بدأت السلطات الأفغانية، التي تسعى لأن تلعب دوراً أكثر تشدداً في المفاوضات مع حركة “طالبان” في ظل التغيير المرتقب في الولايات المتحدة، بمراجعة شروط استمرار التفاوض في العام المقبل، وهي توحي، على لسان الرئيس أشرف غني، أنها لا تنوي تقديم تنازلات جديدة لحركة “طالبان” وتقترح نقل الحوار إلى قندهار.
تحاول باكستان أيضاً استغلال فترة توقف المفاوضات والرحيل الوشيك للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لإنشاء تحالف غير معلن مع “طالبان”، خصوصاً في ظل الجهود الأميركية لإدماج الحركة الاسلامية المتشددة في السلطة السياسية.
عشية رأس السنة الجديدة، يتدهور الوضع الأمني في أفغانستان بسرعة كبيرة: يوم الأحد الماضي، دوى انفجار في ميدان سبين كالاي في كابول ما أسفر عن مقتل واصابة العشرات. كان هدف الإرهابيين سيارة عضو البرلمان الأفغاني حاج خان محمد وردك الذي أصيب إصابة بالغة. يأتي تصعيد العنف على خلفية استراحة تفاوضية كان مقررا أن تستمر حتى الخامس من كانون الثاني/يناير المقبل، علماً أن المفاوضات الأفغانية بين كابول و”طالبان” بدأت في العاصمة القطرية الدوحة منذ أيلول/سبتمبر الماضي.
يحاول كل طرف استغلال فترة التوقف في المفاوضات من أجل تعزيز مواقفه خلال الجولة التالية
مع استمرار “طالبان” في إظهار قوتها، أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني أن السلطات الأفغانية “لن تفرج بعد الآن عن المسجونين”. وبالنظر إلى أن الخطوات التصالحية السابقة التي اتخذتها كابول، والتي أفرجت من خلالها عن 5000 سجين “طالباني” لم تؤد إلا إلى تحفيز نشاطهم الإرهابي، توصلت السلطات الأفغانية إلى استنتاج مفاده بأنه لا ينبغي التسرع في إطلاق سراح 7000 مقاتل آخر كجزء من عملية المصالحة الوطنية.
“لا تريد الحكومة الأفغانية والشعب الأفغاني إطلاق سراح أعضاء “طالبان” من السجن بعد الآن”، قالها أشرف غني في أواخر الأسبوع الماضي، موضحاً الأساس المنطقي وراء مبادرة أخرى غير متوقعة من كابول وتقضي بنقل المحادثات الأفغانية من منطقة محايدة (الدوحة) مباشرة إلى أفغانستان.
وفقاً لمبادرة غني، ينبغي على “طالبان” الموافقة أولاً على هدنة، ومن ثم مواصلة محادثات السلام في قندهار.
ووفقًا للسلطات الأفغانية، فإن هذا من شأنه أن يجعل الحوار المستقبلي بين الأفغان ذا توجه أكثر وطنية واستقلالية عن الوسطاء الخارجيين.
وجهة نظر اشرف غني تنطلق من المنطق التالي: تدعي حركة “طالبان” أنها موجودة على الأراضي الأفغانية اليوم، فلماذا إذن لا تتفاوض على أرض افغانية؟
يشدد الرئيس الافغاني على أنه “لا ينبغي أن يستمر اجراء المفاوضات في الفنادق الفخمة.. اذ من من الضروري أن يرى جميع الأفغان كيف يتقدم الحوار وما هي المناطق التي يتم تسليط الضوء عليها ولماذا”.
في غضون ذلك، يشي رد الفعل المبكر لـ”طالبان” بأنَّ قيادة الحركة لا تشجع على نقل الحوار الأفغاني من “الفنادق الفخمة في الدوحة” إلى قندهار.
وقال نعيم وردك، المتحدث باسم مكتب “طالبان” في قطر، إنه من المستحيل القيام بذلك، على اعتبار أن منصة مفاوضات الدوحة قد تم الاتفاق عليها بالفعل مع وسطاء دوليين.
