أولاً؛ حول ظروف وقف اطلاق النار:
-حرصت الحكومة الاسرائيلية على تسريب انباء تؤكد ان وقف اطلاق النار غير مشروط وكذلك لم يرشح من الجانب المصري الوسيط وجود اي شروط لوقف النار وخصوصاً تلك المتعلقة المتعلقة بحي الشيخ جرّاح والمسجد الاقصى في القدس. وحده ممثل حركة حماس في لبنان أسامة حمدان تحدث عن تلقي حماس ضمانات من مصر بعدم تعرض المستوطنين والشرطة لسكان الشيخ جرّاح والمسجد الاقصى.
– في رسالة “أبو عبيدة” الناطق باسم كتائب القسام في حركة حماس والتي اعلن فيها الموافقة على وقف اطلاق النار، وردت العبارة الآتية:”لدينا المزيد لمواجهة الصهاينة اذا تجرؤوا على مقدساتنا”، ويمكن القول أن عبارة “مقدساتنا” قد تستبطن الإشارة الوحيدة التي تتحدث عن القدس والاقصى في كل ما صدر عن الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
– كان لافتاً للنظر ان الاعلام الاسرائيلي لم يذكر شيئاً عن استمرار مشاريع المستوطنين في القدس وتحديدا الشيخ جراح والمسجد الاقصى وتقسيماته الزمانية والمكانية التي تعمل سلطات الاحتلال على فرضها. يدفعنا ذلك الى التساؤل، هل نحن امام تفاهم غير معلن اوصل الى وقف لإطلاق النار، اي مماثل لتفاهم تموز/ يوليو ١٩٩٣ الشفهي المعلن والذي اقر بحق المقاومة، وكان مقدمة لتفاهم نيسان/ أبريل الخطي عام ١٩٩٦؟
– هل توصلت الوساطات الى انتزاع موافقة اسرائيلية شفهية غير معلنة بتلبية شروط حماس حول القدس، ام ان اسرائيل قبلت بوقف اطلاق النار بسبب الضغط الأميركي أولاً ومن أجل إجراء مراجعة شاملة لسياستها تجاه حماس ثانياً، لا سيما في ضوء الإستنتاجات التي خرج بها معلقون وخبراء كثيرون من ان حماس بعد اربعة حروب (في غزة)، تخرج في كل حرب اقوى وتُبرز قوتها الجديدة في الحرب التالية؟ ثم هل أن إسرائيل تزرع أفخاخاً او ألغاماً في طريق حماس لتفجرها بطريقة او باخرى وفي التوقيت والظرف المناسبين لها؟
ثانياً؛ حول اسرائيل:
-اهتز زمام المبادرة الذي طالما امسكت به اسرائيل في كل نزاع عسكري مع العرب وتحديدا مع حماس في الحروب الاخيرة. بدأت المقاومة الحرب بانذار شفهي من قائد كتائب القسام محمد ضيف ارفقه برشقة صواريخ على عسقلان ورشقة اخرى على القدس في اليوم التالي مظهراً جدية غير مألوفة والأهم أنه يمسك بزمام المبادرة وبقرار الصلية أو الطلقة الأولى.
-بقيت اسرائيل بضعة ايام في وضعية المتلقي وكانت تقوم بردات فعل على فعل المقاومة في غزة. ثم حددت في اليوم السادس هدف الحرب وهو ضرب شبكة انفاق حماس او كما قال نتنياهو في اليوم التاسع مدينة تحت الارض او المترو.
-ثمة فشل إستخباري إسرائيلي بدليل فشل بنك الأهداف من جهة وعدم القدرة على التخمين المسبق لما تملك المقاومة من قدرات عسكرية من جهة ثانية. وكما لاحظنا أنه في اليوم الرابع، رصدت الاجهزة الاسرائيلية خليتين لحماس والجهاد الاسلامي وقالت إنها قضت عليهما. لم يمر وقت حتى كشفت اجهزة امن المقاومة المتورطين في تسريب المعلومات واوقفتهم، الأمر الذي تسبب في خسارة اسرائيل رصيداً استخبارياً مهماً كانت تحتاجه في باقي ايام الحرب. لذلك، لاحظنا عجز إسرائيل عن تسجيل إنجاز عسكري إستناداً إلى معلومات استخبارية دقيقة في الأيام اللاحقة.
-هناك شبه اجماع في اسرائيل عن تخوف القيادة العسكرية من اي هجوم بري يستهدف قطاع غزة، وذلك برغم ان رئيس الاركان الإسرائيلي أفيف كوخافي قال قبل ايام من إندلاع الحرب واثناء التحضير للمناورة الكبرى، إن اي معركة لا تنتهي بهجوم بري ناجح لن تحقق شيئاً.
