رواية نتنياهو عن هتلر وأمين الحسيني يُكّذبها كاتب فرنسي
Adolf Hitler talking to Grand Mufti Haj Amin el Husseini. (Photo by Keystone/Getty Images)

سعى رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو مراراً لتحميل العرب مسؤولية المحارق المأساوية التي تعرّض لها اليهود على يد النازية، وسلط الضوء على شخصية فلسطينية تاريخية هو الحاج أمين الحسيني، متهما اياه باقناع زعيم النازية أدولف هتلر بتصفية يهود فلسطين.

يقدم الكاتب الفرنسي المتخصص بشؤون المنطقة والعرب وفلسطين جان بيار فيليو Jean-Pierre Filiu رواية تُكذّب رواية نتنياهو وذلك من خلال مؤلف جدير بالقراءة:”الهيمنة على اسرائيل. نتنياهو ونهاية الحلم الصهيوني”، برغم ان الكتاب بحاجة الى تدقيق من مؤرخين عرب كونه يقلل من اهمية الحسيني ويضعه تارة في مصاف العمالة لبريطانيا ومرة اخرى في خدمة النازية!

في الوقائع:

  • في 20 تشرين الأول/اكتوبر 2015، القى بنيامين نتنياهو خطابا أمام المؤتمر الصهيوني العالمي في القدس، عشية زيارته الى المانيا، قدّم فيه روايته عن اللقاء الذي حصل بين أدولف هتلر ومفتي القدس الحاج أمين الحسيني في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1941، فقال:”سافر الى برلين، ولم يكن هتلر آنذاك يريد تصفية اليهود، لكن الحاج امين الحسيني قال له اذا طردتهم فهم سيأتون الينا. سأله هتلر ما العمل، فأجابه: إحرقهم”.
  • كعادة العرب لم ينتبهوا الى خبث رواية نتنياهو التي يريد من خلالها تحميل العرب مسؤولية المحرقة لتبرير استكمال قضمه لكل فلسطين. فالمعروف تاريخيا ان الكثير من العرب شجبوا المحارق وأدانوها ووقفوا ضدها بوصفها عملا لا أخلاقيا ولا انسانيا وجريمة ابادة جماعية.
  • اللافت للنظر أن إسرائيليين سبقوا كل المسؤولين العرب في شجب ما قاله نتنياهو، وفي مقدمهم زعيم حزب العمّال اسحق هرتزوغ الذي انتقد بشدة ما اسماه بـ”اخطر تشويش تاريخي”، وطالب نتنياهو بتصحيحه، كذلك فعلت زيهافا غال أون رئيسة حزب ميريتس اليساري بقولها: “يجب نبش قبور أكثر من 33 الف قتيل يهودي قتلوا في أيلول/سبتمبر 1941، أي قبل شهرين من لقاء هتلر والمفتي (الحسيني)، والقول لهم ان النازية لم تكن تريد تدميركم”. والشجب نفسه جاء من وزير الدفاع السابق، موشي يعلون، بقوله:”بطبيعة الحال فان الحسيني لم يخترع الحل النهائي للمسألة اليهوية، وان التاريح يبرهن بوضوح ان هتلر كان مصدرها”.
  • في ألمانيا، انبرت المستشارة انجيلا ميركيل أيضا لتكذيب نتنياهو قائلة: “لا نجد أي سبب لتغيير رؤيتنا للتاريخ في هذه المسألة، ونواصل تحمل مسؤولية المانيا في المحارق”.
  • صحيح ان نتنياهو تراجع عن هذه التصريحات لاحقا وسط الاعتراضات الكبيرة التي واجهها، لكن الصحيح أيضاً أن غاياته ليست بريئة.

في تعليقه على كل ذلك، يعود الكاتب Jean-Pierre Filiu كعادته في كل مؤلفاته الى وثائق التاريخ المحققة  فيقول ان محضر لقاء هتلر-الحسيني “يؤكد على نحو قاطع، ان تصريحات نتنياهو هي محض اختراع. فلنتذكر الوقائع. امين الحسيني الذي اكتسب صفة حاج بعد القيام بهذه العمرة في مكة، كان قد عُين في العام 1921، وهو في السادسة والعشرين من العمر، بمنصب المفتي الأكبر للقدس، وذلك من قِبَل هربرت صاموئيل المفوض الاعلى لبريطانيا في فلسطين. كانت بريطانيا آنذاك قد حصلت من عصبة الأمم على انتداب فلسطين، والتي ضمنتها لاحقا اعلان بلفور، اي التزامها في العام 1917 حيال القادة الصهاينة بدعم قيام وطن قومي للشعب اليهودي. وصاموئيل هذا الذي لم يخف يوما قناعاته الصهيونية، أصاب عصفورين بحجر واحد من خلال تعيين الحسيني مفتيا أكبر، فهو بذلك يوسع الفرقة بين العائلات الفلسطينية العريقة، فيساهم في اضعاف الحراك الوطني، ويفبرك من جهة ثانية محاورا عربيا مع السلطات البريطانية”.

يضيف جان بيار فيليو:”كان المفتي الحسيني اداة فاعلة لتلك السياسة التي عززت الانتداب، وعداءه الواضح للاستيطان الصهيوني لم يمنع تزايد عدد يهود فلسطين من 50 الفا عام 1917 الى 384 الفا في العام 1936. وفي تلك السنة، اندلعت انتفاضة شعبية باسم “الانتفاضة العربية الكبرى” وضعت الحسيني، بالصدفة، على رأس اللجنة العربية. لكن المفتي، وبدلا من مواكبة مواطنيه في الكفاح على أرض بلادهم، لجأ الى لبنان في تموز/يوليو 1937، قبل ان يذهب الى العراق في خريف عام 1939، وبعد ان كان قد خدم الانتداب البريطاني بإخلاص، تبنى الاتجاه الجرماني (الالماني) على نحو واضح جدا”.

