لا تخافوا، لبنانُ باقٍ لكن لكل ملةٍ.. لبنانها!
BEIRUT, LEABANON - NOVEMBER 22: President of Lebanon, Michel Aoun (2nd R), new Prime Minister of Lebanon Saad Hariri (L) caretaker Prime Minister of Lebanon Tammam Salam (R) and Speaker of the parliament of Lebanon, Nabih Berri (2nd L) attend the 73rd Lebanese Independence Day ceremonies, commemorating the liberation from the French Mandate on 22 November 1943, in Beirut, Lebanon on November 22, 2016. (Photo by Houssam Shbaro/Anadolu Agency/Getty Images)

علينا أن نختار، إما نكون بشراً أو نعاجاً. لا مفاجأة أبداً. الأكثريات الأقلوية إختارت. تُقاد وتنقاد بحماسة. لا تشعر بمذلة. تُباهي بإمحائها. رقبتها في مستوى النعال، "قُدنا أيها القائد". لبنان حظيرة سياسية لنعاج، دينهم الأوحد، طاعة أولياء السياسة. وهذا ليس جديداً أبداً. قيل، الناس على دين ملوكها، حتى لو كانوا أبالسة السياسة وشياطين المذاهب.

هذه حصتنا في التاريخ. علينا أن نمارس فقه الطاعة وإلا.

وعليه، لا بد من الكف عن المطالبة بحلول. أقصى الطموح اليوم، أن يعقدوا صفقة. أولها: “عفا الله عما مضى”، وآخرها: “تعالوا إلى نهب سواء”. لسنا وحدنا كذلك. التاريخ حافل بما يشبهنا اليوم وبما كناه بالأمس القريب والأمس السحيق.

لم تكتشف البشرية بعد، ومنذ أجيال، حلولاً معقولة لمسألة الأقليات. مشكلة مزمنة ومستدامة. نحن ورثتها. منذ البدء، كان الاجتماع الإنساني يتأسس حول سلالة أو قبيلة أو لغة أو أرومة أو دين أو طائفة أو مذهب أو عقيدة أو قادة. لا يستثنى أحد من هذا المشهد. الإنسان يستحيل عليه أن يكون وحيداً. هو إجتماعي حتماً ودائماً. هو ليس بصيغة الفرد. هذا مستحيل ولا معقول. إنه بصيغة الإنتماء إلى “جماعة ما”. لا وجود خارج هذا الإجتماع إلا للطُفّار والصعاليك، ومعظمهم من الشعراء. وهؤلاء يُبدعون جداً، ولا خوف عليهم، فهم في كل وادٍ يهيمون.

عرفت البشرية أنماطاً مختلفة من الدول وأنظمة الحكم. وإنما هناك أكثرية وأقليات، أو أقليات من دون أكثرية. الإمبراطوريات ضمت خليطاً من شعوب وثقافات وديانات ومذاهب وأعراق و… ولم تجد حلًّا للنزاعات. في تاريخنا، نماذج عن صراع الأقليات في ما بينها. أو عن تسلط الأكثريات على الأقليات. لا شواذ على القاعدة أبداً. الحروب الدينية تعبير وجودي. لم تنجح الديانات التي تُعلي من شأن الإنسان وتُقرّبه من الله، من ذبح وقتل وتشريد وتنكيل من يخالفها الرأي والإجتهاد والموقف.

لبنان، ليس وحده ينتمي إلى سلالة التجمعات الأقلوية المزمنة. قبله، حشود فائقة التعداد. المسيحية لم تكن إيماناً وحسب. كانت إيماناً تشتت اجتهاداً وأنجب جماعات نُسميها، إما أقليات أو أكثريات. وهذه لم تكن مسالمة أبداً. حروبها تصل إلى درجة اللا معقول. لم نعرف، إلا في المسيحية، حرب المائة عام، في أوروبا أو في معظمها، بين الكاثوليك والبروتستانت، وبين الكاثوليك والأرثوذكس. لا تسألوا عن أعداد القتلى. لا تتخيلوا أنماط التعذيب والحرق والفسخ والدفن حياً. مرعب جداً هذا المسلسل الذي دام قروناً. ولا يظنن أحد أن هذه انطفأت. فمن أدوات وأسباب وحجج الحرب الكونية، معالجة “مسألة الأقليات” في دول البلقان، بولونيا، صربيا، أطراف روسيا و… في السلطنة العثمانية، حيث كان التمييز الديني والمذهبي والأقوامي على حافة المقصلة. كم مريع الحل الذي ابتدعته السلطنة العثمانية بحق الأرمن. ثم بحق الأكراد، ثم لا ثم أوروبا الكاذبة، حملت لواء “إنصاف الأقليات”، ولما فازت بالحرب، نكّلت وقسّمت واستتبعت الأقليات. الأقليات مادة مجزية في تقديم الأسباب للمعارك. عندما تقول أقليات، إستعد دائماً للأسوأ. لا مجتمع سليماً إلا إذا اقتلعت المواطنة الولاءات القبلية الموروثة والمحروسة.

