أثار الاجتماع الذي عقد يوم الأربعاء بين جاريد كوشنير ومسؤولين آخرين في البيت الأبيض وبين المسؤولين القطريين، التكهنات بشأن احتمال تغيير مسار الرحلات الجوية التجارية من الإمارة الخليجية عبر المجال الجوي السعودي بدلاً من المجال الجوي الإيراني، وفقاً لدبلوماسي مطلع على المناقشات.
ومن شأن ذلك أن يعيد فتح مسار جوي اتبعته شركة الطيران الحكومية القطرية لسنوات قبل أن تقطعها المملكة السعودية وثلاث دول مجاورة على الأقل بفرض حظر جوي وبري وبحري على قطر في عام 2017.
هذا الأمر من شأنه ان يحرم إيران مما وصفه الدبلوماسيون برسوم سنوية تقدر بنحو 100 مليون دولار دفعتها قطر للتحليق عبر المجال الجوي الإيراني، وهي من الموارد التي تغذي الاقتصاد الإيراني المنهك، وتسمح، وفقاً لمسؤولين أميركيين، لقادة إيران بتمويل البرامج العسكرية بسهولة أكبر.
ووصف مسؤولان أميركيان هدف الحملة الدبلوماسية لكوشنر هذا الأسبوع – والتي كانت المملكة العربية السعودية إحدى محطاتها – بأنه مسعىً من أجل تحقيق اتفاق بشأن التحليق الجوي.
ولم يتضح ما إذا كانت الإمارات العربية المتحدة ، أقرب حليف للمملكة العربية السعودية، ستفتح مجالها الجوي بالمثل أمام قطر، حيث أشار أحد الدبلوماسيين إلى أن وفد السيد كوشنر لم يتوقف في الإمارات، ما يحمل بعض الشكوك في أن البلاد مستعدة لخطوة نحو المصالحة مع قطر.
النزاع المستمر منذ ثلاث سنوات بين الدول العربية، والذي يضع مصر والبحرين أيضاً في مواجهة قطر، يشكل مصدر قلق كبير للولايات المتحدة، ليس فقط لأنه متصل بحلفاء إقليميين يعتمد عليهم الأميركيون في مجال النفط والقواعد العسكرية والعلاقات أفضل مع إسرائيل، بل لكونه أدى إلى تفتيت جهود إدارة ترامب لعزل إيران في الشرق الأوسط والعالم الخارجي.
وسعى الحظر، الذي بدأ في حزيران/يونيو 2017، إلى معاقبة قطر على ما وصفته الدول العربية الأربع الأخرى بدعمها للإرهاب. ومنذ ذلك الحين ، وضع الدول الأربع قائمة بشروط قدمت إلى قطر لكي يتم رفع الحظر، بما يشمل إغلاق شبكة “الجزيرة” الإخبارية، والتخلي عن العلاقات مع الجماعات الإسلامية، وبخاصة جماعة “الإخوان المسلمين”.
في أيلول/سبتمبر الماضي، تحدث السفير القطري لدى الولايات المتحدة بالتفصيل عن “قناة اتصال” مفتوحة بين قطر وإيران “للجلوس معاً وحل الخلافات”.
وأشار السفير الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني إلى مخاوف بشأن برنامج إيران النووي والصاروخي، لكنه قال: “نعتقد أن أفضل نهج هو إجراء حوار، والتفاوض للوصول إلى تفاهمات”.
العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين إيران وقطر جارية بالفعل منذ سنوات، ولو على مستوى منخفض، وهي من بين المظالم التي قدمتها الدول العربية الأخرى ضد النظام الغني بالنفط في الدوحة.
السفير السعودي في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي اعتبر، في مقابلة يوم الثلاثاء الماضي، إنه “لا يوجد مبرر للانفصال الدائم” مع قطر. لكنه كرر الشكوك العميقة الجذور حول سياسات الدوحة، ومن بينها ما وصفه بدعمها للمتطرفين.
قال السيد المعلمي لقناة “روسيا اليوم”: “لا يوجد خلاف مصيري أو ووجودي بيننا وبين قطر”، مضيفاً “نحن شعب واحد ودولة واحدة ، والإخوة القطريون امتداد للمملكة العربية السعودية، والمملكة العربية السعودية امتداد لهم”.
قبل أسبوعين، سافر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الدوحة لتقديم ما أسماه أحد المسؤولين عرضه الخاص لمسألة الرحلات الجوية إلى الحكومة القطرية.
في لقاء مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ناقش بومبيو “الحاجة إلى العمل المشترك لمواجهة التهديدات التي تواجه الاستقرار في المنطقة، وأهمية التغلب على الانقسامات في الخليج للاستمرار في مواجهة النفوذ الإيراني الخبيث”، بحسب ما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية.
البيت الأبيض امتنع عن التعليق على اجتماعات كوشنر في السعودية وقطر، المبعوث السابق لوزارة الخارجية للشؤون الإيرانية بريان هوك، والمبعوث الخاص للمفاوضات الدولية آفي بيركويتز، ورئيس مؤسسة تمويل التنمية الدولية آدم بوهلر.
لفترة من الوقت ، بدا أن ترامب سينحاز ضد قطر. وفي العام الماضي، اعتبر “جماعة الإخوان المسلمين” منظمة إرهابية أجنبية.
نبذت الحركة الإسلامية العنف لكن لها صلات ببعض الجماعات المتطرفة، كما أن لديها بعض العلاقات مع حكومة قطر ، المتقاربة مع المنظمات الإسلامية الأخرى.
ولكن بالنظر إلى الأولويات الإستراتيجية الأميركية الأخرى – بما في ذلك القاعدة الجوية العسكرية في العديد جنوبي غربي الدوحة، واستضافة قطر لمفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان – قررت إدارة ترامب تدريجياً التوسط لمد الجسور بين قطر وجاراتها.
لكن المعركة الأكثر أهمية بالنسبة إلى الرئيس الأميركي هي المعركة ضد إيران. منذ عام 2018، عندما سحب ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فرضت إدارته عقوبات اقتصادية ضد طهران، حرمتها مما يقدر بنحو 70 مليار دولار من عائدات النفط. وقد ساهم ذلك، بحسب ما قال بومبيو الشهر الماضي، في تخفيض بنسبة 25 في المئة في الميزانية العسكرية الإيرانية العام الماضي.
لطالما أصر بومبيو، الذي اتخذ أشد موقف ضد إيران بين مستشاري ترامب، على أن عائدات إيران لا تذهب لفائدة الشعب الإيراني، بل لتمويل برامج الصواريخ والميليشيات التي تدعمها طهران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
إن تخفيف الضغط على الاقتصاد الإيراني – وهو ما ساعدت رسوم التحليق القطري في القيام به – سيكون ما أسماه السيد بومبيو “خياراً خطيراً”، مشيراً إ لى أن من شأن ذلك “إضعاف الشراكات الجديدة من أجل السلام في المنطقة وتقوية الجمهورية الإسلامية”.
نقلاً عن صحيفة “نيويورك تايمز”