التنين النووي الصيني قادم.. القلق أميركي أم روسي؟

يعكس الإتصال الهاتفي الثاني من نوعه خلال تسعة أشهر بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ، بتوقيته ومضمونه، حالة الحذر القائمة بين البلدين من جهة وحاجة كل منهما للآخر من جهة ثانية، ولو أن واشنطن لا تفوت مناسبة لكي تُثبت أنها مسكونة بما تسميه "الخطر الصيني"، إقتصادياً ونووياً..

المخاوف الأميركية من بكين عديدة، إلا أن تعاظم قدرات الصين النووية يقلق الأميركيين كثيراً وهم يحاولون تخويف الروس منها أيضاً. قائد القوات الجوية الأميركية، الجنرال توماس بوسيير، المشرف على الترسانة النووية لبلاده، يقول إن التطور السريع للصين يتخطى هدفها في تأمين حد أدنى من الردع النووي، محذراً من أن التهديد النووي الصيني سيتجاوز التهديد النووي الروسي في الأعوام القادمة.

بدوره، يحذّر قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، الأدميرال فيليب ديفيدسون، من أن المخزون النووي الصيني إذا تضاعف أربع مرات خلال العقد المقبل، يمكن أن يؤدي إلى تجاوز الترسانة النووية الأميركية. ويقول إنه «قلق من أن الصين تسرع طموحاتها لتحل محل الولايات المتحدة في النظام الدولي القائم على القواعد بحلول عام 2050».

تحذيرات العسكر رافقها إبداء “مخاوف” دبلوماسية أيضا عبر عنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في اجتماع افتراضي للمنتدى الإقليمي لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في آب/أغسطس الماضي، حيث عبر عن قلقه البالغ إزاء تنامي السريع الترسانة النووية الصينية، موضحاً أن «ذلك يظهر انحراف بكين الحاد عن استراتيجيتها النووية القائمة منذ عقود على سياسة الحد الأدنى من الردع». كما كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، في تموز/يوليو الماضي، أن الصين بدأت ببناء أكثر من 100 صومعة صواريخ جديدة في منطقة صحراوية في الجزء الغربي من البلاد.

إيفاشوف: كلما زادت مواءمة إمكانات الصواريخ النووية، سواء في المدى أم في القوة أم في عدد الرؤوس الحربية، قلّ احتمال اندلاع حرب نووية. لذلك، لا داعي للخوف من أن تلحق الصين بالركب بل وتتفوق على روسيا والولايات المتحدة

الصين ترفض التقييد

ومع استمرار تدهور العلاقة الصينية الأميركية، ترى بكين أن الجزء الأكبر من تصرفات واشنطن ضدها، هو وسيلة لمنعها من التقدم، ينطبق ذلك على قضية الأسلحة النووية، وبحسب، هو شيجين، رئيس تحرير صحيفة “غلوبال تايمز” التي تديرها الحكومة الصينية فإن “محاولات إدخال الصين في المعاهدات وآليات الحوار كانت وسيلة لتقييد تطوير ترسانة الصين النووية”. هو شيجين، وبرغم نفيه إنخراط بلاده في أي خطط بخلاف خططها لتأمين الحد الأدنى من الردع النووي، إلا أنه دعا الحكومة إلى مواصلة تطوير ترسانة البلاد النووية، داعيا بكين إلى اتخاذ “موقف حازم” بشأن هذا الموضوع وعدم الاكتراث إلى “الحيل التي يمارسها المسؤولون والجنرالات الأميركيون”، وشدد على أن تطوير الترسانة النووية جزء أساسي من الأمن القومي الصيني.

وكان شيجين قد كتب مقالة في حزيران/ يونيو الماضي، دعا فيها الحكومة إلى الاستعداد لمواجهة صينية أميركية تتطلب زيادة سريعة في الرؤوس الحربية والصواريخ النووية، وأكد أن عدد الرؤوس الحربية النووية الصينية “يجب أن يصل إلى كمية تجعل النخبة الأميركية ترتجف إذا ما فكرت في الدخول في مواجهة عسكرية مع الصين”.

موسكو مرتاحة

لم تغب المخاوف الأميركية من الترسانة النووية الصينية عن الصحافة الروسية. صحيفة “غازيتا.رو” نشرت تقريراً بعنوان “الصين رائدة بالأسلحة النووية في 2030″، استمزجت فيه آراء خبراء حول نظرتهم لمن عليه أن يقلق من الترسانة الصينية، روسيا أم الولايات المتحدة؟

في هذا التقرير، يرى الدكتور في العلوم العسكرية، قسطنطين سيفكوف، أن الصين يمكنها اللحاق بالولايات المتحدة وروسيا في السنوات القليلة المقبلة، لأنها “تبني قدرات نووية بمعدل مرتفع للغاية”، ويقول إن “الصين تقوم ببناء إمكاناتها النووية، وقد بدأت بإنتاج 210 من صواريخ Dongfeng-41، (يعد حاليًا أقوى صاروخ باليستي عابر للقارات بوسعه حمل روؤس نووية إلى مسافة تصل إلى 15 ألف كيلومتر، ما يعني أن البر الأميركي الرئيسي في مرمى هذه الصواريخ)”. ويوضح أن “صاروخاً واحداً قادراً على حمل ما يصل إلى 10 رؤوس نووية، وبالتالي فإن هذه الصواريخ وحدها ستحمل 2110 رؤوس نووية، وهو أكثر مما يفترض أن تفعله موسكو وواشنطن بموجب “ستارت 3”. كذلك يشير سيفكوف إلى أن بكين تطوّر الغواصات النووية والصواريخ البحرية، ويوضح أن بكين بالفعل تقترب من حيث عدد الرؤوس الحربية النووية من موسكو التي تملك حوالى 3000 رأس حربي.

