مغامرة كردية في وقت أميركي مستقطع.. حلم “الإدارة الذاتية” يتجدد

أسبوعان مرّا على بدء القوات الكردية فرض حصار على المواقع التي يسيطر عليها الجيش السوري في مدينتي الحسكة والقامشلي في شمالي شرق سوريا، من دون أن تفلح الوساطة الروسية – حتى الآن- في إنهاء هذا الحصار وتخفيف مظاهر الاحتقان التي تشهدها المنطقة، في ظل الإصرار الكردي المستمر على تحصيل مكتسبات سياسية وميدانية قد تمهد الأرض لعودة أميركية "وازنة" إلى مشهد الشمال السوري.

لم يكن عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب “وردياً” بالنسبة للأكراد. لقد وجدوا حليفهم الأقوى يتخلى عنهم مرات عدة، ويتركهم في مواجهة المد التركي المستمر، وبالتالي تركه يقضم مناطق استراتيجية وهامة بالنسبة للمشروع الكردي، فضلاً عن تهديده “عاصمة” إدارتهم الذاتية (عين عيسى)، حيث انصب اهتمام ترامب على الموارد النفطية السورية التي جند لحمايتها والعمل فيها آلاف المقاتلين الأكراد، إلى جانب الجنود والمستشارين الأميركيين.
اليوم، ومع تولي الرئيس الأميركي جو بايدن مقاليد الحكم، وجد الأكراد أنفسهم مرة أخرى أمام حليف ينتظرون أن يكون داعماً لمشروعهم، في ظل علاقته غير الطيبة مع الرئيس التركي رجب طيب إدروغان من جهة، وسياسته الخارجية الأقرب إلى باراك أوباما في ما يتعلق بملف الشرق الأوسط من جهة أخرى، خصوصاً أنه استعان بجزء كبير من فريق أوباما في فريقه، إضافة إلى استعانته بشخصيات وسياسيين أميركيين تربطهم علاقة “طيبة” بالأكراد.
هذا التغيّر الأميركي، أعاد مرة أخرى مشاريع عدة إلى الطاولة، بينها مشروع “الإدارة الذاتية” الكردية، الذي لم يحظ، برغم الدعم الأميركي المتواصل، بتوطيد حقيقي على الأرض، في ظل عدم وجود قوى دولية وازنة تعترف به، وعدم قدرة الأكراد أنفسهم على رسم خريطة واضحة لمناطق نفوذهم، فمن جهة قضمت تركيا مدناً ومواقع عدة، ولا تزال تحاول قضم المزيد، ومن جهة أخرى، تعمل الحكومة السورية على محاربة المشروع الكردي الذي تعتبره انفصالياً، في حين تعمل روسيا بشكل مستمر على ضبط الإيقاع، وإعادة لملمة الأوراق السياسية والميدانية بشكل يضمن إعادة سوريا إلى كنف حكومة موحدة تدير البلاد من دمشق.
حتى الآن، ليس معلوماً كيف ستتعامل واشنطن مع اية محاولات تركية لقضم مناطق كردية جديدة، خاصة في ظل عدم قدرة الأكراد على خوض مواجهات عسكرية مباشرة ومفتوحة مع القوات التركية والفصائل السورية التابعة لها، الأمر الذي جعل الأكراد يختارون طرفاً آخر لمحاولة إحداث تغيّرات ميدانية يمكن أن تمهد الأرض لهم لخطوة لاحقة تحصّن مشروعهم.
تسيطر الحكومة السورية على جزء من مدينة الحسكة (منطقة صغيرة تحمل اسم المربع الأمني يضم المؤسسات الحكومية)، كما تسيطر على مساحة صغيرة في مدينة القامشلي (مربع أمني أيضاً)، إضافة إلى وجود مناطق عسكرية للجيش السوري على أطراف مدينة الحسكة، وفي مطار القامشلي، ومواقع عسكرية أخرى، ويحيط الأكراد بمعظم هذه النقاط، الأمر الذي يوفر لهم “فرصة” لمحاولة تحصيل مكاسب من دون خوض مواجهات مباشرة، عن طريق فرض حصار على الحسكة والقامشلي، وفرض شروط مقابل فك هذا الحصار.

