كنتُ قد تلقيتُ في 10 آب/أغسطس 1988 برقية من سفيرنا في واشنطن عبدالله بوحبيب يُخطرني بإنطباعات وزارة الخارجية الأميركية عن نتائج زيارتي ريتشارد مورفي لبيروت ودمشق، إذ عُدّتا “ناجحتين لأن لدى العاصمتين مواصفات للمرشّح الرئاسي، والنيّة في إجراء الانتخابات الرئاسية”. أعلمني أن الأميركيين يريدون “رئيساً جامعاً، شجاعاً، ليّناً، قائداً”. لفت مورفي إلى اتفاق بيروت ودمشق “على أن لا حاجة إلى خطة أمنية ما دام الأطراف متفقين على الرئيس التوافقي. لكن ثمّة شعوراً بأن الوقت ينفد. إذا لم يصر إلى اتفاق على مرشّح للجلسة، لن يكون نصاب”.
ليوم خلا، إتصل بي جون كيلي (السفير الأميركي في بيروت) هاتفياً يخبرني أن الحال الصحّية لوالده في غاية السوء، وهو مضطر إلى العودة على عجل إلى الولايات المتحدة. حلّ محلّه دانيال سمبسون. مع أن من الأفضل وجود السفير في المرحلة تلك لا سيّما وأن العلاقة معه كانت ممتازة والثقة متبادلة، لم يكن في وسعي غير القبول بالأمر الواقع.
لم يكن قد إنقضى يومان عندما تبلّغتُ من دانيال سمبسون رسالة تلاها على غسّان تويني وإيلي سالم: “لدينا أدلة كثيرة على أن (سليمان) فرنجيه سيترشّح. في ظنّنا أنه لن يُنتخب رئيساً. لكن ترشّحه يمنح الفرصة لمرشّحين إثنين آخرين في الوصول إلى الرئاسة ويكون أمامك الخيار بين مخايل ضاهر وميشال عون. إذا لم توافقوا على أي منهما، على الرئيس الجميّل فوراً إرسال لائحة أسماء لمناقشتها مع دمشق. على (سيمون) قسيس أن يجتمع بـ(غازي) كنعان ويحضّران زيارة لسالم إلى دمشق كممثل للرئيس ومستشار له، يحمل معه لائحة الأسماء. من بين الأسماء المتداولة رينه معوّض وميشال إده ومنوال يونس وبيار حلو وجورج أفرام. يمكن أن تزيدوا إلى اللائحة مَن تودّون. مخايل ضاهر مرشّح مقبول. تكلّم معي البارحة وأبرَزَ لي حججاً جيّدة كي يقول لي إنه ذو موقع مستقل. كي نكون واضحين مرّة أخرى، ليس للولايات المتحدة مرشّح، بل تريد مرشّحاً توافقياً، ويصار إلى انتخابه في أسرع وقت ممكن. إلى الآن تأخرتم في إرسال الأسماء”.
لفتني في رسالة سمبسون إنطواؤها على تناقض مع موقف أميركي كنت تبلّغته في 29 تمّوز/يوليو، مفاده التشكيك في ترشيح مخايل ضاهر بسبب قربه من سليمان فرنجيه، وإعلانه أنه سيقترع له، ناهيك بوقوع مسقطه في القبيات في منطقة نفوذ عسكري سوري كبير.
مورفي لعبدالله بو حبيب: مقاطعة انتخابات 18 آب/أغسطس سيفسّرها (حافظ) الأسد على أنها صفعة على وجهه. من الضروري إيلاء الأهمية لدى مجلس النواب والإعلام أن المقاطعة موجّهة ضدّ المرشّحين المقرّرين، وليس ضدّ سوريا
في 13 آب/أغسطس، حدّد الرئيس حسين الحسيني الخميس 18 آب/أغسطس موعداً لجلسة الانتخاب. ثمّة مرشّح واحد هو سليمان فرنجيه أعلن في 16 آب/أغسطس، في الساعات الثماني والأربعين السابقة لجلسة الانتخاب، خوضه الإستحقاق. راح التشنّج يتصاعد. النواب المسلمون يشاطروننا تحليلنا الموقف، لكن أياً منهم ليس قادراً على التعبير عن رأيه لشدّة الضغوط السورية. في 14 آب/أغسطس، أبلغني بيل موراي، مسؤول وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إي) في لبنان، رسمياً، بواسطة دانيال سمبسون، أنه إستقبل ضابطين مقرّبين من العماد عون ناطقين بإسمه، بناء على طلب عاجل منهما. أخبراه أن معلومات وصلت إلى قائد الجيش مفادها أن القوات اللبنانية تُعدّ لاغتياله، وهو رغب في إخطار الأميركيين أنه “مضطر إلى إتخاذ التدابير الأمنية اللازمة ونشر الجيش لحماية نفسه”.
