رئيس الجمهورية شريك في التأليف أم لا؟

منذ ثلاثة أشهر، يشهد لبنان نقاشاً سياسياً ودستورياً حول الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، في ضوء حالة الإنسداد السياسي التي تحول دون تشكيل حكومة لبنانية جديدة.

أصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية بياناً في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، حدّد فيه دور رئاسة الجمهورية في تشكيل الحكومة وقد جاء في هذا البيان أنه في في ما يتعلق باختيار الوزراء وتسميتهم وتوزيعهم على الحقائب الوزارية، “فإن هذا الامر ليس حقاً حصرياً لرئيس الحكومة (سعد الحريري) استناداً الى البند الرابع من المادة 53 والبند الثاني من المادة 64 من الدستور، ما يدل على ان للرئيس (ميشال) عون حقًا دستوريًا بأن يوافق على التشكيلة الحكومية كاملة قبل التوقيع”.

كان الموقف السابق لرئاسة الجمهورية أن رئيس الجمهورية هو المبادر والشريك الأساسي، على ما تنص عليه وتؤكده المادة 53 الفقرة الرابعة من الدستور، لجهة أنه هو الذي يصدر مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء. ما يعني صراحة أيضا وأيضا أن رأيه وقراره وازنان في التشكيلة الحكومية، لا بل انهما حاسمان بالمفهوم الدستوري، وطالما ان توقيعه يختم مسار التكليف والتسمية والتأليف، فإن رئيس الجمهورية “ليس ساعي بريد أو صندوق اقتراع في عملية التكليف والتسمية وليس مجرد موثق بتوقيعه لوثيقة تأليف الحكومات”.

إن رئيس الجمهورية بصفته المؤتمن على الدستور يجب أن يبدأ بحماية المؤسسات الدستورية ومنها مؤسسة مجلس الوزراء وأن يضع القواعد والأعراف التي تبعد هذه المؤسسة عن الشرذمة والضعف وقلة الحيلة وعدم القدرة على التقرير لصالح هيمنة أطراف أخرى على هذا المجلس

إن الطرح الجديد الذي صدر في 22 كانون الثاني/ يناير الحالي ينقل رئيس الجمهورية من موقع الشريك في تشكيل الحكومة وتحديد شكلها وعدد الوزراء فيها والكتل النيابية التي تشارك فيها وأسماء بعض وزرائها، إلى موقع الموافق على كامل التشكيلة وليس فقط جزءاً منها، وهذا الأمر يتناسب كلياً مع  الدستور والأعراف المتبعة  في تأليف الحكومات، والتي يمكن اختصار خطواتها بالآتي: أولاً، يجتمع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة إلى النواب ويستمع إلى طلباتهم ومطالبهم، فيعمد إلى غربلتها وتسجيلها في لائحة مفصلة ووصولاً إلى بيان ما يمكن تلبيته منها إذ يستحيل عليه، منطقاً وعقلاً، الاستجابة لها جميعاً، وبعد انتهاء هذه الغربلة للمطالب يجتمع الرئيس المكلّف مع رئيس الجمهورية ويتفاهما على تنسيق طلبات ومطالب الكتل والنواب المستقلين.. من أجل وضع تصور مبدئي للحكومة على أساسها. ثمّ يطلب من الكتل النيابية المنوي أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الإئتلاف الوزاري، رفع أسماء مرشحيها للوزارة. ثمّ تكون الخطوة الأخيرة بالاجتماع المطوّل بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكّلف لإعداد مشروع مرسوم تشكيل الحكومة، وفي هذه المرحلة يظهر دور رئيس الجمهورية بالموافقة على هذه الأسماء، على أن يراعى بالرفض، عدم عودة الأمور إلى المربع الأول أو أن يمسّ باختيار رئيس الحكومة للمطالب النيابية التي يمكنه تلبيتها. وتعتمد في هذه المرحلة الحكمة والمنطق والتفاهم والتعاون للوصول إلى التشكيلة المثالية التي تخدم مصالح المواطن والوطن. وفي معرض هذا التفاهم بين الرئيسين، لا عودة للكتل النيابية ولا إلى أي طرفٍ آخر بل هو عمل دستوري يؤديه الرئيسان حصراً. وفي هذه الجلسة، يصدر مرسوم تشكيل الحكومة، ومن يعترض على المرسوم، يمكنه الطلب من وزرائه الاستقالة من الحكومة أو يبادر إلى حجب الثقة عنها في مجلس النواب.

 إن رئيس الجمهورية بصفته المؤتمن على الدستور يجب أن يبدأ بحماية المؤسسات الدستورية ومنها مؤسسة مجلس الوزراء وأن يضع القواعد والأعراف التي تبعد هذه المؤسسة عن الشرذمة والضعف وقلة الحيلة وعدم القدرة على التقرير لصالح هيمنة أطراف أخرى على هذا المجلس ومن هذا المنطق يفترض أن لا يكون لرئيس الجمهورية مطالب أو حصة في الحكومة لأن الدستور واضح لناحية أن الاستشارة المسبقة للتشكيل مقتصرة على الكتل النيابية لأنها هي من سيمنح الثقة للحكومة وأن الحكومة يجب أن تكون متجانسة في ما بينها ومتعاونة مع مجلس النواب، وأن الدستور الجديد حجب عن رئيس الجمهورية قدرة السيطرة على مجلس الوزراء الذي هو مؤسسة مستقلة عن الرئيس ولكن ما حصل أن الأعراف التي إعتمدت منذ الطائف حتى الآن، أعطت لرئيس الجمهورية حق تسمية وزراء يمثلونه، وجاء اتفاق الدوحة  في العام 2008، لكي يُثبّت أيضاً (بالعرف وليس بالنص) قاعدة منح رئيس الجمهورية الحق بتسمية وزراء في التشكيلة الحكومية (ثلاثة وزراء في حكومة مؤلفة من 30 وزيراً).

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "وحدة معايير" أم إنقلاب على الدستور اللبناني؟
عصام نعمة إسماعيل

أستاذ مادة القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  طلال سلمان بادر، أنتج.. ونجح