المسألة الإيرانية.. أية سيناريوهات محتملة بعد “آلية الزناد”؟

تضيق فسحة الوقت يوماً بعد يوم بعد أن طلبت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) من مجلس الأمن تفعيل "آلية الزناد" (سناب باك) وتقضي بإعادة فرض عقوبات على إيران في حال مخالفتها بنود الاتفاق النووي الموقع عام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) الذي صادق عليه مجلس الأمن بموجب القرار 2231 الذي تنتهي صلاحيته في 18 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وتندرج تحت مظلته مجموعة قرارات صادرة عن المجلس تصب في الخانة ذاتها حيث طالبت "الترويكا" بالعودة إليها بما في ذلك وضع إيران تحت "الفصل السابع".

عندما تقدّم الثلاثي الأوروبي بطلبه، أمهل إيران شهراً (حتى 30 أيلول/سبتمبر)، على أن تكون هذه الفسحة الزمنية مناسبة لمراجعة الموقف الذي اتخذته طهران سواء من الوكالة الدولية للطاقة أو لجهة تعليق المفاوضات غير المباشرة مع الأميركيين.

وخلال الأيام الماضية سمعنا تصريحات من مسؤولين إيرانيين كانت بمثابة رسائل إلی أطراف معنية بالملف الإيراني. أمين المجلس الأعلی للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني قال إن إيران مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الأميركي لكن الأخير غير مستعد لهذه الخطوة، مشيراً إلی أن واشنطن تريد إضافة قضايا أخری إلی طاولة المفاوضات، وهي المنظومة الصاروخية ومدياتها التي يجب ألا تزيد عن 450 كيلومتراً مع تفكيك كافة أنشطة تخصيب اليورانيوم في إيران. وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إن إيران مستعدة لخفض أنشطة تخصيب اليورانيوم إلی نسبة 3.67 بالمئة وهي النسبة ذاتها التي كانت مُقرّرة في الاتفاق النووي الموقع عام 2015.

مثل هذه التصريحات التي تزامنت مع بدء التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإرجاء النظر بخطوة الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي التي أقرها البرلمان الإيراني، هي رسائل متعددة الاتجاهات. ففي الوقت الذي تريد طهران طمأنة الترويكا الأوروبية تحاول أيضاً ترطيب الموقف مع الجانب الأميركي، كما أنها تريد ارضاء الحليفين الصديقين روسيا والصين ومنحهم هامشاً من الحركة من أجل الحصول علی موافقة مجلس الأمن الدولي لتمديد صلاحية القرار 2231 لمدة 6 أشهر وافساح المجال أمام الجهود السياسية والدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق نووي جديد بعيداً عن خيارات الحرب والعقوبات الاقتصادية.

يسود اعتقاد في طهران أن سيناريو المواجهة لا يخدم مصالح الدول الغربية في المنطقة، ولا يخدم الأمن والاستقرار والسلام لا في المنطقة ولا في العالم. نعم يخدم الكيان الإسرائيلي الذي يرفض توصل الغرب إلى أي اتفاق مع إيران إلا من نافذة وبوابة المطالب والشروط الإسرائيلية، وهذا ما فعله مع الاتفاق النووي في العام 2015، وأدى إلى تطييره في العام 2018 وهذا ما حصل مع مفاوضات العام 2025

هذه المشهدية تُقدّم الصورة الايجابية لتطور المواقف، لكنها لا تحجب الأنظار عن سيناريوهات معقدة وخطيرة في حال تم استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل الولايات المتحدة علی المشروع الروسي – الصيني القاضي بتمديد القرار 2231، وبالتالي تفعيل القرارات الستة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وهو سيناريو محتمل.

وفي حال حصول مثل هذا السيناريو، ثمة اعتقاد أن طهران لن تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي نظراً لخطورة هكذا خطوة، كما أنها لن تنسحب من عضويتها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنها ربما تقوم بتقليص تعاونها مع هذه الوكالة، وبالتالي ترفض الامتثال للبرتوكول الملحق لمعاهدة حظر الانتشار النووي، مع الابقاء علی كميات اليورانيوم المرتفع التخصيب كورقة ضاغطة وقوية بيدها.