التغيّر الأميركي، أعاد مرة أخرى مشاريع عدة إلى الطاولة، بينها مشروع “الإدارة الذاتية” الكردية، الذي لم يحظ، برغم الدعم الأميركي المتواصل، بتوطيد حقيقي على الأرض، في ظل عدم وجود قوى دولية وازنة تعترف به

ومن الشروط التي وضعها الأكراد لفك الحصار عن الحسكة والقامشلي، انسحاب حواجز الجيش السوري عن بعض الطرقات، وفتح طريق يشرف عليه الأكراد أنفسهم، ويربط مواقع سيطرتهم بحي الأشرفية في حلب، بذريعة أن الجيش السوري يضيق الخناق على الأكراد في تلك المنطقة، الأمر الذي اعتبره مصدر سوري “محاولات لبسط نفوذ كردي جديد، وفرض شروط يعرفون أن دمشق لا تقبل بها”.
وانتشرت خلال الأسبوعين الماضيين روايات كردية عديدة عن وجود مشروع كردي لإخراج الحكومة السورية من مواقع سيطرتها في القامشلي والحسكة، ووضع المحافظة بشكل كامل تحت سيطرة “الإدارة الذاتية” الكردية، الأمر الذي يبدو أن الأكراد سمعوا رداً قاسياً عليه عبر الوسيط الروسي، خلال الاجتماعات المتتالية التي يجريها الروس مع قياديين أكراد.
التحركات الكردية الأخيرة سبقتها دعوات للولايات المتحدة الأميركية للاعتراف بـ”الإدارة الذاتية” الكردية، وزيادة عدد الجنود الأميركيين في سوريا، بهدف “بلورة مشروع الإدارة الذاتية”، الأمر الذي كرر طلبه “قائد قوات سوريا الديموقراطية” مظلوم عبدي، الذي يرى أن الوجود العسكري الأميركي يجب أن يستمر أطول فترة ممكنة، أو “إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي للصراع”، وفق تعبيره.
وبالإضافة إلى السياسة التي يتبناها بايدن، والتي يأمل الأكراد في أن “تقلّم أظافر تركيا” في المنطقة، يعول الأكراد أيضاً على شخصيات سياسية تربطهم بهم علاقات قوية في فريق بايدن، أبرزهم بريت ماكغورك الذي تولى منصب منسق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، والذي أثار تعيينه غضب تركيا، خصوصاً أنه من أشد المناصرين لتقوية نفوذ الأكراد، الأمر الذي اعتبرته الناطقة باسم الحكومة التركية في مقال لها “الشوكة التي قد تؤثر على إصلاح العلاقات بين أنقرة وواشنطن”.
ويتزامن التصعيد الكردي أيضاً مع عودة ظهور تنظيم “داعش” في البادية السورية، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا التي تعمل كل من دمشق وروسيا على تمهيد الأرض لإنجاحها، الأمر الذي وفّر للأكراد أيضاً فرصة لمحاولة “خلط الأوراق” ومحاولة تحقيق مكتسبات سياسية وميدانية، أو على الأقل جس نبض الأميركيين ومحاولة إستدراجهم إلى الميدان السوري، وتسريع عملية إعادة انخراط واشنطن في ملفات تجاهلتها إدارة ترامب، ويأمل الأكراد أن يكون لبايدن رأي آخر فيها.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  بوصلة غزة.. صراعنا أولاً مع الغرب الإستعماري
علاء حلبي

صحافي سوري

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "كورونا" ومستقبل أوروبا: مساران محفوفان بالمخاطر