هل تتحول إسرائيل إلى دولة طاقة عظمى؟ أعلنت شركة خط أنبوب نفط إيلات عسقلان KSAA، هذا الأسبوع أنها وقّعت “مذكرة تفاهم ملزِمة مع شركة RED MED لتشغيل جسر بري لنقل النفط من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر”.
تنطوي هذه الكلمات على واقع إقليمي جديد. لأول مرة تخرج إسرائيل من عزلتها كجزيرة للطاقة وتنضم إلى منظومة النقل العربية من جهة، ومن جهة ثانية إلى الدول المنتجة للنفط الكبيرة، مثل أذربيجان وكازاخستان، في ما يتعلق بنقل النفط ومنتوجاته إلى الأسواق الضخمة في الشرق الأدنى وفي أفريقيا. وهذا ليس كل شيء. تتحول إسرائيل في الوقت عينه إلى مركز لوجستي دولي لتكرير النفط وتخزينه.
الذين يشاهدون ما يحدث وينفجرون داخلياً هم طبعاً الإيرانيون، الذين يدركون أن هذه التطورات تمنح بديلاً دولياً جذاباً، أمنياً واقتصادياً، للسفن وناقلات النفط. فهذه ستفضّل الامتناع من العبور في مضائق هرمز، أكبر رصيد جيو – استراتيجي لإيران. التفجيرات التي وقعت السنة الماضية في ناقلات النفط خارج مضيق هرمز، والهجوم بمسيّرات إيرانية على المنشآت النفطية السعودية كانت خطوة تجاوزت الحدّ. العالم كان قد أخذ يبحث قبل ذلك عن بدائل من تجربة في مسار مملوء بالمخاطر، والجسر البري الذي تقترحه دولة إسرائيل هو أحدها. جرى حفل التوقيع هذا الأسبوع (الأسبوع الماضي) في أبو ظبي بحضور وزير المال الأميركي ستيف منوشين، ووزير الدولة في الإمارات عبيد حميد الطيار. أيضاً الموفد الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط آفي باركوفيتس كان هناك. قبل أسبوعين فقط من الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، حرص دونالد ترامب على مشاركة الاثنين في التوقيع، وهذا ما يدل على الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية لهذا التعاون.
وفعلاً، لا يمكن المبالغة في أهمية الاتفاق الذي يُدخل إسرائيل إلى ساحة التعاون مع لاعبين إقليميين ودوليين في مجال الطاقة. في المرحلة الأولى، الخط البحري الجديد سينقل منتوجات النفط من اتحاد الإمارات إلى محطة شركة خط الأنابيب في إيلات، ومن هناك ستتدفق هذه المنتوجات إلى محطة الشركة في عسقلان، ومنها إلى الزبائن في مختلف أنحاء البحر المتوسط.
للاتفاق إمكانات كامنة مهمة وفي المدَيَيْن، المتوسط والبعيد، ومن المتوقع أن يكون له تأثير أيضاً في الاقتصاد الإسرائيلي. بداية، المداخيل المتوقعة للدولة من رسوم العبور تقدر بـ800 مليون دولار سنوياً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن النشاطات التي ستنمو حول أنبوب النفط وتشعباته إلى مرفأ أشدود وحيفا ومحطات التكرير من المتوقع أن تنشىء فرعاً اقتصادياً جديداً في إسرائيل، سيشمل نقل وتخزين وصيانة موانىء تكرير النفط ومشتقاته.
بالإضافة إلى الوزن الاقتصادي، يعبّر الاتفاق عن واقع إقليمي جديد لمثلث استراتيجي تشارك فيه إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة(..).
هجوم في البحر الأحمر
في طهران، لم يكتفوا بتهديدات عامة. منذ لحظة توقيع اتفاق التطبيع مع الإمارات ضاعف الإيرانيون جهودهم في كل ما يتعلق بالدعاية. وانضمت وسائل إعلام ووكالات إيرانية إلى الموضوع، لكن هناك تهديداً برز بصورة خاصة. في مقال نشرته وكالة فارس في 24 أيلول/سبتمبر جاء: “أنبوب النفط إيلات – عسقلان هو القاعدة لاستراتيجية التطبيع بين إسرائيل والإمارات”. يؤكد هذا الكلام إلى أي مدى دفع هذا التطور الإيرانيين إلى الشعور بأن الرصيد الجيو – استراتيجي الأهم بالنسبة إليهم، أي مضيق هرمز، ببساطة جرى الالتفاف عليه.
