حادثة الحدود.. لن تُفسد هدوء الجبهة المصرية

لم يكن ينقص الكيان العبري في خضم حرب الجبهات المتعددة التي يخوضها مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية إلا أن تأتيه النيران من الجبهة المصرية الهادئة منذ 44 عاماً. تطورٌ اتفقت معظم الصحافة الإسرائيلية على خطورته، وخشيت من تحوله إلى سابقة. وعليه، تصبح كل حدود الكيان شبه مشتعلة! بما في ذلك الحدود مع الأردن ضمناً، التي لا تخلو هي أيضاً من حوادث أمنية.

ثمة فرضيتان حاكتهما الصحافة والجهات الرسمية الإسرائيلية بخصوص حادثة مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وجرح رابع قرب الحدود المصرية الفلسطينية، فجر السبت الفائت (3 يونيو/حزيران).

الفرضية الأولى تقول إن الأمرُ يتعلق بشخص مرّ بتجربة تطرف أيديولوجي، سواء بتأثير تنظيم إسلامي (في شبه جزيرة سيناء تعمل امتدادات محلية لتنظيمي”داعش” و”القاعدة”)، أو كتماهٍ مع نضال الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة ضد إسرائيل.

أما الفرضية الثانية فتقول إن الأمرُ يتعلق بالانتقام بسبب إحباط عملية لتهريب مخدرات. فقبل نحو ثلاث ساعات على الحادثة، وعلى بعد 3 كلم شمال المكان الذي وقعت فيه الحادثة، أحبطت قوة للجيش الإسرائيلي عملية تهريب كبيرة للمخدرات، بمبلغ يُقدر بنحو مليون ونصف المليون شيكل.

الأرجحية بطبيعة الحال هي للفرضية الأولى، خصوصاً وأن الحادثة تطلبت من الشرطي المصري تجاوز جدار فاصل يتراوح ارتفاعه بين ستة وسبعة أمتار. كما أن الشرطي المصري خاض المواجهة على مرحلتين: أولاً قتل الجنديين الإسرائيليين، ثم وبعد كشف أمره اشتبك مع قوة دعم إسرائيلية حضرت إلى المكان، ليتمكن بعد ذلك من قتل أحد أفرادها وجرح آخر قبل أن تعمل تلك القوة على تصفيته.

منطقة مخادعة

لكن المشكلة ليست هنا، حسب قول طلّ ليف رام، الصحافي في صحيفة “معاريف”. إنما المشكلة في خطة الشرطي المصري “البسيطة”، التي نفذها من دون تخطيط مسبق أو أي استعدادات خاصة. في هذا الحدث انهارت منظومة دفاع الجيش الإسرائيلي في الجبهة تماماً. وكانت النتائج قاسية وأليمة بالفعل. ولو كان وراء الحادثة خلية “إرهاب” منظمة وليس شرطياً مصرياً عمل بمفرده لكانت النتائج أكثر خطورة بمراحل، بل وربما تمكنت “الخلية المفترضة” من اختطاف جنود إسرائيليين إلى الأراضي المصرية أو إصابة عدد أكبر من الجنود الإسرائيليين.

في هذا السياق، قال يوآف ليمور، المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم”، إن “عملية إطلاق النار على الحدود تؤكد أن المنطقة مخادعة، إذ تبدو ظاهرياً أنها حدود هادئة لكنها في الواقع ساحة معركة معقدة تمتزج فيها تهديدات عدة في وقت واحد”. وهي كانت تعتبر هادئة بالفعل، لكنها شهدت محاولات متكررة لتهريب المخدرات خلال الأعوام الأخيرة، مما أدَّى إلى وقوع اشتباكات بالذخيرة الحيّة  بين مهربين وجنود إسرائيليين متمركزين على طول الحدود. وفي عام 2012، على سبيل المثال، تبنت مجموعة “أنصار بيت المقدس” هجوماً على الحدود المصرية – الإسرائيلية أدى إلى مقتل جندي إسرائيلي.

بدوره، حذَّر يوسي يهوشواع، المحلل العسكري  في صحيفة “يديعوت”، من تكرار مثل هذه الحوادث، لا سيما أنها “ثاني عملية اقتحام خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعد حادثة تسلل شخص من لبنان نجح في اختراق الحدود الإسرائيلية لمسافة 70 كيلومتراً تقريباً في مارس/آذار الماضي والوصول إلى مفترق مجدو، وزرع عبوة ناسفة. وكاد أن يفر عائداً إلى لبنان لكنه قُتل في نهاية المطاف على يد قوات الأمن الإسرائيلية”.

ويقول المحلل السياسي في “هآرتس” حاييم ليفنسون إنه زار مصر سابقاً كسائح وكصحافي وإستنتج من خلال مقابلاته مع المصريين أن الإسرائيليين غير مرغوب بهم على أرض مصر، وبالتالي توصل إلى قناعة أن اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر “هو اتفاق وهمي. ولا يوجد سلام بين الشعبين”، ويضيف “لنتخيل شرطياً إسرائيلياً من أتباع مئير كهانا، يستغل موقعه في حراسة الحدود مع مصر، ويعبر إلى الأراضي المصرية، ويقتل 3 جنود مصريين. حينها، لا يكفي الإعلان أن ما جرى “حادث محدود”. لذا، حان الوقت لنتوقف عن تقديم تنازلات لمصر. فهي دولة كبيرة وقوية، لديها مؤسسات وسلطة مركزية مستقرة، وتستفيد من ثمار السلام البارد بصورة لا تقلّ عنا، ويجب أن تكون مطالبتنا لها أساسية ومعقولة وعادلة: يجب عليكم استخدام كل وسائلكم التعليمية والجنائية من أجل تثقيف عناصركم (الجيش والشرطة في مصر) بثقافة السلام”.