أمام المحاولة الجديدة لنشر الجيش، أبلغ سمبسون إلى قائده عون الرسالة التالية: “الحكومة الأميركية لم تغيّر موقفها. لا تشجّع على نشر الجيش في شرق العاصمة، ولا على أي مبادرة من شأنها أن تؤدي الآن إلى نزاع مع القوات اللبنانية لا طائل منه ومُضرّ بالبلد. تعمل واشنطن على انتخاب رئيس بهدوء في أقرب وقت. إذا كان العماد يرى نفسه مهدّداً، عليه إستخدام وسائل أخرى”.
في الواقع، كان المقرّ الموقت للبرلمان في قصر منصور، الذي سبق أن إتفقت عليه القوى السياسية المختلفة قبل سنوات عدّة ويقع في منطقة محايدة قرب متحف بيروت، موضوعاً في حماية وحدة من الجيش اللبناني تتمتع بإحترام الأفرقاء النافذين ميدانياً. الوصول إليه سهل، ويوفّر ضمانات مقبولة لجميع النواب. كنت قد قلتُ لريتشارد مورفي عندما إستقبلته في 4 آب/أغسطس في بكفيا: “إذا تعذّر إجراء الانتخابات في قصر منصور، سيكون من المتعذّر حصولها في أي مكان آخر في البلاد”. يومذاك، حمل إليَّ مورفي موقف رئيس مجلس النواب حسين الحسيني حينما إلتقى به وقال له إنه يميل إلى دعوة النواب إلى انتخاب الرئيس في مبنى ساحة النجمة، نظراً إلى الرمزية والتاريخية التي يمثّلها المقرّ الأصلي.
في 16 آب/أغسطس، نقل إلينا سفيرنا في واشنطن عبدالله بوحبيب رسالة من ريتشارد مورفي. كنا طلبنا منه الإلتقاء به والإستفسار عن الموقف الأميركي حيال مسألتين متناقضتين: إقتناع واشنطن بترحيب سوريا بالفيتو الأميركي على سليمان فرنجيه، والجهود التي تبذلها دمشق ومؤيّدوها في المضي في ترشيحه.
حمَّل مورفي السفير (بو حبيب) الرسالة الآتية:
“ـ مقاطعة انتخابات 18 آب/أغسطس سيفسّرها (حافظ) الأسد على أنها صفعة على وجهه. من الضروري إيلاء الأهمية لدى مجلس النواب والإعلام أن المقاطعة موجّهة ضدّ المرشّحين المقرّرين، وليس ضدّ سوريا.
ـ الأسد أخبر الجميّل وموفده أنه يريد مرشّحاً توافقياً. لذا يجب أن تصبّ جهود المقاطعة في سبيل الوصول إلى مرشّح توافقي.
ـ أياً يكن الظرف، يقتضي أن لا يشعر الأسد بأنه محاصر، ولا تظهر المقاطعة كأنها إنتصار للقوات اللبنانية. إذ يمكن أن تجد فيها سوريا ما يُبرّر ما قد تُقدم عليه. إستفزاز الأسد خطر على البلد، وعلى الشرعية والمجموعة المسيحية”.
أضاف مورفي مشجّعاً تواصل سيمون قسيس مع غازي كنعان “كي يفسّر لسوريا أن تعطيل الانتخابات ليس ضدّها، بل ضدّ المرشّح المقرّر”، وإرسال لائحة بأسماء مرشّحين لمناقشتها معها، تتضمّن “ثلاثة أو أربعة أسماء ترغب فيها سوريا لئلا يكون العمل غير مجد”.
إستوقفني في رسالة مورفي مداراته الرئيس السوري بتفادي أي تصرّف يفضي إلى إغضابه، مع الإصرار على مرشّح توافقي من خلال لائحة أسماء. المهم فيها أمران لفتاني: أولهما تنبيهه إلى “عدم وصول المعلومات إلى عبدالحليم خدّام، وحصرها بالقناة المعتمدة كي تؤدّي إلى الأسد مباشرة”. ثانيهما تأثره بحجّتنا بأن العماد ميشال عون “مرشّح إنقسامي لا فيتو أميركياً عليه، وأن سمبسون يتكلّم عنه كأنه يدعمه. لكن ينبغي الحديث عنه بطريقة ذكية جداً لدى القول إنه مرشّح إنقسامي”.
