”… الإصلاحات، الإصلاحات.

منذ إنعقاد مؤتمر “سيدر” قبل سنتين ونيف، بُحّ صوت الفرنسيين وباقي الدول المشاركة. إنتهى الزمن الذي كان يحصل فيه لبنان على قروض وهبات ومساعدات مقابل وعود. عقدت مؤتمرات كثيرة. باريس 1 وباريس 2 وباريس 3 ومؤتمر روما. وعد اللبنانيون بالكثير ولم يفعلوا إلا القليل القليل.

كان الفرنسيون واضحين جداً في الأشهر الأخيرة: لا تنتظروا منا أن نعلن وقوفنا إلى جانب الشعب اللبناني (مصطلح جديد بدل السلطات اللبنانية) وإستقراره. هذه ثابتة فرنسية حيوية منذ 100 سنة. دعمنا لكم كفرنسا وكإتحاد أوروبي وكمجتمع دولي مرهون بشروع الحكومة اللبنانية بتنفيذ الإصلاحات من دون أي إبطاء. عليكم أن تضعوا خطة ذات صدقية تكون كفيلة بإستعادة ثقة المجتمع الدولي والشركاء الدوليين ببلدكم.

فعل اللبنانيون عكس المطلوب منهم. مسار بدأ مع حكومة سعد الحريري التي “خيّبت آمالنا”. قرر الفرنسيون الحكم على أداء حكومة حسان دياب وليس على تركيبتها. نصحوا رئيسها ولا سيما من خلال وزير خارجيته ناصيف حتي، في شباط/فبراير الماضي بأن تعلن “حالة الطوارىء القصوى”. ما ينبغي أن يتحقق خلال سنة، يجب أن يتحقق خلال ستة أشهر، ذلك أن خطط الطوارىء تستدعي تقصير المهل الزمنية وتكثيفها.. ثمة أولويات، ليست كما نراها كفرنسيين وحسب، بل كمجتمع دولي (أبلغ لو دريان نظيره حتي، وقتذاك، أن فرنسا لا تتكلم بإسمها، بل بإسم كل الشركاء في مجموعة العمل الدولية من أجل لبنان وكل الشركاء المانحين للبنان)، وعليكم المبادرة إلى وضعها موضع التنفيذ، وتتلخص بالآتي:

أولاً، مشروع قانون إصلاح القضاء اللبناني، وهو حجر الزاوية من أجل تثبيت إستقلالية السلطة القضائية في لبنان.

ثانياً، مشروع قانون إلزامية المناقصات العمومية، وهو يعطي ثقة لكل الشركاء الدوليين الراغبين بالإستثمار في أي قطاع في لبنان.

ثالثاً، إنشاء الهيئات الناظمة، ولا سيما في قطاعات الكهرباء والإتصالات والطيران المدني، وهذه الهيئات تعتبر بمثابة مؤشر لعصرنة الإدارات والمؤسسات الرسمية وتطمئن المستثمرين حيال إستقلالية القطاعات المعنية عن التجاذبات والتدخلات السياسية

رابعاً، إصلاح قطاع الكهرباء، من خلال تنفيذ مضمون القانون 462 /2002 من دون تعديله (في إشارة مبطنة إلى رفض تعديله ومسخ صلاحيات الهيئة الناظمة)، والتخلي عن خيار البواخر نهائياً، وإجراء مناقصات شفافة، وإعتماد قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي أقره البرلمان اللبناني في آب/ أغسطس 2017، والعدول عن الإستملاكات في سلعاتا والإكتفاء ببناء معملي الزهراني ودير عمار.

خامساً، تطوير قدرات المجلس الأعلى للخصخصة.

سادساً، إتخاذ قرارات سريعة لمعالجة الأزمة النقدية والمالية تشمل الآتي:

1- تخفيض سعر صرف الليرة اللبنانية شرط إقترانه ببرنامج إصلاحي إقتصادي واضح، مع التشديد على ضرورة الإنتقال بعد التخفيض إلى مرحلة جديدة تُثبّت فيها قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، بما يحاكي الواقع الإقتصادي والمالي المستجد في لبنان.

2- إعادة هيكلة الدين العام، من خلال خطة إقتصادية ومالية، تضعها الحكومة مع الإستشاريين المالي والقانوني، مع تحذير فرنسي حازم من الذهاب إلى خيار عدم سداد إستحقاق اليوروبوند من دون وضع خطة قصيرة ومتوسطة الأجل.

3- إعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان الذي يعاني من تضخم فاضح، وبالتالي لا بد من ترشيقه حتى يعود إلى حجمه الطبيعي.