-استطاعت المقاومة خرق القبة الحديدية بفرض توازن غير متماثل اي باطلاق عدد كبير من الصواريخ بحيث تعترض القبة الحديدية ٩٠٪ بالحد الأقصى، فيما تسقط بضعة صواريخ في تل ابيب الكبرى فتغلق مطار بن غوريون وتفرض نزول الملايين الى الملاجئ وتعطل دورة الحياة فيها وفي غيرها من البدات والمدن الإسرائيلية.
ثالثاً؛ حول المقاومة في غزة:
-المحافظة على منظومة القيادة والتحكم والسيطرة طيلة ايام الحرب وحتى ساعة وقف اطلاق النار ومن مظاهرها اعلان الناطق باسم حماس “ابو عبيدة” عن هدنة ساعتين امتنعت فيها المقاومة من اطلاق الصواريخ بالاضافة الى توزيع الصواريخ على اهداف محددة مسبقاً.
-النجاح في التمويه والتخفي وحجب قدرات المقاومة التسليحية والصاروخية وقدراتها البشرية عن انظار العدو وعملائه ووسائله التقنية من طائرات الاستطلاع الى الاقمار الاصطناعية من دون ان ننسى القدرات الاستخبارية البشرية في قطاع غزة.
-ترهيب العدو من اي هجوم بري محتمل اذ تحولت فكرة الهجوم البري (وهو لا بد منه لحسم المعركة) الى فزاعة للمستويين السياسي والعسكري في اسرائيل.
– استمرار اطلاق الصواريخ الى حين حلول موعد وقف اطلاق النار من فوهات مختلفة على سطح الارض والتي يكشفها الاسرائيليون بعد انطلاق رشقة الصواريخ ثم تنتقل المقاومة الى فوهة اخرى علما ان جميع الصواريخ ومزاحف الاطلاق موجودة تحت الارض.
– واجهت المقاومة صعوبة كبيرة في المناورة على الجبهة الداخلية بسبب القصف الاسرائيلي العنيف والمستمر والمراقبة الاسرائيلية الدائمة للقطاع. وهكذا تعذر عليها نقل قوات من مكان الى آخر او القيام باعمال انقاذ عسكرية فوق الارض، علما ان الانتقالات تحت الارض لا توفر المرونة اللازمة.
رابعاً؛ توقعات المرحلة المقبلة:
1ـ على الجانب الاسرائيلي:
– تعزيز القدرات الاستخبارية البشرية في القطاع ومحاولة رصد ما يجري بدقة وعناية.
– تكثيف المراقبة التكتيكية اللازمة على حدود القطاع وخصوصا متابعة انتشار قوات حماس وقوات الشرطة الفلسطينية.
– استخدام قذائف خارقة للتحصينات اقوى من المتوافر لديها لانه على ما يبدو من نتائج الجولة ان المترو (شبكة الانفاق) لم يتعرض للخرق برغم تنفيذ مئات الغارات دفعة واحدة على اهداف تعتقد القيادة الاسرائيلية انها عصب قيادة حماس وبرغم شدة القصف استمر اطلاق الصواريخ من تحت الارض!
– السعي الى زرع بذور الخلافات بين الفصائل المختلفة وصولا الى دفعها لاشهار العداء في ما بينها. ما زالت اسرائيل تحن الى زمن الاشتباكات والتناحر على السلطة بين مختلف الفصائل في غزة.
2ـ على الجانب الفلسطيني:
استعداداً لاي نزاع قد ينشب في المستقبل القريب لا بد من الاتي:
أولاً؛ الاسراع في تعويض النقص في الصواريخ والعتاد الحربي بشكل عام وتطوير الصواريخ بالحصول على رؤوس حربية اكبر وتتمتع بقدرة تدميرية اكثر من المتوافر ة حاليا والسعي للحصول على اجهزة توجيه دقيقة للصواريخ بالاضافة الى اجهزة مضادة للتشويش لم تظهر على الصواريخ التي استخدمت في النزاع الاخير.
ثانياً؛ اذا كانت المقاومة نجحت في توحيد التنظيمات في غرفة عمليات مشتركة واحدة اثبتت فاعليتها فانها مدعوة الى تثبيت هذه الوحدة العسكرية وخلق اطار سياسي يضم جميع الفصائل الفلسطينية في القطاع.
الأهم من ذلك كله أن فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر تجاوزت التقسيمات الإسرائيلية التي حولت كل فلسطيني إلى قضية قائمة بذاتها.