في هذا اليوم، تحدّث إيلي سالم مع السفير الأميركي في دمشق لورنس إيغلتون الذي أبلغ إليه أن دمشق ستتشدّد في موقفها في حال صار إلى تعطيل جلسة انتخاب سليمان فرنجيه.
تعقيبي دوّنته مساء في سجلّ يومياتي: “على جاري العادة يُهوّل الأميركيون علينا. إذا منعنا إلتئام الجلسة تتشدّد سوريا، وإذا إنعقدت انتخُب مرشّحها ووضعت يدها على البلد برمّته. الخيار الثاني أسوأ من تهديدها”.
حليف أعدائه
كنت أخشى من المقاربة الأميركية للمشكلة كما إنطوت عليها رسالة ريتشارد مورفي إليَّ، أن تقودنا إلى الوقوع في فخّ دمشق، وإثارة خلافات خطيرة فيما لو ارتأيتُ أن أختار أو أستبعد بنفسي هذا من المرشّحين أو ذاك. في نهاية المطاف، لن تقبل سوريا بغير الذي تكون إختارته هي بنفسها. مع ذلك، فإن رفضي هذا الإقتراح من شأنه أن يزعج الأميركيين.
كنت قد حدّدتُ سلفاً مواصفات الذي أدعم ترشيحه، ناقشتها مع جون كيلي قبل مغادرته. أوضحتُ له، في حضور إيلي سالم، أن ليس لديّ شخصياً أي مرشّح. جلّ ما يسعني فعله إقتراح مواصفات المرشّح المثالي الذي يجمع بين الشجاعة والإعتدال والتعلّق بالسيادة الوطنية.
طلبتُ من السفير كيلي وسالم أن يجتمعا في غيابي، ويبحثا في لائحة مرشّحين محتملين عن الشخص ـ أو الأشخاص ـ المتوافرة فيهم هذه المواصفات. هكذا، تكون وزارة الخارجية الأميركية إستنارت برأينا تمهيداً لمحادثاتها مع دمشق.
مقاربة كهذه سليمة موضوعية ومقنعة، تتيح لي إظهار حسن نيّتي ودفع الأوضاع قُدماً من دون إلتزام أسماء. حرصاً على الوحدة والفعالية، إحتطتُ للأمر بإعلام القوات اللبنانية وبعض القادة السياسيين والروحيين بمقاربتي هذه، فلم يروا ضيراً فيها.
عليه، حُرِّر محضر الاجتماع بين جون كيلي وإيلي سالم. إرتدى طابعاً غريباً بعض الشيء. جرى “تحليل” كل شخصية من الشخصيات المدرجة في اللائحة. في هذه المناسبة، عادت بعض وقائع ماضيها، المكبوتة أو المنسية، تطفو على السطح. كثيرون من المرشّحين المحتملين الذين كانوا قد أطلوا برؤوسهم، يفقدون إعتبارهم على نحو يُرثى له. شكّلت نتائج هذا اللقاء قاعدة لمقترحات أميركية تمّت مناقشتها مع دمشق.
كنعان: “لا حاجة إلى الرسالة ولا إلى اللائحة. لقد تأخرتم. إتُخذ القرار بدعم الرئيس فرنجيه. لقد إنتظرناكم طويلاً، لكن لم تجيبوا. أنتم تُدبرون عندما يُقبل الغير، وتُقبلون عندما يُدبر الغير”
في الرسالة العاجلة التي وجّهتها إلى الرئيس السوري في 17 آب/أغسطس، أدرجتُ نتيجة “تحقيق سالم ـ كيلي”، وإقترحتُ تسوية حول بعض الشخصيات اللبنانية المعروفة بإعتدالها، القادرة على إرساء أفضل العلاقات بين بلدينا. في ما أوردته في الرسالة تلك: “إنسجاماً مع الأفكار التي تداولناها في اجتماعاتنا خلال القمّة العربية في الجزائر، ومواصفات الرئيس المقبل التي أبلغتموها إلى الوزير جوزف الهاشم في أثناء زيارته الأخيرة إلى دمشق، أجرينا إتصالات مكثفة مع جميع الأفرقاء، وتكوّنت لدينا صورة واضحة للمرشّحين الذين تنطبق عليهم المواصفات التي اتفق عليها: أن لا يشكل المرشّح تحدّياً لأحد، ولا يحمل أحقاداً على أحد، ويكون توافقياً يُرضي جميع الفئات”.