وفيما يؤكد أن الخطر الرئيس لمثل هذا التطور هو ظهور قوة نووية ثالثة في العالم، إلا أنه يشدد على أن التهديد الجدي لذلك سيكون للولايات المتحدة، ويشير إلى أن التهديد سببه أمران، “أولاً صواريخ الصين النووية على حدود روسيا، وهذا يعني ثقة (صينية) أعلى بموسكو، ثانياً، المنطقة الميتة لهذه الصواريخ هي 4 آلاف كيلومتر، أي لا يمكن استهداف روسيا بهذه الصواريخ الموجودة بالقرب من حدودنا”.

بدوره، يوافق رئيس “أكاديمية الدراسات الجيوسياسية” ليونيد إيفاشوف، على أن الصواريخ الصينية لن تستهدف روسيا، ويضيف “ليس لدينا ما نخشاه. نحن بحاجة إلى الحفاظ على إمكاناتنا، وبالطبع، دعوة الصين للانضمام إلى اتفاقية ستارت 3 ثلاثية على الأقل”.

إقرأ على موقع 180  في ماهيّة الاسلام: الخلافة (2)

ويبيّن إيفاشوف أن التوسع الصيني لا يشكل أي تهديد للعالم “بل على العكس من ذلك، إذ كلما زادت مواءمة إمكانات الصواريخ النووية، سواء في المدى أم في القوة أم في عدد الرؤوس الحربية، قلّ احتمال اندلاع حرب نووية. لذلك، لا داعي للخوف من أن تلحق الصين بالركب بل وتتفوق على روسيا والولايات المتحدة من حيث الإمكانات النووية”، ويكشف أن بكين ستتوصل إلى توازن في عدد الرؤوس النووية بنحو 1500 صاروخ حامل للرأس النووي، “وبعد ذلك يصبح الصينيون مستعدين للجلوس إلى طاولة المباحثات”.

إيفاشوف: “بحلول العام 2030 ستكون الصين رائدة العالم في كل شيء، بما في ذلك الأسلحة النووية، وهم يحاولون أن يصبحوا قوة عظمى كاملة تتمتع بكل الصفات الضرورية والطموحات المقابلة”

ماذا عن المخاوف الأميركية؟ 

“متلازمة مناهضة الصين” هي سبب القلق الأميركي بحسب الخبير الروسي إيفاشوف الذي يؤكد أن الصين قادرة على اللحاق بروسيا والولايات المتحدة في السنوات القليلة المقبلة، “فالصينيون لديهم فرصة. وهم الآن يبرهنون على مزاياهم الصاروخية النووية على روسيا والولايات المتحدة من حيث معدل البناء. الأمر يعتمد على إرادة وقرار القيادة الصينية”.

وبرغم نظرة إيفاشوف لإجراءات بكين، إلا أنه يُعبّر عن مخاوفه من مشكلة عدم معرفة أي جهة لعدد أو أنواع الأسلحة التي تمتلكها الصين، ويعتقد أن الأخيرة لديها أكثر من 1000 رأس نووي على الأقل.

وبحسب الخبير إيفاشوف، “بحلول العام 2030 ستكون الصين رائدة العالم في كل شيء، بما في ذلك الأسلحة النووية، وهم يحاولون أن يصبحوا قوة عظمى كاملة تتمتع بكل الصفات الضرورية والطموحات المقابلة”.

هل على روسيا أن تقلق؟

يرى الخبير البارز في مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة التابع للمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، فاسيلي كاشين، أنه ليس هناك ما يقلق موسكو بما أن البلدين يتمتعان بـ”علاقات عسكرية وثيقة”، ويشير إلى أنه يمكن للإمكانات النووية الصينية تهديد روسيا فقط “في حال أصبحت موسكو حليفة لواشنطن أو إذا تغير النظام السياسي في الصين.. عندها سيتعين علينا بالطبع التفكير بجدية شديدة في تأثير هذه الإمكانات الجديدة”، وأشار إلى أنه في حال “ركز الصينيون على احتواء روسيا فإنهم سيستثمرون أكثر في تطوير صواريخ نووية متوسطة المدى”.

وبين ما تسمى “المخاوف الأميركية”، و”الارتياح الروسي”، تمضي بكين في خطط الرئيس شي جين بينغ لتحديث الجيش الصيني وتطوير إمكانياته البشرية والتسليحية، ليكون قادرا على مواجهة “التحديات التي تواجه الصين”. الرئيس الصيني كان قد حدد أنه في حدود العام 2035 سيكون الجيش الصيني من ضمن الجيوش الأهم في العالم على أن يصبح الجيش الرائد في حدود العام 2050، وإلى ذلك الموعد ستكون واشنطن دوما في حالة توجس وقلق من “التنين الصيني”، خاصة في ظل مناخ “الحرب” الذي تضفيه الولايات المتحدة في تعاملها مع الصين، فضلاً عن غياب المعاهدات الناظمة كما هو الحال بين روسيا والولايات المتحدة (“ستارت 3”).

Print Friendly, PDF & Email
عبدالرحيم عاصي

صحافي لبناني مقيم في موسكو

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  البعدُ "الصّوفي- العِرفاني" للدّين: مستقبلُ الإسلام.. والإنسان (3)