“أرشيفوس”.. إلى اللقاء

"أرشيفوس.. شو رأيك" بصوت حنون مليء بالحماسة والعاطفة والاهتمام والحيوية، هو صوت وسام متى. بعد رحيلك وسام لا زلت أنتظر سماع هذه الكلمات وما بعدها شلالات من اقتراحات غير متوقعة كما عودتنا دائماً.

وسام: “أرشيفوس”.. عم فكر اعتزل الصحافة.

أنا: خير يا ساتر وشو رح تعمل

وسام: معالج نفسي هيك بعالج حالي اول شي.. وبكفي ع الباقيين.

رحلت يا “أرشيفوس” دون أن تكون قد أنهيت هندسة العالم الجديد الذي كنت تحلم به، كما أن العالم لن يعود كما كان عليه قبل رحيلك.

أول خيوط معرفتي بوسام بدأت عام 1998 في إطار حراك سياسي ـ طلابي بعنوان “الشبيبة الوطنية الديموقراطية”، غير أن هذه الحركة “الجدّية” علقت بذهني “شود” بصوت وسام. لكل شخص في هذه الحركة وظيفته: الميداني، المنظر، السياسي، الإعلامي، أما أنا ووسام فكانت وظيفتنا محصورة بالأرشيف. كنا نستمتع بالبقاء في منزل الفنار لنقصقص جرايد وصور ونعد النشرة. كنت أشعر بصغري أمام إبداع وسام وقلبه الكبير. ومن وقت لآخر، كنا نقف على شرفة المنزل في الفنار، شاليه سويس، لننظر الى بيروت وكأنها على كف.. ونصمت، ليردد وسام بعدها “شايفة هيدا الحي؟ أيام الحرب..”، ويسرد ذكريات حرب بشعة كان طفلاً وقت إندلاعها، بينما كنت أنا بعيدة عن العاصمة.

لبنان بلد الغربة لا ثبات فيه. فرّقتنا الأيام وذهبت إلى فرنسا وبقي تواصلي مع وسام عبر الوسائل التي كانت متوفرة وقتها. اتصال تلفوني او مسنجر، ووسام كان دائماً متوفراً. لم يتخاذل يوماً عن الرد والقول “في شي أرشيفوس”.

وسام الصديق والحبيب، جمعتنا الأيام من جديد عندما اقترح علي العمل في صحيفة “السفير” التي كانت بالنسبة إليه نبض قلبه وفكره، وبعدها عندما اقترحت عليه العمل معي في وكالة الأنباء الروسية. حقيقة الأمر أنني، وفي كل فسحة مهنية عملت فيها، لم أرَ زميلاً أكثر مهنية من “أرشيفوس”.

“أرشيفوس” يربطه بروسيا عشق مميز لم أتمكن يوماً من تفسيره، مهما سألت كان الجواب “ولو يا رفيقة”. درَسَ روسيا لغة وثقافة ومجتمعاً. كل من عرفه في روسيا أحبه من أول نظرة، وعندما كان يأتي زائراً، لم تكن عدسة الكاميرا كافية له. كان يملأ ذاكرته وذهنه بصور المدينة ويرى في كل محطة فيها انعكاساً ربما لحياة سابقة عبر فيها شوارع هذا البلد. كان يلتهم موسكو بعينيه وعدسته وصداقاته (الصور الموسكوبية المرفقة بعدسة وسام).

وسام كان ضحكة الجميع، فحتى الكارثة بالنسبة إليه دعابة. كيف تمكنت يا “أرشيفوس” من اختصار الحياة بفكاهة جميلة ذكية.. ولم تقابلك الحياة بالمثل؟

أنا: وسام جدّدوا العقوبات على روسيا شو منعمل بالاميركان؟

وسام: رفيقة أول شي هلق بطلع عالبلكون ببعصهن بعدين ممكن نحكي خبير.

من الغريب أن أتكلم عنك “أرشيفوس” بلغة “كان”، هل يمكن تقبل رحيلك بهذه السهولة؟ لا.

أنت من أعطى للصداقة نكهة مختلفة ولا أستغرب أن أرى في لبنان ومصر وروسيا صورك، فأنت الأجمل والأنقى والأصدق. أنت دائماً متوفر وفي خدمة الجميع، لكن هل كنا موجودين لك كفاية؟ أخذنا منك الكثير.. فهل أعطيناك كفاية؟

لماذا يا “أرشيفوس”؟ كنت دائماً تقول “لا تعتلي هم كلو تحت السيطرة” لماذا لم تشاركنا ألمك وحزنك؟ أين السيطرة الآن؟ وين السيطرة يا حبيب القلب؟

نحن حتماُ فقدنا السيطرة حتى جئنا نقول لك وداعاً.

وداعك صعب يا وسام. برحيلك كتّفت أيادينا. ربطت ألسننا. جمّدت أرجل في مكانها. أفقدتنا السيطرة على حبنا. صرنا تائهين. شارع “الأربات” يبكيك. موسكو كلها تبكيك لأنك بجمال عينيك، بعدستك، بحبك، بشغفك، جعلتها أجمل مما كانت وأحب مما ستكون.. موسكو بشعة بدون حبك لها.. ليتنا نستطيع أن نتمتع بربع ما لديك من طاقة وفكر وإرادة.

لن أعرف أحداً بطيبتك ومهنيتك وفكرك وعفويتك. رحيلك مأساة كبيرة واستيعابها سيستغرق دهراً وحجم الألم سنحمله في القلوب إلا أن درب حلمك يا وسام لن يخلو من محبيك، وسنحاول أن نجد القوة للمثابرة في هذا الحلم وهذا الدرب لأنك دائماً ودوماً وأبداً إلى جانبنا.

 “أرشيفوس”: الآن، وفي هذا الصباح ، أقول لك وداعاً، ولكن أعرف أن ما يجب قوله هو “إلى اللقاء”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  فلسطين بين نكبتين.. كيف يفهم العرب الحدث وتداعياته؟
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  هل يُمكن بناء الدولة في لبنان.. وكيف؟