انتخابات المناطق الفرنسية: برتران منافس رئاسي جدي لماكرون (2)
President of France's Hauts-de-France region and former Health Minister Xavier Bertrand, wearing a face mask, looks on during the signing of the "Accord Matignon-Regions" agreements, at the Matignon Hotel in Paris, on September 28, 2020. (Photo by Alain JOCARD / AFP)

ما هي نتائج وخلاصات الدورة الثانية للانتخابات المناطقية والاقليمية الفرنسية، وهل ستترك تداعيات على المشهد السياسي الفرنسي، قبيل أقل من سنة على موعد الإنتخابات الرئاسية؟

جاءت نتائج الدورة الثانية للانتخابات المناطقية والاقليمية الفرنسية التي جرت امس (الاحد) في 27 حزيران/يونيو 2021 لتؤكد بكل مفاعيلها على نتائج الدورة الأولى التي جرت قبل اسبوع.

وفي قراءة أولية للدروس التي خرجت بها هذه النتائج تبرز الخلاصات الآتية:

أولاً، ضعف الاقتراع:

نسبة الامتناع عن التصويت بقيت كبيرة جداً، إذ قاربت حوالي 66 بالمئة، ولم يتجاوب المواطنون مع نداءات الحكومة ودعوات الاحزاب للذهاب الى صناديق الاقتراع. مما يشكل دلالة على عدم اهتمام الشعب بمختلف فئاته بالاستحقاق الانتخابي المحلي من جهة، ومن جهة اخرى يعطي مؤشراً واضحاً على غياب ثقة المواطن العادي بأداء الطبقة السياسية والحزبية وخياراتها وخصوصاً طريقة إدارة الحكومة للامور العامة في البلاد.

وقد ارتفعت في الايام الاخيرة اصوات مطالبة اما بفرض الزامية الانتخاب او فرض عقوبات مالية او غيرها على كل ممتنع عن تأدية واجبه الوطني!

ثانياً، نكسة ماكرونية:

“صفعة كبيرة” تلقتها الأكثرية الحاكمة المتمثلة بحزب “الجمهورية الى الأمام” الذي اسّسه الرئيس ايمانويل ماكرون، بعدم تمكنها من الفوز برئاسة اي منطقة فرنسية اضافة الى أن ضعف الاقتراع الشعبي لصالحها وضعها في المرتبة الرابعة بين الاحزاب التقليدية. كما ان معظم الوزراء الذين خاضوا غمار هذه الانتخابات لم يحالف الحظ لوائحهم، وبالتالي فشلت مساعي ماكرون في إبعاد عدد من الشخصيات اليمينية المعتدلة عن طريق ترشحه للمرة الثانية الى الانتخابات الرئاسية في ربيع العام المقبل.

فشلت مساعي ماكرون في إبعاد عدد من الشخصيات اليمينية المعتدلة عن طريق ترشحه للمرة الثانية الى الانتخابات الرئاسية في ربيع العام المقبل

ومن شأن ذلك إضعاف فرص ماكرون الرئاسية المقبلة. ويبدو ان الأخير سيحدد في الأيام المقبلة توجهات تحركه السياسي للعشرة اشهر المقبلة الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو سيستمر في جولاته على المناطق الفرنسية في محاولة لاعطاء دينامية جديدة لخططه الاقتصادية والاجتماعية والتقرب من مختلف فئات الشعب بهدف اعادة الثقة به وتحسين شعبيته في ضوء تراجعها الكبير، كما أظهرت الدورتان الأولى والثانية للإنتخابات المناطقية.

ثالثاً، هزيمة اليمين المتطرف:

اصيب حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن بهزيمة موجعة، بتسجيله تراجعاً كبيراً في التأييد الشعبي له على الصعيد المحلي وبفشله أيضاً في ايصال اي من مرشحيه الى رئاسة مجلس منطقة او اقليم. على العكس، واجه مرشح “التجمع” في منطقة نفوذه التقليدية في “بروفانس – ألب – كوت دازور” (الجنوب الفرنسي) خسارة مدوّية أمام منافسه مرشح حزب “الجمهوريين” اليميني التقليدي المعتدل.

ومن شأن هذه النتائج إضعاف موقع لوبن في معركتها الرئاسية المقبلة خصوصاً انها كانت تعوّل على تسجيل فوز صريح على الصعيد المناطقي والاقليمي بغية استثماره على المستوى الوطني. ولم تكن تبريرات لوبن مقنعة حين اعتبرت، ومعها اركان حزبها، ان “الفشل هو للديموقراطية الفرنسية بسبب نسبة الممتنعين عن التصويت العالية”!