لكن السبب الحقيقي لرفض “طالبان” اقتراح الرئيس غني ينبع في الواقع من معارضة تبديها باكستان لنقل المفاوضات من الدوحة، خصوصاً أن اسلام اباد ترى أن اجراء الحوار في قندهار، وبالتالي تحويله إلى حوار افغاني صرف، يضعف جهودها للانخراط المباشر في التسوية السياسية الأفغانية.
وأكدت محادثة هاتفية بين رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان والرئيس الأفغاني الأسبوع الماضي أن القيادة الباكستانية تواصل ادعاء أحد الأدوار الرئيسية في التسوية الأفغانية.
وقال عمران خان في بيان إن “رئيس الحكومة الباكستانية أكد مجدداً دعمه القوي لتسوية سياسية للصراع في أفغانستان ورحب بالتقدم المحرز في المحادثات الأفغانية في الدوحة”.
المفاوضات على الأراضي الأفغانية من شأنها أن تعزز موقف كابول بشكل حاد، وعلى العكس من ذلك، ستضعف بشكل كبير قدرة الاستخبارات الباكستانية على التأثير في مساراتها
لا بد من الإشارة في هذا السياق الى أنه في الوقت الذي تعرب فيه كابول عن خيبة أمل متزايدة من عدم إحراز تقدم في محادثات الدوحة، والتي لم تصل الى القضايا الجوهرية، واكتفت بمناقشة قضايا إجرائية حصراً، فإن إسلام أباد، على العكس من ذلك، تتحدث عن “تقدم”، للايحاء بأن منصة الدوحة ما زالت صالحة، ولا داعي بالتالي الى استبدالها بمنصة قندهار.
السبب الرئيسي في الموقف الباكستاني هو أن المفاوضات على الأراضي الأفغانية من شأنها أن تعزز موقف كابول بشكل حاد، وعلى العكس من ذلك، ستضعف بشكل كبير قدرة الاستخبارات الباكستانية على التأثير في مساراتها.
ومن الأمور الرمزية تماماً أنه بعد المحادثة الهاتفية بين عمران خان وأشرف غني، توجه وفد من الممثلين السياسيين لحركة “طالبان” إلى إسلام آباد، ووفق التسريبات فإن الوفد سيبقى متواجدًا في باكستان حتى نهاية العام.
ويتضمن برنامج الزيارة اجتماعات لقياديي “طالبان” مع رئيس الوزراء عمران خان ووزير الخارجية محمود قريشي.
وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان إن “باكستان ستواصل دعم تسوية سياسية شاملة من أجل سلام دائم واستقرار وازدهار في أفغانستان والمنطقة”، ومع ذلك فإن عدداً من المراقبين يعتقدون أن اسلام اباد تسعى من الناحية الفعلية الى تهميش السلطات الأفغانية، في إطار جهودها لإعادة “طالبان” إلى السيطرة الكاملة على أفغانستان، ربما في شكل أكثر اعتدالاً قليلاً مما كانت عليه في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
ما يعزز هذه المخاوف هو أن كل مبادرات إسلام أباد في الاتجاه الأفغاني مكرسة لتحقيق هذه الغاية، لا بل إن الباكستانيين يعتبرون أن محادثات الدوحة نفسها تمثل فرصة مناسبة لعودة “طالبان” إلى السلطة. في هذا الصدد، لن تتخلى إسلام أباد عن فرصة السيطرة على المفاوضات من خلال الضغط باتجاه استمرارية اجرائها في الدوحة، ذلك أن نقل المفاوضات إلى قندهار سيجعل من الصعب على المشغلين الباكستانيين الحفاظ على اتصالات سرية مع مفاوضي “طالبان” في الوقت المناسب.
ومن المعروف أن قادة “طالبان” وعائلاتهم أقاموا بشكل دائم في كويتا والمدن الباكستانية الأخرى لسنوات عديدة، ولديهم أعمالهم الخاصة هناك. علاوة على ذلك، فإن أعضاء الوفد المفاوض لـ”طالبان” يحملون جوازات سفر باكستانية يسافرون بها حول العالم، لا بل ينظر إليهم باعتبارهم مواطنين باكستانيين، ما يجعل البعض يصف منصة الدوحة على أنها مفاوضات افغانية – باكستانية أكثر من كونها مفاوضات أفغانية – أفغانية.