4- لا مفر من اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، لكن خيار البرنامج والشروط المتعلقة به هو قرار سيادي لبناني، ونحن مستعدون للعب دور مع الصندوق حتى يتبنى برنامجاً أكثر سلاسة مع لبنان. لقد إستعان لبنان في العام 2007 ببرنامج EPCA التابع للصندوق وبموافقة جميع القوى السياسية التي كانت ممثلة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.

5- لا بد من إعادة النظر بموازنة العام 2020، لأنها موازنة غير واقعية، مثلها مثل موازنة العام 2019.

إنقلبت الحكومة على قرارها بخصوص معمل سلعاتا. حالياً تريد تعديل القانون 462 من أجل إفراغ الهيئة الناظمة للكهرباء من صلاحياتها. مسار إعادة هيكلة القطاع المصرفي يشي بمشروع إشتباك جديد بين مصرف لبنان ووزارة المال. مسار التعيينات القضائية والمالية لا يعطي الإشارة الإيجابية المطلوبة دولياً

رؤية فرنسا لم تتغير. المراسلات الفرنسية اللبنانية ظلت تدور ضمن هذه العناوين، لكن كيف تعاملت حكومتا الحريري ودياب معها؟

يأخذ الفرنسيون على الحريري أنه “خيّب آمالنا”، فهو لم ينفذ حرفاً واحداً مما تعهد به لهم وللمجتمع الدولي. الأمر نفسه يسري على حكومة دياب، لكن بفارق أن الأخيرة لم تكن تملك ترف الوقت، لكن بدل أن تختصر المسافات، قامت بإستهلاك الوقت بطريقة سيئة جداً، وما كان يحتاج إلى ستة أشهر، صار يحتاج إلى سنة على الأقل، والدليل كيفية تعاملها مع إستحقاق “اليوروبوند” في 9 آذار/مارس الماضي، من دون خطة إقتصادية ومالية، وعندما وُضِعت الخطة، لم تتشاور الحكومة مع الجهات المعنية (مصرف لبنان وجمعية المصارف)، وعندما بدأت المفاوضات مع صندوق النقد، قدم لبنان صورة سلبية عن إنقساماته، وكانت النتيجة إنهيار المفاوضات والعودة إلى نقطة الصفر. أي محاولة تقديم أرقام جديدة، وهذا الأمر لا يخدم مصلحة لبنان واللبنانيين.

إقرأ على موقع 180  لكل لبناني قاتله.. ولبنان هو القتيل الأول

كل العناوين التي طرحها الفرنسيون بإسم “شركاء لبنان” ومجموعة العمل الدولية، ظلت حبراً على ورق. بالعكس، إنقلبت الحكومة على قرارها بخصوص معمل سلعاتا. حالياً تريد تعديل القانون 462 من أجل إفراغ الهيئة الناظمة للكهرباء من صلاحياتها. مسار إعادة هيكلة القطاع المصرفي يشي بمشروع إشتباك جديد بين مصرف لبنان ووزارة المال التي أبعدت نهائيا عن هذه الخطة. مسار التعيينات القضائية والمالية لا يعطي الإشارة الإيجابية المطلوبة دولياً. إصرار لبناني على المضي بخيار البواخر. تصبح المشكلة الفرنسية مع الحكومة اللبنانية ليس في ما تفعل بل في ما لا تفعل. الحكومة تحترف عقد الإجتماعات وتشكيل اللجان الوزارية، بينما مردودها ما زال صفرياً حتى الآن.

لا يبدي الفرنسيون حماسة للمسار الحالي. صاروا يتعاطون مع الملف اللبناني بوصفه ملفاً إنسانياً، تماماً كما كان يحصل في آخر سنوات الحرب الأهلية، عندما قررت فرنسا دعم لبنان فقط ببرامج إغاثية. يأتي وزير خارجية فرنسا وعينه على مؤسسات بلاده التربوية (المدرسية والجامعية) والصحية والإجتماعية وكذلك على جالية فرنسية كبيرة في لبنان. يريدون تدعيم عمل هذه المؤسسات في ظل الظروف الصعبة وكذلك وضع خطة إغاثية تخص الجالية الفرنسية في لبنان. ما عدا ذلك، سيكون كلام فرنسا السياسي مألوفاً. دعم لبنان. القرار 1701. التجديد لقوات اليونيفيل. ضبط الحدود إلخ…

فرنسا كانت أول من بادر إلى طرح التغيير الحكومي قبل أكثر من شهر، لكنها سرعان ما سحبت مشروعها من التداول. الإهمال الفرنسي للملف اللبناني تعبير عن يأس فرنسي صار مقيماً في كل مراكز القرار الدولي. الرسالة الفرنسية للبنان قاسية قبل الزيارة.. وبعدها.

لكأن وزير خارجية فرنسا يزورنا اليوم فقط بصفته راعي أبرشية فرنسا في لبنان!

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  مؤتمر منظمة العمل الشيوعي.. العودة إلى الصفر (2)