ومن الواضح أن لا أحد في إيران يعتقد أن استمرار العقوبات الأميركية وتفعيل عقوبات مجلس الأمن الدولي لن يربك الاقتصاد الإيراني ولن يؤثر علی المواطنين الإيرانيين؛ علی العكس من ذلك، الكل مقتنع بأن الولايات المتحدة ستلجأ إلى استنساخ “النموذج العراقي” (1991– 2003) في إيران، للدفع باتجاه اندلاع اضطرابات وفوضی داخلية بفعل ضغط العقوبات والمشاكل الاقتصادية المرافقة.

لكن “النموذج العراقي” الذي نجح خلال الأعوام 1991- 2003 في العراق لا يمكن تنفيذه في إيران. فإيران لم تعتدِ علی أية دولة كما حدث في حالة غزو العراق للكويت، كما أنها تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد تسمح للمفتشين التابعين للوكالة بتفقد كافة المنشآت بما في ذلك التحقق من مكان وجود كميات اليورانيوم مرتفعة التخصيب (تحديداً بنسبة 60%).

هذا في الجانب الفني النووي، أما في ما يخص العقوبات الاقتصادية، فإيران دولة عضوة في “منظمة شنغهاي للتعاون” التي تضم الصين والهند وروسيا وأعضاء آخرين، كما أنها عضو في مجموعة “البريكس”، إضافة إلی أن إيران تملك حدوداً جغرافية مباشرة مع 15 دولة، وهي تطل علی المياه الخليجية وبحر عمان والمحيط الهندي. هذا الموقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي يمنح إيران القدرة علی التعامل مع جميع هذه المنظمات والدول، خصوصاً أنها تملك من النفط والغاز والبتروكيمياويات والنحاس والحديد وبقية أصناف المواد الاستهلاكية والغذائية المتنوعة ما يفيد الدول المجاورة لإيران. إضافة إلی ذلك، فإن الخبرة التي حصلت عليها إيران خلال 46 عاماً من الالتفاف علی العقوبات تجعلها تتخطی العقوبات الجديدة والظروف المستجدة.

هذه المقاربة ليست وظيفتها أبداً التقليل من خطورة العقوبات وانعكاساتها، لكن في هذه الحالة ستدفع الولايات المتحدة إيران نحو المزيد من التشدد والتطرف في مواقفها الإقليمية والدولية، كما ستدفع بها نحو المزيد من التسلح النوعي في مواجهة المخاطر المحتملة، وأيضاً ستدفعها للاقتراب أكثر فأكثر من الصين وروسيا علی خلفية معاهدة التعاون المشترك مع روسيا التي تم التوقيع عليها بداية العام الحالي، وبرنامج التعاون المشترك مع الصين بقيمة 400 مليار دولار الذي تم التوقيع عليه منذ سنوات.

إقرأ على موقع 180  خيارات الشك الأوكرانية: ويستفاليا، يالطا أم بودابست؟

ويسود اعتقاد في طهران أن سيناريو المواجهة لا يخدم مصالح الدول الغربية في المنطقة، ولا يخدم الأمن والاستقرار والسلام لا في المنطقة ولا في العالم. نعم يخدم الكيان الإسرائيلي الذي يرفض توصل الغرب إلى أي اتفاق مع إيران إلا من نافذة وبوابة المطالب والشروط الإسرائيلية، وهذا ما فعله مع الاتفاق النووي في العام 2015، وأدى إلى تطييره في العام 2018 وهذا ما حصل مع مفاوضات العام 2025.

هل كان عدوان الإثني عشر يوماً علی إيران كافياً للولايات المتحدة للاقتناع بأن إيران لا يمكن أن ترفع الراية البيضاء بهذه السهولة، وأن الدخول بحرب جديدة مع إيران لا يخدم مصالحها، وأن الرضوخ لاملاءات بنيامين نتنياهو الطامح إلى “إسرائيل الكبری” بعد 75 عاماً من الاحتلال قد يفضي إلى كارثة؟

هذه الأسئلة وغيرها توجب القول إن اللاعبين في منطقة ساخنة تتميّز برمالها المتحركة يجب أن يقيسوا الأمور بميزان حسابات ومصالح دولهم لا حسابات نتنياهو الكارثية.

(*) ينشر بالتعاون مع جريدة “الصباح” العراقية

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  خيارات الشك الأوكرانية: ويستفاليا، يالطا أم بودابست؟