أما عاموس هرئيل، الصحافي في صحيفة “هآرتس”، فيقول: “نجاح حادثة السبت، يمكن أن تُولّد محاولات أخرى لعمليات تقليد، بما في ذلك إمكانية إرسال “مخربين” عبر المحور الحي الذي يربط قطاع غزة بشبه جزيرة سيناء، ومن هناك إلى إسرائيل. أو إمكانية اختطاف جنود إسرائيليين على الحدود”.

“يسرائيل هيوم”: الحادثة تؤكد أن المنطقة مخادعة، إذ تبدو ظاهرياً حدود هادئة لكنها في الواقع ساحة معركة معقدة تمتزج فيها تهديدات عدة

ويناقش هرئيل في مقالته، كيفية حماية ثاني أطول حدود مع الكيان (240 كلم). إذ لا يرى جدوى من قوة متعددة الجنسيات بقيادة قوات أميركية موجودة هناك، التي “ليس لها فائدة كبيرة”، بحسب تعبيره. ويضيف “إذا كانت تتواجد هنا بداية نحو تغيير للأسوأ فإن الجيش سيكون بحاجة إلى فحص تخصيص آخر للموارد والوسائل القتالية. وربما أيضاً تعزيز للقوات التي حصلت على تدريب أفضل”.

إقرأ على موقع 180  ترامب وبايدن.. ومرآة هيلاري

تجدر الإشارة هنا إلى أن القوات المُدربة والنُخبة تتواجد في الجبهة الشمالية لمواجهة “العدو” الأخطر على إسرائيل (حزب الله). الذي لم تعد مصطلحات مثل “منظمة إرهابية” أو “حرب عصابات” ذات صلة، كما لم تعد تُعبر عن ماهية هذا الحزب، بحسب قول رئيس أركان العدو السابق غادي ايزنكوت، الذي قال: “هناك عدد قليل جداً من الدول في العالم لديها القدرة على إطلاق أكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية وطائرات بدون طيار، مثل حزب الله”.

ويضيف على ذلك رونين بيرغمان، مؤلف كتاب “انهض واقتل أولاً.. التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية”؛ الذي يتولى موقع 180post نشره بالعربية في سلسلة مقالات للكاتب ماهر أبي نادر؛ ثمة قوة ردع لا يُستهان بها في الشمال، حيث أن “(السيد) نصرالله حدَّد خطين أحمرين سيقابلان بإطلاق النار: شنّ أي هجوم أو اعتداء على الأراضي اللبنانية، وقتل أعضاء في حزب الله..”.

الحادثة انتهت.. ولكن

في المقابل، الجبهة المصرية هادئة ومنضبطة باتفاقية الصلح، ويُستعاض بها عن حشد قوات عسكرية كبيرة ومُحترفة بالتنسيق بين الجيشين؛ الإسرائيلي والمصري؛ حيث تتقاطع مصالحهما، سواء في مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة أو عصابات تهريب المخدرات. ونتيجة لهذا التقاطع الأمني، سمحت إسرائيل للجيش المصري بأن يزيد عديد قواته وعتاده بنسبة تفوق المنصوص عليها في الملحق العسكري لاتفاقية الصلح بين البلدين.

“هآرتس”: الحادثة يمكن أن تُولّد محاولات أخرى لعمليات تقليد، بما في ذلك اختطاف جنود إسرائيليين

ويقرأ اللواء احتياط، عاموس جلعاد، في السياق الأوسع لهجوم السبت، في مقالته في N12، على أنه “أبرز الأهمية الكبرى لـ “العلاقات الإسرائيلية – المصرية”، وضمنها الثقة والتعاون العملياتي والعسكري الذي تطور بين جيش العدو والمنظومة الأمنية بكافة مكوناتها، وبين الجيش المصري والمنظومة الأمنية في الكيان”. وكان لافتاً تحسس كثير من المعلقين؛ وحتى على المستوى الرسمي؛ أهمية أن لا تؤثر الحادثة في استراتيجية العلاقات الأمنية والسياسية التي تجمع بين القاهرة وتل أبيب، لا سيما مسارعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإصدار قرار يلزم حكومته ونواب الكنيست بتجنب الحديث عن العملية.

وفي سياق العلاقة الأمنية الجيدة بين مصر وإسرائيل، يقول جلعاد: “وقع الحادث المأساوي على الحدود بين الدولتَين، وتحديداً في ذروة “شهر عسل” في العلاقات، فالتعاون الأمني والاستخباراتي بين الأجهزة الأمنية ازداد عمقاً في السنوات الأخيرة، وأدت مصر دوراً محورياً في التوصل إلى تفاهمات وترتيبات لإنهاء جولات القتال بين إسرائيل والتنظيمات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة.

لا يبدو أن لحادثة السبت تتمة. سوف يعمل الجانبان على تجاوزها. لكن هذا لا يمنع من تكرارها وتجرؤ أبطال من الجيش المصري، وهم كثر، أمثال محمد صلاح، على تنفيذ عمليات مشابهة، تُثلج قلوب المصريين الذين ما زالت كراهيتهم لإسرائيل على حالها برغم التعاون الأمني والسياسي بين القاهرة وتل أبيب من أربعة عقود ونصف، حسب تعبير المحلل السياسي في “يسرائيل اليوم” أريئيل كهانا. إلا أنها تبقى بحدود الأعمال الفردية غير المنظمة، ومُدانة، مع الآسف، من الجانبين. (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، جريدة الأيام، عرب 48).

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  الخليج.. هيكلة إقتصادية وتغيير مسار صناديق الثروة السيادية