عندما يكفُر أديسون بكهرباء لبنان!

لو أن معجزة تُعيد توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي إلى الحياة، ممسوساً بسلكٍ كهربائي، لما تردد في تلاوة فعل الندامة، من أنه ذات يوم أضاء ظلمة بعض مناطق العالم ومنها لبنان.

لو أن أديسون إختار دولة ما في العالم لمعاقبتها بالمزيد من العتمة، لاختار لبنان بلا ريب، فقط إنتقاماً من عقوق مواطني هذه البقعة الجغرافية من ذوي النفوس الكهْفيّة، والأحياز السوداء في العقول. هؤلاء ممن تبجّحوا بنشر أنوار الفكر والحرف، نراهم يدمنون العتمة ساعة بساعة. في الليل والنهار. عزةً منهم وافتخاراً بأحوال غيتواتهم الطائفية المغلقة! طوائف لا يلوي زعيمها على تسيير أمور حِسْبَتهِ المادية فوق أو تحت الطاولات، في العتمة أو “ع ضو الكهربا”.

أديسون النابغة باختراعه المصباح قبل حوالي القرن ونصف القرن من الزمن، فاته أن ظلمة العقول والقلوب تسمو على اكتشافه، وتتخطى موهبته الخارقة في تنوير حياة البشر وتنمية حياتهم ورفاههم، ذلك أن اللبناني ـ الخارق بمواهبه المتعددة ـ يفوقه باختراعات لا تحصى. اختراع الشتم والتشاطر والتذمر وبلع اللسان عند الضرورة. اختراع أوهام التنطُّح للقضايا الكبرى مع ثقته أنها في غير مَنالِهِ ولكن. لكنه يأبى ويأنف التصدي لمعالجة أزماته اليومية الخانقة والقاتلة إلى حد الموت البطيء، بلا رفة جفن.

الاحتيال أو التحايل هو سلوك العاجز عن الإمساك بحقائقه المُرّة باستفحالها المتتالي، بوقْعِهَا شديد الوطأة، بالندوب التي تتركها في صحتنا وحياتنا، وبخذلان أحلامنا وقد اندثرت بين أوهام الرعية وذئبية الرُعاة..

لقد أضعنا بوصلة ما نريد، وما نقوَى على فعله، وما نتمنى، وما نقدر على تحقيقه. أضعنا البوصلة وأضاعتنا. السبب هو ضياعنا وتذبذبنا واضطرابنا وعجزنا وإرباكنا وكل صفات الضعاف فينا. نعم بتنا عاجزين عن الإمساك بحقائق مصائبنا المرّة. نعلكها بعبارات لا تقْرُب مضمونها، ونستقوي بصدى حناجرنا في الطبل الأجوف، ونجتر شعارات استوردناها أو تم تكليف بعضنا بتردادها، ومنها أنّه عندنا “مجتمع مدني” يفقأ عين الكاذب والسارق والناهب؟. وأنّ عندنا نقابات تسلط الضوء على عتمة حقوق المظلومين. وأنّ بيننا جمعيات لا تبغي الربح، ومثلها في أحزاب عريقة لطالما دبّجت بياناتها الساطعة على شبكات الأربعين ملياراً من ديون الكهرباء. نستفيق وإذ بنا نختبئ في لحظات المحاسبة ونعمي أبصارنا عن مراقبة الملتويات والثغرات والحفْر العميق بجلودنا ولحمنا وأرواحنا تحت ظلال عتمة سوداء تفضح الأكاذيب.

تبرد الأسلاك المتدلية في هذا الجهاز الكهربائي وذاك. كما في كل جدران البيت. يتراكم الغبار على امتدادها. على كثرتها وقد زحفت تحت المقاعد كالأفاعي. يلفها الكسل كما نحن. تتحول إلى أشلاء هامدة أمام أنظارنا الجامدة. أنظارنا الفاقدة بريق الغضب والثورة

بالأمس، كما قبل وربما في الآتي، استطالت أوقات العتمة، ولم تفلح غسّالة والدة صديقتنا آمنة في إتمام عملية تنظيف الملابس، فأبدت الوالدة المتقدمة في العمر صاحبة البصيرة النوّارة سخريتها من عجز الغسالة بالقول: “في زمن كورونا تعلمنا غسل النقود الورقية من باب الحذر من بضعة نقود يحملها بائع الخضار، أو موظف الديلفري، في حين لم تنفعنا أموالهم المغسولة بسواد عتمة انقطاع التيار الكهربائي”.

يتناوب انقطاع التيار الكهربائي في يومنا بسرعة لمعة الضوء، ومع أننا ابتكرنا التحايل بالاشتراك بالمولدات فبتنا كالذي يلحس المبرد مرتين. لجأنا إلى حلول فردية ومؤقتة، فكان صراخنا فردياً ومؤقتاً.

هكذا نمارس احتجاجاتنا، فتأتي مشابهة لرحلة التيار الكهربائي في مجيئه وانقطاعه. دائماً يغلب الثاني الأول. نستلقي في العتمة. نلعن الظلام، ولا نضيء شمعة لحلول شافية دائمة.

يغيب التيار الكهربائي عن منازلنا. تبرد الأسلاك المتدلية في هذا الجهاز الكهربائي وذاك. كما في كل جدران البيت. يتراكم الغبار على امتدادها. على كثرتها وقد زحفت تحت المقاعد كالأفاعي. يلفها الكسل كما نحن. تتحول إلى أشلاء هامدة أمام أنظارنا الجامدة. أنظارنا الفاقدة بريق الغضب والثورة.

أنجدنا يا أديسون. أعدنا قروناً إلى الوراء!

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الدولار الجمركي.. قصة "اللقيط" و"الساقطة"!
منى سكرية

كاتبة وصحافية لبنانية

Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  العودة الآمنة إلى التعليم.. من اللقاح إلى السيناريو البديل