تلك الأحداث التأسيسية، لا تزال حية ترزق حتى اللحظة، والخلاف السني الشيعي، يشطر الخريطة العربية من المحيط إلى الخليج، وسيظل حيًّا يرزق، ويقتتل الناس في ما بينهم، ليس من أجل أهداف أبداً. بل التحاقاً بالأصل الديني والمذهبي. ولبنان ينال من ذلك التاريخ سجلاً حافلاً من التوجس والتخلف

في تاريخنا العربي، مدرسة في تلقين الأقليات أمثولة الخوف، والسترة، والاستتباع، وإلا…

بعد وفاة الرسول، وقبل أن يُدفن، اندلعت معركة “الأقليات” في سقيفة بني ساعدة. أهل المدينة ضد الآخرين. والآخرون ضد علي إلى آخره. والمؤسف، أن تلك الأحداث التأسيسية، لا تزال حية ترزق حتى اللحظة، والخلاف السني الشيعي، يشطر الخريطة العربية من المحيط إلى الخليج، وسيظل حيًّا يرزق، ويقتتل الناس في ما بينهم، ليس من أجل أهداف أبداً. بل التحاقاً بالأصل الديني والمذهبي. ولبنان ينال من ذلك التاريخ سجلاً حافلاً من التوجس والتخوف والتخلف.

فرنسا حقوق الإنسان. فرنسا الحرية والأخاء والمساواة، كانت أرذل سياسة خارجية. كذلك بريطانيا التي غذّت في مستعمراتها الواسعة كل خلاف بين الأقليات. كذلك فعلت روسيا القيصرية. أما الأفظع، فهو الهولوكوست. لم يعانِ اليهود، كأقلية، في العالم العربي القديم، ما عانوه في أوروبا على مدى قرون. خاتمتها كانت على يدي هتلر. وحلّها كان على حساب فلسطين. هولوكوست مستدام، منذ مائة عام. برعاية “أرقى الدول الديموقراطية وحفظة حقوق الإنسان”. لا نشتمهم ولا نظلمهم إذا أطلقنا عليهم: “يا أولاد العاهرة”، كل صبح ومساء. لقد حلوا مشكلة الأقليات اليهودية، بجريمة طرد الفلسطيني، كل فلسطيني من أرضه التي عرفته منذ آلاف الأعوام.

فرنسا “البهية والنموذج”، شاركت في الحرب الكونية، بعدما أبرمت اتفاقات ملزمة، بحصتها من الدول والجماعات التي ستعمرها، ومن ضمنها لبنان.

وهنا، مربط المأساة. لبنان الطائفي ولد في القرن الثامن عشر، ثم نما في القرن التاسع عشر، برعاية دول اصطفت أقلياتها لتكون متكأً لسياساتها. فرنسا من حصة الموارنة. السنة من حصة السلطنة. بريطانيا وجدت ضالتها بالدروز. رضع هؤلاء جميعاً حليب أمهاتهم الجديدات. لبنان ولد ليكون وطن الموارنة كأكثرية، ولا بأس أن يحتضن غصباً، أقليات. أقحم السنة فيه غصباً عنهم. كانوا مع وحدة سوريا. كانوا سنة وعرباً وبعيدين عن التحزب الماروني. السنة. لذلك لم يكونوا حزباً. ظلوا تياراً سنياً عروبياً، سورياً، إلخ. الدروز كانوا منهكين فالتزموا حدودهم كأقلية صغيرة. الشيعة لم يحسبوا لهم حساباً. كان السنة في دمشق ضد شيعة جبل عامل، باستثناء الملك فيصل.

إقرأ على موقع 180  عام 2011.. المستحيل السوري!

باختصار هذا ملف كبير جداً. آمل أن تعطيني الأيام الباقية، فرصة البحث عن مشاكل الأقليات في معظم العصور ومفاصلها السياسية. وإلى أن تحين الفرصة، نختم بما يلي:

أولاً؛ لم تجد البشرية بعد حلاً أو حلولاً لمشكلة تعايش الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية والثقافية والعنصرية إلخ. المشكلة قائمة في أعرق الديموقراطيات. فرنسا نموذجاً. إسبانيا كذلك. بريطانيا أيضاً وأيضاً. أميركا، اللهم أعطها الحكمة، لتعرف كيف تتنازل عن عنصريتها إزاء السود والمسلمين.

ثانياً؛ لبنان تم تركيب البازل الأقلوي. ليظل في حالة نزاع، لأن كل أقلية، لها انتماءات: الأول لأبناء ملتها، والثاني لحصتها في الكيان. لهذا نجد أن معظم الدول موجودة في لبنان، إلا لبنان. هو غير موجود. والدليل، ما نحن عليه الآن، أو دلونا على لبناننا جميعاً. لأن لكل ملة وأقلية لبنانها النقيض للبنان الآخرين.

ثالثاً؛ لا تطالبوا هذه الطغمة الفاشلة جداً، والمرتكبة للكبائر، بحل لمعضلة الكيان. لا حلول البتة. يكاد لبنان يموت قهراً ونحراً. وأهل الحل والربط، مشغولون بحصص الأقليات.

رابعاً؛ لبنان باقٍ. ولكن على صورة زعاماته للأقليات. ليس في لبنان شعب. حتى في “الثورة”، تبين أن “الثوار” في كل أقلية يهيمون.

خامساً؛ حبذا لو تنفع الصلوات. ولأنها لا تنفع أبداً، فلنصب عليهم اللعنات.

وعذراً من كل من تأذى من هذه الأقوال.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  جنبلاط يلتقط "اللحظة".. حزب الله أقرب من معراب!