قبل أسبوعين من موعد إنتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقع القادة المشاركون في القمة الخليجية الواحدة والأربعين في مدينة العلا السعودية في الذكرى الاربعين لتأسيس مجلس التعاون الخليجي، على “بيان العلا” الذي طوى، مبدئياً، مرحلة إمتدت لثلاث سنوات عنوانها “حصار قطر”.
وبمعزل عن مضامين البيان الذي وصفه البعض بأنه “تاريخي” أو “حفلة العناق” التي حصلت بين أمير قطر وولي العهد السعودي، فإن ما ينبغي التوقف عنده هو الآتي: أولاً، المصالحة بشروط قطر تأتي قبيل أيام من رحيل دونالد ترامب عن البيت الابيض؛ ثانياً، الوضع في اليمن يتطور لغير صالح التحالف الذي تقوده السعودية، تحت شعار “اعادة الشرعية”؛ الثالث هو تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية واسرائيل.
في النقطة الأولى، يريد ولي العهد السعودي التحرر من ملفات ستشكل عبئاً على أي محاولة لإحداث إختراق في العلاقة بينه وبين إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن. لذلك، قرر التخلص من ملف الحصار وكل الشروط التي كان وضعها، الأمر الذي يعطي أمير قطر ما لم يكن يحلم بالحصول عليه، في مواجهة علاقة مستقبلية محكومة بالمد والجزر بين الدوحة والرياض، برغم إنضواء الدولتين تحت سقف السياسة الأميركية في منطقة الخليج.
من الواضح أن ملفات حقوق الإنسان بتشعباتها المتعددة، سواء في الداخل السعودي (مقتل جمال خاشقجي وإعتقال لجين الهذلول وأحمد فتيحي وغيرهما) أم على صعيد حرب اليمن، ستحتل مرتبة متقدمة في سياسة إدارة بايدن، ولذلك، إستبق ولي العهد السعودي، وصول الرئيس الأميركي الديموقراطي، بإرسال إشارات إيجابية إليه، تماما كما فعلت الدولة المصرية بإفراجها عن مئات الموقوفين.
لا ينفي ذلك أن بعض دول الخليج وتحديداً السعودية والإمارات والبحرين تراهن على الفترة المتبقية من ولاية ترامب في البيت الأبيض (حتى 20 ك2/يناير)، “لارتكاب حماقة ما ضد ايران” (ضربة عسكرية خاطفة بعنوان إنهاء البرنامج النووي الإيراني)، قد تورط ادارة بايدن في حرب غير محسوبة، على حد تعبير مصادر خليجية متابعة لمجريات القمة.
وتراهن الرياض في ذلك على التصعيد الكلامي الايراني المتزامن مع الذكرى الاولى لاغتيال قائد “قوة القدس” في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني. وتلتقي تمنيات السعودية تحديدا في هذا المجال، مع سعي اسرائيل للحد من النفوذ الايراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
واذ تخطى القادة الخليجيون في قمتهم ملف حصار قطر، عبر بعض التدابير السعودية التي سبقت القمة من تبادل فتح الاجواء ورفع الحصار عن الدوحة، يتوقع كثيرون عود على بدء في التأزم خاصة اذا ما علمنا ان قطر مع تركيا، تشكلان محورا بوجه سياسات السعودية في المنطقة، وربما يحاول هذا المحور الإستفادة من عودة الديموقراطيين الى البيت الابيض، باعتبار ان بايدن كان نائبا للرئيس باراك اوباما الذي ساهم بدور كبير في تعويم “الاسلام السياسي” في المنطقة.
ولا يجوز إغفال نقطة متصلة بالصفقات التي يريد ترامب وصهره جاريد كوشنير إبرامها في الخليج (شراء حصص من “ارامكو” مثلاً)، قبيل طي الحقبة الترامبية، بحيث يطل الرئيس المنتهية ولايته في الحادي والعشرين من هذا الشهر على دول الخليج بوصفه تاجرا ورجل عقارات وصفقات، بأمل أن تساعد هذه الصفقات في عودته بعد أربع سنوات إلى البيت الأبيض.