ضمّنتُ الرسالة لائحة بأسماء المرشّحين الذين إقترحتهم: “ميشال إده، بيار حلو، منوال يونس”.
أبديتُ أيضاً فيها إستعدادي البحث في أسماء أخرى تنطبق عليها هذه المواصفات، مع تأكيدي أن “من المفيد السعي إلى إيصال أحدهم إلى سدّة رئاسة الجمهورية في لبنان، لأن ذلك يؤدّي إلى إجماع كبير حول الرئيس العتيد”، على أنني إقترحتُ “بقوة إبعاد المرشّحين التصادميين، إذ من المؤكد أن وصول أحدهم سيزيد من التفتيت والتقسيم وحال الفوضى، ما يزيد من الأعباء على سوريا في معالجتها”.
الجواب السوري كان مبكّراً. كأنه جاهز سلفاً. تبلّغته قبل تسليم الرسالة إلى الأسد، مساء اليوم السابق 16 آب/أغسطس: “فات الأوان. قُضي الأمر”. لكن دمشق سارعت، صبيحة اليوم التالي، إلى الإعلان مجدّداً عن إستعدادها للحوار. لم يعدُ هذا الموقف صورياً بعدما ظلّت رسائلنا لاحقاً بلا جواب.
بضعة إتصالات كرّ وفرّ وتهرّب من دمشق سبقت ردّها السلبي، بدأت الحادية عشرة ظهر 16 آب/أغسطس، فور إعلان فرنجيه ترشّحه، عندما خابر الرائد ميشال رحباني العميد علي حمود، معاون العميد غازي كنعان، وطلب منه إبلاغ رئيسه رغبة سيمون قسيس الإتصال به ما بين الخامسة والسابعة مساء، بغية تسليمه رسالة مهمة. السادسة والدقيقة العشرون إتصل قسيس بكنعان، فأجاب حمود أن رئيسه إنتظره منذ الخامسة فلم يتلقَ إتصاله وإضطر إلى المغادرة لساعة، طالباً من محدّثه مدير المخابرات معاودة الإتصال العاشرة ليلاً. إلا أن قسيس طلب منه إخطار كنعان أن ثمّة رسالة من رئيس الجمهورية إلى نظيره السوري. العاشرة إتصل، فلم يُجبه أحد. كانت إشارة سلبية أولى إلى عدم رغبة دمشق في تسلّم الرسالة. بعد ربع ساعة، عاود مخابرة كنعان الذي أجاب هذه المرّة. كرّر عليه أمر الرسالة ولائحة الأسماء المرفقة بها، فردّ كنعان: “لا حاجة إلى الرسالة ولا إلى اللائحة. لقد تأخرتم. إتُخذ القرار بدعم الرئيس فرنجيه. لقد إنتظرناكم طويلاً، لكن لم تجيبوا. أنتم تُدبرون عندما يُقبل الغير، وتُقبلون عندما يُدبر الغير. على كل حال أبلغت الأمر إلى القيادة”.
على الأثر، بناء على تعليماتي، إتصل إيلي سالم بسفيرنا في واشنطن عبدالله بوحبيب كي يطلع ريتشارد مورفي على هذه الوقائع.
في الغداة، 17 آب/أغسطس، في الساعات القليلة التي تسبق إنعقاد جلسة الانتخاب ومرشّحها الوحيد الرئيس السابق للجمهورية، خابر كنعان قسيس العاشرة صباحاً وطلب منه إرسال رسالة رئيس الجمهورية، المفترض إرسالها مساء اليوم السابق. إستنتاجي أن التغيير المفاجىء في الموقف السوري مردّه إلى تدخّل أميركي لدى دمشق.
الثانية عشرة ظهر اليوم نفسه، أرسل قسيس الرسالة ولائحة الأسماء الثلاثة المرشّحة للانتخاب إلى كنعان، من غير أن نتلقّى بعد ذلك جواباً عنها.