فرضية العمل هي أن الإيرانيين لن يسكتوا. وسيحاولون تخريب الممر البري أيضاً في النقاط القصوى على البحر الأحمر
الآن، بعد مرور شهر ونصف الشهر على توقيع اتفاق السلام مع الإمارات، يأتي بشكل عام الاتفاق بين شركة خط أنبوب النفط إيلات – عسقلان مع الشركة الإماراتية. هل سيبقى الإيرانيون ساكتين؟
المقال في وكالة فارس يتعاطى مع “حماس” كقوة وكيلة إيرانية ويقترح “المزج بين قدرات إطلاق الصواريخ المنحنية المسار التي تملكها الحركة في غزة، وبين القدرات المتقدمة للكوماندوس البحري لها.” ويشدد المقال على أن منشآت شركة خط أنبوب النفط إيلات – عسقلان موجودة في مرمى نيران “حماس”، وكما أثبتت “حماس” في سنة 2014، فإن منشآت ساحل زيكيم هي في متناول اليد.
فرضية العمل هي أن الإيرانيين لن يسكتوا. وسيحاولون تخريب الممر البري أيضاً في النقاط القصوى على البحر الأحمر. سفن سلاح البحر الإسرائيلي تبحر اليوم على بعد ألف كيلومتر من سواحل إسرائيل للدفاع عن سفن شحن إسرائيلية، ولمنع تهريب سلاح إيراني عبر البحر الأحمر. بحسب تقارير أجنبية، تحتفظ إسرائيل بقاعدة استخباراتية في إريتريا التي تطل على البحر الأحمر. مؤخراً صعد أيضاً اسم جزيرة سقطرى القريبة من سواحل اليمن، كقاعدة استخباراتية محتملة مشتركة بين الإمارات وإسرائيل.
دخلت إسرائيل حالياً في عهد جديد من معادلة تقوم على فرص كبيرة بالإضافة إلى مخاطر كبيرة، يجب دراستها بتعقل وبمخيلة استراتيجية. السؤال المطروح، إلى متى سيبقى الإيرانيون ساكتين. الجواب هو أن المقصود نافذة فرصة ضيقة جداً. في طهران، ينتظرون نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. حينها سيعلمون إذا كانوا سيواجهون جولة عقوبات في مواجهة إدارة ترامب، أو حواراً مع إدارة ديمقراطية برئاسة جو بايدن.
سؤال آخر يُطرح، هل سيحاول الإيرانيون استخدام قوات تعمل بالوكالة، مثل “حماس” و”حزب الله” من غزة ولبنان وهضبة الجولان؟ وهل سيستخدم الإيرانيون الورقة الإضافية لديهم، قوات المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين يمتلكون خبرة في استخدام مسيّرات انتحارية وإطلاق صواريخ؟
عملية التطبيع مع الإمارات ستزود الإيرانيين بأهداف إسرائيلية جديدة يجب أن تُقلق إسرائيل، وخصوصاً، كما يقول تسيمت، إذا تبلور تخوف في إيران من وجود عسكري استخباراتي إسرائيلي في دول الخليج
ما المنتظر في الأشهر المقبلة؟
يقول راز تسيمت، الخبير في الشؤون الايرانية في معهد بحوث الامن القومي الإسرائيلي إنه في تقدير باحثين في إيران، إذا فاز ترامب في الانتخابات لن يحدث تغيير جوهري؛ لكن إذا كان بايدن هو الفائز، ينقسم الباحثون إلى معسكرين. المعسكر المتفائل الذي يقول إن بايدن سيحاول العودة إلى الاتفاق النووي بواسطة مفاوضات سريعة. في مواجهته المعسكر المتشائم الذي يقدّر أنه ليس أكيداً أبداً أن خامنئي مهتم بالعودة إلى المفاوضات. في نافذة الفرصة الضيقة الممتدة بين كانون الثاني/يناير (2021)، موعد استلام بايدن منصبه، وبين حزيران/يونيو (2021)، موعد الانتخابات الرئاسية في إيران، في تقدير تسيمت “لا يوجد وقت للمفاوضات، وخامنئي أيضاً ليس معنياً بالسماح لروحاني بإدارتها”.
الدلالة التي يمكن التوصل إليها هي أن إيران ربما ستحاول تحقيق إنجازات محدودة في عمليات عدائية في العراق، أو من خلال استخدام “حزب الله” و”حماس”. أيضاً عملية التطبيع مع الإمارات ستزود الإيرانيين بأهداف إسرائيلية جديدة يجب أن تُقلق إسرائيل، وخصوصاً، كما يقول تسيمت، إذا تبلور تخوف في إيران من وجود عسكري استخباراتي إسرائيلي في دول الخليج. هذه مسألة من الصعب على إيران تجاهلها. ويضيف تسيمت: “أي وجود مادي أو دليل على بنية تحتية أمنية في الإمارات تُستخدم لجمع معلومات استخباراتية من أجل إسرائيل ستشكل خطاً أحمر بالنسبة إلى إيران”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية)