صلّيتُ على مدى 72 ساعة لمعجزة، لمعجزة أن تستفيق وكأن شيئاً لم يحدث، تلوت ذات الطقوس التي تلوتها على مدى ستة أشهر لطفليّ عندما أنجبتهما قبل أوانهما بكثير. تلوت سورة الفاتحة 7 مرات وآية الكرسي 7 مرات. رنّمت المزمور الـ23 من العهد القديم أيضاً 7 مرات، صلّيت على مدار الساعة لعل هذه الوصفة تفعل سحرها وتنقذك كما أنقذت طفليّ.. ولكنها لم تفعل.
الآن ماذا أفعل؟ وكل هذه الخفة التي اتسمتَ بها على مدى 15 عاما من العِشرة، تثقل قلبي؟
هذه الخفة الثقيلة الثقيلة تدسّ إصبعها في قلبي وتسحقه سحقاً؟
أنكش صورنا في الطابق الثالث في “السفير”، وأضحك، وكأننا الآن هناك، انت و”عجّور” وأنا، ولاحقاً انضم إلينا مازن.. نجرد الأخبار ونتقاسمها. أستذكر الضغط الذي كنا نعمل تحت وطأته، وخصوصاً في زمن الأزمات المملة التي تمتد على ايام (بنديكتوس والرسوم المسيئة، الأزمة المالية في أميركا، أزمة الفوكلاند.. هل تذكر كم تلاعبنا بهذا الإسم الأخير وضحكنا). أستذكر فرحتك عندما قابلت الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز في القمة العربية اللاتينية في قطر وكأنك أنت من قابله.. أتمنى لو تعود تلك الأيام، أتمنى لو تعود أنت هنا الآن.
أستذكر همساتنا في كل مرة كان يأتي فيها “الهلمالالي” إلى القسم معكّر المزاج، لتكسر ثقل هذا المناخ وتحرّرنا منه. أستذكر “خناقاتنا” هرباً من تحرير مواد بعض المراسلين، خصوصاً أولئك الذين يكتبون نصوصاً بألفي كلمة عبارة عن جملة واحدة بلا فواصل. أستذكر الملصقات التي كنت تخترعها لكل مناسبة، مستعيراً عبارة أو صورة من فيلم أو مسلسل أو مسرحية مصرية، (هل تصدّق أنني بتّ أحب اللمبي فقط لأجلك؟) أستذكر كل شيء، كل شيء، حتى الوجبات الرديئة التي كنا نتناولها سوياً. أستذكر تفاصيل وتفاصيل وأشتاق إليك.
أستذكر بوحك لي بقصة حب أتعبتك كثيراً. أستذكر تلك اللحظات التي حوّلت صداقة العمل إلى صداقة شخصية، امتدّت إلى ما بعد مغادرتي “السفير”.
استذكر عندما هاتفتك طالبة النجدة، لمساعدتي في اعداد حلقة تلفزيونية لبرنامج عن مصر (وهو بلد لطالما هربت أنا من الكتابة عنه)، يومها أرسلت لي كل الداتا التي تملكها، من معلومات وأرقام هاتفية، مهنية وشخصية. نعم، إلى هذا الحد كنت كريماً ونبيلاً.
استذكر يوم دعوتُك إلى حفل زفافي صديقاً عزيزاً، جئت حاملاً كاميرتك الشهيرة.. أردتك هناك لأنك جزء من الروح، وكانت هديتك لي ألبوم صور العرس.. اندم اليوم كثيراً لأنني لم أخبرك انني وعماد ضحكنا ملياً على صور بعينها – دون غيرها – رستقتها وهندمتها لتجعل منها صوراً فنية، واحزر ماذا guess what؟ لم تكن إحداها صوراً للعروس، بل صور فتاة لطالما أعجبتك.
كثيرة هي التفاصيل التي يتعين علي الآن أن أتعايش معها من دون أن تكون موجوداً لتخفّف من ثقلها؟
أبو الويس،
سأخبرك بسر صغير، سأشتاق اليك مديداً مديداً، ولكنني سعيدة لأنني عرفتك يوماً، وهذا عزائي الوحيد، لأنني بالفعل أشفق على كل من مررت بجانبهم.. ولم يتعرفوا عليك.