بات النفور من شخصية بنيامين نتنياهو والعمل على إسقاطه والإنتهاء من حكمه الطويل الذي إستمر 12 سنة هو القاسم المشترك الذي وحّد الليكودي جدعون ساعر واليميني المتطرف نفثالي بينيث والوسطي اليساري يئير لابيد، الثلاثي الذي رفض مد يد العون الى نتنياهو والاشتراك معه في حكومة يجري تداول رأس السلطة فيها.
وفي ثلاث دقائق قبيل منتصف ليل الثلاثاء ـ الأربعاء الماضي، اصدر تكتل الليكود (30 صوتاً) بياناً يعلن فيه استحالة مهمة نتنياهو بتأليف حكومة جديدة، الأمر الذي يعيد المبادرة الى رئيس الدولة رؤوفين ريفلين لاجراء مشاورات مع الكتل البرلمانية والاحزاب السياسية (13) في الكنيست من أجل تسمية بديل لنتنياهو من اليسار واليمين. واذا فشل ريفلين في مهمته، يترك الامر للبرلمان لتسمية مرشح ما.
الواضح انه بعد انقضاء المدة القانونية (28 يوما) التي منحت لنتنياهو لأجل تأليف حكومة جديدة، لم يشأ ريفلين تجديد المدة له لأسبوعين، آخذاً في الاعتبار النقمة على نتنياهو والمزاج الشعبي الاسرائيلي العام الذي لا يريد بقاء زعيم الليكود في السلطة، خاصة بعد إنضمام انضم حزب “ازرق ابيض” (كاحول لافان) بزعامة بني غانتس وحزب اسرائيل بيتنا بزعامة افيغدور ليبرمان الى حملة اسقاط نتنياهو وبالتالي إيجاد بديل له.
حاول نتنياهو في ألاعيبه ومناوراته السياسية اقناع الكنيست بتغيير قواعد اللعبة عبر اصدار قانون يجعل انتخاب رئيس الوزراء مباشرة من الشعب للالتفاف على الاحزاب والشخصيات المناوئة له إلا أن الاقتراح فشل مما حتّم العودة مجدداً الى نقطة الصفر، اي إختيار بديل له.
والخارطة السياسية الاسرائيلية معقدة وملبدة نظرا للانشقاقات المتعددة الأوجه والصراعات المكشوفة بين العلماني والديني، اليمين واليسار، العرب والاسرائيليين. انما الخلاف الجوهري يدور حول نتنياهو الشخص حيث انقسم السياسيون والاحزاب والرأي العام بين مؤيد ومعارض له.
صار نتنياهو شخصية سياسية جدلية تفتقر الى الاجماع والقبول من الاغلبية العظمى من الإسرائيليين. ثلاثة احزاب يمينية دينية تمنعت من اعطاء اصواتها الى نتنياهو مما يجعله غير مقبول حتى في اوساط حزب الليكود حيث قاعدته الاساسية مؤلفة من مستوطنين ومزارعين ريفيين ومتدينين.
في الانتخابات الرابعة التي جرت في 23 اذار/مارس الماضي، وهي الرابعة في أقل من سنتين، استطاع نتنياهو تجميع 52 صوتاً من اصل 61 صوتا مطلوبا ليصبح رئيساً للوزراء، أمّن منها 30 صوتاً من تكتل الليكود والباقي من الاحزاب الدينية الصغرى، مثل حزبي شاس ويهوديت هتوراه اللذين اشترطا تخليص اسرائيل من حالة الفوضى التي تتخبط بها وعودة الدولة لتأدية مهامها بشكل سوي ومنتظم، وبالتالي رفض الحزبان منحه اصواتهما. حاول نتنياهو جاهداً استمالة نفثالي بينيث اليميني المتطرف ورئيس حزب يمينيا الذي حصل على سبعة مقاعد، الا ان بينيث رفض. وحتى لو اعطاه اصواته، لن يتمكن نتنياهو من تأليف حكومة طالما هو بحاجة الى اصوات حزب “رام” العربي (الإخوان المسلمين) بزعامة منصور عباس الذي حصل على اربعة مقاعد. وهذا الأخير وحده كان بامكانه انقاذ نتنياهو لو قبلت الاحزاب اليمينية الدينية الاسرائيلية الشراكة مع “رام” في الحكومة. ولعب نتنياهو دورا في تقسيم القوائم العربية اذ اغرى منصور عباس بالانشقاق عن الكتلة العربية الموحدة بقيادة ايمن عودة، مقابل وعود بتحسين الاوضاع المعيشية والوظائفية للبلديات التابعة لحزب “رام”.
نتنياهو الناجي السياسي المحترف يراقب موجة الغليان الانتخابي من حكومة انتقالية الى اخرى وتحالفات قصيرة ومتناقضة تبقيه في السلطة وتمنع عنه كأس المحاكمة وربما الادانة واذا حدثت مفاجآت واضطرت اسرائيل للتوجه الى انتخابات خامسة سيخوض المعركة مجددا لانه حيوان سياسي وعاشق للسلطة همه الاستمرار في الحكم
التنافس الآن او التعاون ينحصر بين بينيث ولبيد، وزير المالية السابق الذي ينتمي حزبه “نيش عنيد” الى يسار الوسط (17 صوتاً). ويسعى لبيد الى تشريعات في الكنيست تمنع نتنياهو من الترشح لرئاسة الحكومة عبر الامساك بـ”اللجنة المنظمة” لاعمال الكنيست. وتنفيذاً لرغبته في استبعاد نتنياهو، يبدي لابيد رغبة في منح نفثالي بينيث رئاسة الحكومة في الشطر الاول من المداولة على ان يترأس الحكومة لاحقا في الشطر الثاني.
الفوضى التي تعيشها الاحزاب الاسرائيلية تنبع من وجود اجندات مختلفة ومتناقضة لهذه الاحزاب، وجوهر الصراعات شخصية اكثر منها ايديولوجية وعقائدية. لابيد شخصية وسطية يسارية لا يحظى بتأييد من الاحزاب الدينية اليمينية الا انه يبدى استعداده للتضحية بمنح نفثالي بينث رئاسة الحكومة للشطر الاول نكاية بنتنياهو ولأجل الانتهاء من حكمه الطويل الذي استمر اثنتي عشرة سنة متتالية. بينيث اليميني المتطرف والمؤيد للمستوطنين يكره نتنياهو ويصفه بانه شخص لا يمكن الوثوق به.
وجود جبهة عريضة من الشخصيات المنافسة لنتنياهو ظاهرة. يجتمع خصوم من اليمين واليسار على هزيمة رئيس وزراء متهم بالكذب والمكر والانتهازية والتمسك بالسلطة وهو ملاحق قضائيا بتهم الفساد والرشوة وخيانة الامانة.. الاحزاب المؤيدة لنتنياهو طلبت تعليق محاكمته حتى يصبح خارج السلطة وتعيين مدّعي عام جديد في اواخر السنة يخلف المدّعي العام الحالي غير المتعاطف مع نتنياهو.
اذ كتب لحكومة بينيث / لابيد النجاح تتفادى اسرائيل التوجه الى انتخابات خامسة خلال سنتين. واي حكومة تؤلف ستكون غير مستقرة لاتها ستعتمد على مطالب ومزاج الاحزاب الصغرى المتفاوتة الاوزان.
اسرائيل للسنة الثانية تشكو من الشلل السياسي والمالي اذ لسنتين متتاليتين فشلت في اصدار موازنة عامة.
تطورات اسرائيل تشكل ضربة قوية لنتنياهو. قاد الرجل حملة شرسة لاعادة انتخابه معتمدا على التلقيح الواسع لاغلبية المواطنين من جائحة كوفيدـ19 والتطبيع مع الدول العربية الاربع (الإمارات، البحرين، المغرب والسودان). سمح للاقتصاد والاسواق ودور الثقافة والترفيه ان تفتح ابوابها في وقت التصويت لجذب المقترعين وحثهم على التوجه الى صناديق الاقتراع.
برغم خسارته، يتردد المحللون الاسرائيليون في اعلان نهايته السياسية لانه لاعب سياسي متمرس يتقن متعة “الاستمرارية السياسية” حتى لو كان لفترة انتقالية رئيسا لتصريف الاعمال. في 2019 فشل في تأليف حكومة، وفي المقابل، فشل منافسوه أيضاً في جمع تألف ضده وبقي رئيسا بالتكليف. في نيسان/ أبريل 2020 الّف حكومة وحدة وطنية مع بني غانش عاشت سبعة شهور ونكث بوعوده لغانش وحرمه من ان يصبح رئيساً للوزراء.
نتنياهو الناجي السياسي المحترف يراقب موجة الغليان الانتخابي من حكومة انتقالية الى اخرى وتحالفات قصيرة ومتناقضة تبقيه في السلطة وتمنع عنه كأس المحاكمة وربما الادانة واذا حدثت مفاجآت واضطرت اسرائيل للتوجه الى انتخابات خامسة سيخوض المعركة مجددا لانه حيوان سياسي وعاشق للسلطة همه الاستمرار في الحكم.
اسرائيل تعبت من نتنياهو. فهل يستريح ويريح بوجود هذا التجمع والخليط من الاعداء والخصوم الكثر، الذين ينشدون التغيير وازاحته!