سارع برتران بعد اعلان فوزه التأكيد على توجهاته المستقبلية لجهة خوضه الانتخابات الرئاسية المقبلة، داعياً الى “طي الصفحة” مع رئاسة ماكرون الحالية والمضي في “طريق الامل”

رابعاً، يمين تقليدي معتدل.. صاعد:

كانت ليلة أمس الأحد لحظة “سعيدة جداً” للقوى اليمينية المعتدلة، وفي مقدمها حزب “الجمهوريون”. فقد حققت هذه القوى ورموزها في المناطق فوزاً لافتاً للإنتباه بحيث لم يكتف رؤساء مجالس المناطق بالمحافظة على مراكزهم بل عزّزوا مواقعهم وباتوا يحلمون بخوض معارك انتخابية على مستوى اعلى، اي توجيه انظارهم نحو قصر الاليزيه!

ومن ابرز هذه الشخصيات رئيس منطقة “هوت – دو- فرانس” الوزير السابق كزافيه برتران (الصورة أعلاه). فقد حاول ماكرون بكل امكاناته اسقاط برتران في حملته الانتخابية المناطقية في مسعى لتعطيل حظوظه الرئاسية، وقد طلب لهذه الغاية من خمسة من وزرائه الترشح في مواجهة برتران الا ان محاولته باءت بالفشل.

وقد سارع برتران بعد اعلان فوزه التأكيد على توجهاته المستقبلية لجهة خوضه الانتخابات الرئاسية المقبلة، داعياً الى “طي الصفحة” مع رئاسة ماكرون الحالية والمضي في “طريق الامل” الذي يرسمه وانجاح مشروعه السياسي والمجتمعي.

وبرتران ليس الوحيد الذي تراوده فكرة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة بل هناك شخصيات بارزة تنتمي الى اليمين الوسط والمعتدل نجحت ايضا في معاركها المناطقية وتمتلك طموحات رئاسية، من بينها رئيسة منطقة “ايل ـ دو- فرانس” فاليري بيكريس.

Valerie Pecresse / AFP

خامساً، الاشتراكيون باقون:

برغم التراجع الذي اصاب الحزب الاشتراكي في الاعوام الاخيرة إلا ان أركانه تمكنوا من المحافظة على قواعدهم الشعبية المؤيدة في عدد من المناطق، وبالتالي على رئاسة بعض المجالس في عدد من المناطق. كما ان هذا الحزب اليساري استطاع الفوز برئاسة ثلاث مناطق اضافية في اراضي ما وراء البحار.

إقرأ على موقع 180  علِّقوا المشانق!

واظهرت هذه المعركة الانتخابية الاخيرة ان القوى اليسارية التقليدية (الاشتراكيون والشيوعيون والخضر انصار البيئة) يعانون من مشكلة قيام تحالف متين وثابت في ما بينهم والاتفاق على برنامج سياسي مشترك ومرشح موحد لخوض معركة رئاسة الجمهورية.

المواجهة الرئاسية لم تعد محصورة بين ماكرون ولوبن وبل برزت خيارات وعناصر جديدة ستتبلور تباعاً من الآن وحتى الخريف المقبل

خلاصة:

مثلما كان متوقعاً، فتحت معركة الانتخابات المناطقية بشكل مبكر حملة الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان/ابريل 2022، كما ان المعادلات السياسية الحالية مرشحة للتطور والتغيير انطلاقا من المعطيات الجديدة التي أفرزتها الدورتان الاولى والثانية من الانتخابات المناطقية والاقليمية.

وانطلاقا من كل هذه المستجدات، باتت الأمور مفتوحة على آفاق جديدة بحيث ان المواجهة الرئاسية لم تعد محصورة بين ماكرون ولوبن وبل برزت خيارات وعناصر جديدة ستتبلور تباعاً من الآن وحتى الخريف المقبل، إذ “باتت كل السيناريوهات والاحتمالات ممكنة”، على حد قول أحد كبار المعلقين الفرنسيين.

(*) إنتخابات المناطق الفرنسية: صدمة لماكرون وخيبة للوبن (1)

Print Friendly, PDF & Email
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الترسيم البحري: إسرائيل تُهدّد الشركات.. هل يرد لبنان بالمثل؟