إنقلبت الأدوار رأساً على عقب. أصبح قائد الجيش (عون) حليف أعدائه. تجمعه بسمير جعجع إرادة منع انتخاب فرنجيه، بيد أن ما يفرّقه عنه لا يقلّ أهمية، هو أن جعجع لا يريد عون أيضاً مرشّحاً للرئاسة
في هذا اليوم أوفدتُه أيضاً إلى البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير كي يُطلعه على أحداث الليلة الماضية، مع سرد وقائع ما بعد القمّة والرئيس السوري في الجزائر، والطلب منه التدخّل علّه ينجح في تأجيل إلتئام الجلسة. شرح للبطريرك إتصالاتنا بالأميركيين الذين طلبوا منا التقدّم بلائحة مرشّحين توافقيين ـ وهو ما فعلنا ـ والردود السلبية السورية التي سمعها من غازي كنعان في العشيّة.
سأل البطريرك هل أرسلنا أسماء، فسمّى له الثلاثة التي أوردتها في رسالتي إلى الأسد، ليس من باب حصر الترشيح بهم، بل القبول بمواصفات كالتي يتمتعون بها، على أن يُعَدّوا توافقيين. أعلمه بوجهة نظري بضرورة التوصّل إلى مرشّح من غير الأسماء الثلاثة التي لا تلقى إجماعاً: سليمان فرنجيه وريمون إده وميشال عون.
عاد اليَّ قسيس بأجوبة البطريرك كالآتي:
“ـ عدم إمتنانه من فرنجيه لما فعل رغم الصداقة الشخصية التي تربطه به. مصلحة الموارنة والوطن تقضي بعدم ترشّحه. قال له في الديمان: أنت مسنّ ومريض، فأجابه: أنا بألف خير. قال: ماذا ستفعل أميركا وإسرائيل؟. ردّ: السفارة هنا ضدّي. الإدارة في واشنطن معي.
ـ حمل على الموارنة لأنهم شرشحوا كرسي الرئاسة لكثرة المرشّحين.
ـ شدّد على ضرورة نسف الجلسة غداً.
ـ طلب الإيعاز إلى القوات اللبنانية ضرورة منع النواب من الذهاب، من دون إستعمال وسائل العنف والتفجير. على الجيش غض النظر.
ـ رسم صورة قاتمة جداً للوضع المسيحي إذا وصل فرنجيه إلى الرئاسة، وتنبأ بهجرة كثيفة للشباب المسيحي”.
ثم عقّب: “طيّب. إذا وصل فرنجيه إلى الرئاسة كيف سيحكم ومن أين؟”.
عشيّة اجتماع البرلمان كتبتُ في سجلّ يومياتي:
“الجوّ مضطرب على كل الجبهات. سوريا تمارس ضغوطاً متلاحقة لتأمين انتخاب حليفها. في المقلب الآخر ردّ فعل عنيف. المؤسف أن الأنانيات والأحقاد الشخصية تسود المواقف ما جعل اللعبة أكثر تعقيداً. خشيتي أن يؤدّي هذا المسار إلى انتخاب رئيس يكون بمثابة كارثة تهبط على البلد. أتاني نائب الشوف عبده عويدات ـ المقيم في بعبدا ـ يُخبرني عن تلقّي عائلته في إقليم الخروب، مسقطه، تهديدات إذا امتنع عن المشاركة في جلسة غد. طلب مني مخرجاً لهذا المأزق. أنموذج خَبِره أكثر من نائب مسلم، خصوصاً من المقيمين في المناطق الشرقية، بينما بلداتهم وقراهم وعائلاتهم وأنسباؤهم ومصالحهم وأملاكهم في مناطق نفوذ الجيش السوري في البقاع والجنوب والشمال. هم ممّن لا يدعمون ترشيح فرنجيه، لكنهم مذعورون من التهديدات السورية. ميشال عون هو الآخر مذعور من صباح اليوم التالي. قلق من أن يحرمه فوز فرنجيه حظوظه التي يراهن عليها. لذا وسّط، منذ وقت قريب، داني شمعون من أجل إعادة تواصله مع القوات اللبنانية والتقرّب منها، رغم كل نزاعات السنوات الأخيرة، الدموية خصوصاً، والقطيعة معها. إنقلبت الأدوار رأساً على عقب. أصبح قائد الجيش حليف أعدائه. تجمعه بسمير جعجع إرادة منع انتخاب فرنجيه، بيد أن ما يفرّقه عنه لا يقلّ أهمية، هو أن جعجع لا يريد عون أيضاً مرشّحاً للرئاسة”.