يبقى الملف اليمني بمثابة النار تحت رماد العلاقات السعودية الاماراتية، والذي تجلى في الهجوم على مطار عدن، لدى عودة الحكومة الجديدة، بعد ادائها اليمين امام الرئيس عبد ربه منصور هادي في الرياض، مع ما يكشف ذلك من علاقات متوترة بين راعيي التدخل في اليمن، الرياض وابو ظبي، إلا إذا أظهرت التحقيقات عكس ذلك.
وإذا كانت الولايات المتحدة تقلص حضورها العسكري في شتى أنحاء العالم، بما في ذلك الخليج العربي والشرق الأوسط، فإن تزامن ذلك مع التطبيع الخليجي ـ الإسرائيلي، إنما يشير إلى أن إسرائيل تحاول أن تقدم نفسها بوصفها الضامن لأمن دول الخليج، بدل الولايات المتحدة مستقبلاً، في مواجهة إيران. ويندرج في هذا السياق، ما كشفته الصحافة الأميركية مؤخراً عن مطالبة دول الخليج بالإنضمام إلى أية طاولة مفاوضات جديدة مع إيران تتعلق ببرنامجها النووي أو الصاروخي (الباليستي) ونفوذها الإقليمي. ولم تخرج كلمة ولي العهد السعودي الإفتتاحية للقمة عن هذا السياق، بتشديده على ضرورة التوحّد الخليجي في مواجهة «التحديات التي يمثلها البرنامج النووي للنظام الإيراني وبرنامجه للصواريخ الباليستية… ومشاريع التخريب الهادمة التي يتبناها وكلاؤه، وأنشطته الطائفية والإرهابية”.
كالعادة، وكما في كل القمم الخليجية، صدر بيان ختامي واعلان، يؤكد على المبادئ العربية من جيبوتي وجزر القمر، مرورا بالقضية الفلسطينية وازمة الشرق الاوسط، والجزر الاماراتية الثلاث المحتلة من ايران، فضلا عن العلاقات الخليجية – الخليجية، و”ضرورة” انشاء السوق الخليجية المشتركة والعملة الموحدة، وصولاً إلى تفعيل “قوة درع الجزيرة”، وهي لازمات نجدها في كل بيانات واعلانات القمم الخليجية كافة.
واللافت للإنتباه أنه على الرغم من إعلان الرياض فتح الحدود مع قطر أمس (الاثنين)، لم تعلن الإمارات ومصر والبحرين عن موقف مماثل، بيد أن مسؤولا أميركيا توقع انضمامهم قريباً للخطوة السعودية، وقال إنه بموجب الاتفاق، سوف تعلق قطر الدعاوى القضائية المتعلقة بالمقاطعة.
هل طويت نهائياً صفحة الخلافات الخليجية؟
لا قطر بوارد التراجع عن هوامشها وتمايزاتها ولا سيما الإعلامية (سقط مطلب إقفال قناة “الجزيرة”) ولا الإمارات بوارد التواضع وبالتالي ستستمر بالتصرف بوصفها “دولة عظمى”، أما ولي العهد السعودي، فكل إهتمامه منصب على العرش. في الوقت نفسه، تستمر الكويت التي لعبت دورا محوريا في المصالحة، بالإمساك بالعصا من الوسط، فيما تتصرف سلطنة عُمان بوصفها دولة محايدة!
في الختام، من المفيد التوقف عند ما أوردته صحيفة “لوموند” الفرنسية في معرض تقييم القمة الخليجية بإشارتها إلى إن الانتصار القطري “يلوح في الافق بالرغم من ان الامارة ستضطر الى تغيير الخط التحريري لقناة الجزيرة التي كانت تركز على نقاط فشل محمد بن سلمان وستبتعد عن المعارضين السعوديين الذين قالت الرياض إن الدوحة تمولهم”. النتيجة ذاتها لخصها الاكاديمي الاماراتي عبد الخالق عبدالله بقوله لصحيفة “فاينينشال تايمز” البريطانية “يمكنك القول إن قطر قد إنتصرت. ثمن المعركة كان هائلاً. كانت أسوأ ثلاث سنوات ونصف في تاريخ مجلس التعاون الخليجي”!