يتابع الكاتب الفرنسي ان الحسيني “بدأ من بغداد مراسلاته مع هتلر في كانون الثاني/يناير 1941. وبعد 4 أشهر، اعلن عبر اثير اذاعة العراق اول نداءاته العديدة للجهاد ضد البريطانيين. لكن تلك الحملة الخطابية لم تؤخر ابدا سقوط الطغمة المؤيدة للنازية في بغداد لصالح بريطانيا وحلفائها. عاد الحسيني الى النفي، ووصل بعد رحلة طويلة الى ايطاليا ثم المانيا. أهدى تعاونه لـ”المحور”، وفي خلال اللقاء مع هتلر الذي تحدث عنه نتنياهو، التزم بتشكيل فيلق عربي لخدمة النازية. لكن مصداقية المفتي كانت ضعيفة الى درجة انه لم يجمع اكثر من 6300 مقاتل التحقوا بالتشكيلات العسكرية الالمانية المختلفة طيلة الحرب العالمية الثانية، بينهم 1300 من فلسطين وسوريا والعراق”.

يختم الكاتب مؤلفه الجديد بالقول ان نهاية الحلم الصهيوني “هي صنيعة نتنياهو، تتغذى بالغاء كل اشكال الانسانية، وبانكار الآخر الفلسطيني، الذي يقود حتما الى انكار الاسرائيلي الآخر واليهودي الآخر”

ويقول الكاتب :”باختصار، فان معاداة المفتي للسامية كانت واضحة ومتفاقمة آنذاك، ولم تتغير حتى وفاته في بيروت في العام 1974. وتعاونه الاجرامي مع الدعاية النازية، ومع الاستخبارات والقوات الألمانية الخاصة SS، خصوصا في البوسنة، مؤكد ومحقق. وهناك صورة شهيرة تُظهره مستعرضا وحدات القوات الخاصة SS Handschar المسؤولة عن التصفيات الرهيبة للشعب الصربي. مع ذلك، لا يمكن اعتبار الحسيني المهندس الأكبر للحل النهائي (اي تصفية اليهود)، والذي علم به متأخرا في صيف العام  1943 كما لا يمكن اعتباره المحرض”.

إقرأ على موقع 180  ترامب العنصري.. من المساكن والكازينو إلى هاريس

لماذا كذب اذا نتنياهو؟

عن هذا السؤال يجيب جان بيار فيليو، بقوله:”كذبة الدولة التي اطلقها نتنياهو في تشرين الأول/اكتوبر 2015 ليست وليدة خطأ، وانما تمثل ذروة سياسة ناضجة وممنهجة”، وهو يضعها بالتالي في سياق مشروع انكاري تبناه نتنياهو منذ سنوات طويلة لتدمير فكرة الدولتين واقامة دولة يهودية خالصة متطرفة وغير ديمقراطية.

وبعد ان يستعرض الكاتب تاريخ عائلة نتنياهو التي تعود الى الجد “ابراهام ماركوس” الذي هرب من الامبراطورية الروسية القيصرية الى فلسطين لبناء اول مستوطنة بدعم من البارون الفرنسي ادمون دي روتشيلد، وحيث تَعَبرَن اسم العائلة ليصبح (نتنياهو)، يشرح تطور الحياة السياسية والدينية في اسرائيل والجنوح المضطرد صوب التطرف الديني. ويصل الى نتيجة مفادها أن نتنياهو “يغذي الحقد والخوف في الشرق الاوسط، ولا يتراجع أمام أكبر الكذبات حتى ولو قُبض عليه وهو يغرر بالناس. فهو  ادعى مثلا على صفحته على فايسبوك انه تم العثور على شيكل قديم (العملة الاسرائيلية) في احدى مستوطنات الضفة الغربية في العام 1917 وقال ان هذا الاكتشاف الرائع “هو برهان على العلاقة العميقة التي تربط شعب اسرائيل وأرضه بالقدس، وبمعبدنا في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)”، ثم سرعان ما محا التعليق، و”ما زلنا حتى اليوم ننتظر اعتذاره”، يقول الكاتب الفرنسي.

يركز الكاتب الفرنسي على نتياهو كسبب رئيس في تراجع اسرائيل وتطرفها واضطراب علاقتها بالمهاجرين اليهود وبقتل عملية السلام. وهنا يتوقف عند نقطتين هامتين جدا، اولاهما تقول ان نتنياهو يعتمد على الولادة عند المتدينين بدلا من الاعتماد على استقدام مهاجرين جدد، والثانية ان “المسيحيين الصهاينة” الذي يربو عددهم على 600 مليون انجيلي عبر العالم ويزدادون عددا باستمرار خصوصا في اميركا اللاتينية صاروا اكثر اهمية بالنسبة له من المؤسسات اليهودية في الخارج والتي غالبا ما تكيل له الانتقاد. فضغوط هؤلاء الانجيليين هي التي دفعت دولا مثل البرازيل وغواتيمالا والهندوراس للحاق بادارة ترامب ونقل سفاراتها الى القدس.

يختم الكاتب مؤلفه الجديد بالقول ان نهاية الحلم الصهيوني “هي صنيعة نتنياهو، تتغذى بالغاء كل اشكال الانسانية، وبانكار الآخر الفلسطيني، الذي يقود حتما الى انكار الاسرائيلي الآخر واليهودي الآخر”.

Print Friendly, PDF & Email
سامي كليب

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  كونديرا: الروح السلافية وأزمة أوروبا الحضارية | (2)