“حرب البحار” بين إيران وإسرائيل من ألفها إلى يائها!

Avatar18021/08/2021
نشر موقع "الهدهد" ترجمة بالعربية لمقالة إستقصائية كتبها الكاتب "الإسرائيلي" رونين بيرغمان في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يعرض فيها لفصول من حرب البحار أو حرب السفن "غير المتكافئة" بين إيران و"إسرائيل". وتضمنت المقالة الآتي:

“هاجمت طائرات مسيرة انتحارية وغامضة قبل نحو ثلاثة أسابيع سفينة مدنية تحت إدارة إسرائيلية. سقط قتيلان كانا أول ضحايا المعركة السرية التي تدور مُنذ عدة أشهر في عرض البحر بين طهران وتل أبيب، وهم على ما يبدو لن يكونوا آخر الضحايا.

مُلحق صحيفة “اليوم السابع” كشف يوم الجمعة الماضية كيف بدأ كل ذلك من خلال فكرة لقائد الحرس الثوري العدو اللدود قاسم سليماني، وكيف حاول الملاحون على متن السفينة العملاقة التملص من الكوماندوس الإيراني، ولماذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن غير مسرور من هذه القصة، ولماذا يتوجب على “الإسرائيليين” التعود والتدرب علي كيفية نطق الاسم “ح ا ج ي.   ز ا د هـ الشخص السيء” الجديد في الشرق الأوسط .

أربع طائرات مُسيرة عملاقة حلقت على ارتفاعات تصل إلى عدة آلاف الأمتار فوق المياه العميقة بخليج عُمان ليس بعيداً عن ”القمة” التي تُشرف عليها مسقط عاصمة عُمان. كان ذلك في ساعات الليل المتأخر، وعلى ارتفاع كبير كهذا من المُستحيل أن يسمع أي شخص أزيز مُحركات هذه الطائرات، وفي حال مرت في المكان طائرات أخرى ولاحظت تلك المُسيرات الإيرانية كانت ستُرسل بلاغاً بوجود أجسام غريبة (فضائية) بالمكان .

في هذه الأثناء، وفي مقر القيادة  العُليا للقوات الجوية في طهران، كان ضباط الحرس الثوري الإيراني الذين يجلسون قبالة الشاشات العملاقة يعلمون جيداً أن الأشكال المُثلثة التي تُحلق في الجو هي ليست أجساماً غريبة غير معروفة بل هذه هي ”شهد 136″، الطائرة المسيرة الجديدة التابعة للحرس الثوري الإيراني ويوجد لها هدف واحد وهو الإنتحار.

على الشاشات التي تلتقط ما ترسله كاميرات الطائرات المسيرة بدأت تظهر اضواء السفن الخافتة عن بعد وبدأت الطائرات الانتحارية بخفض تحليقها ببطء شديد متجهة نحو السفن. هذه الليلة ستكتب الطائرات المسيرة فصلاً جديداً في الحرب السرية بين إيران و”إسرائيل”.

قبل ذلك بحوالي عشرة أيام، أي في 21 تموز/يوليو، أمر القبطان الروماني لسفينة “ميرسر ستريت” برفع المرساة ومغادرة الميناء العملاق بدار السلام بتنزانيا. سفينة “ميرسر ستريت” عبارة عن ناقلة نفط جديدة نسبياً تم ”تدشينها” وكسر زجاجة الشمبانيا على مقدمتها في اليابان عام 2013 ويمكنها حمل ما يقرب من 50 ألف طن وهذه المرة كانت وجهتها ميناء الفجيرة بالإمارات العربية المتحدة وهناك كان من المنتظر أن تحمل النفط. “ميرسر” كان من المفترض أن ترسو بالميناء يوم الأحد من ذاك الأسبوع عند الساعة الواحدة ظهراً ولكنها لن تصل إلى هناك.

الشركة المالكة لسفينة “ميرسر” هي مجموعة سفن يابانية لا علاقة لها بـ”إسرائيل”، ولكن قبل عدة سنوات تم تأجير السفينة لـ “زودياك مارتيم” وهي الشركة التي تشغل أسطول أيال عوفر، أحد أبناء سامي عوفر الذي توفي أخوه عيدان ويشغّل أسطولاً كبيراً منفصلاً عن العائلة، وذلك لأن الأخوة  عوفر ورجال أعمال أخرين ـ مثل رامي أونجر واودي أنجل – هم أباطرة ومحتكرو السفن العالمية. في الغالب من الواجب والأفضل العمل على إخفاء العلاقة “الإسرائيلية” بتلك السفن “بسبب الخشية من المقاطعة العربية” بحسب مصدر مرموق متمرس بهذا الجانب. خلقت العديد من الشركات العالمية عالماً كاملاً من الملكية المتدرجة بخصوص الشركات المسجلة بالعديد من الأماكن في العالم، وذلك حتى لا يخاطر من يريد أن يستفيد من خدماتها ويتعرض لأضرار اقتصادية وحتى يتمكنوا من العمل بشكل حر. الجميع يعرف بالضبط من هو المالك الحقيقي ومن يجلس على رأس هرم الشركة حيث يدور الحديث عن “إسرائيليين”، ولكن من يفرضون المقاطعة (العربية) لا يعرفون، أو على الأقل غضوا الطرف عن ذلك.

كل من يعمل في مجال السفن في العالم، يتضح له أن حرباً بحرية سرية إندلعت بين إيران و”إسرائيل”. أيضاً في “زودياك” الشركة التي يملكها أيال عوفر، عرفوا  ذلك جيداً، ففي شهر حزيران/يونيو الماضي، هُوجمت سفينة يملكونها من قبل وحدات كوماندوس إيرانية، وبالفعل أعد الضباط الإيرانيون عملية هجومية دقيقة ولكنهم نسوا أمراً صغيراً جداً أن يبحثوا في غوغل عن ملكية السفينة واسمها، قبل مهاجمتها بوقت قصير، حيث تم بيع السفينة إلى شركة لا توجد لها علاقات مع “إسرائيل”.

في ذلك الحين، هاجم الإيرانيون هدفاً غير ذي صلة لكن الرسالة وصلت وبدأت السفن “الإسرائيلية” بأخذ الحيطة والحذر، وتلقى كابتن سفينة “ميرسر” أمراً على ضوء الوضع القائم بإطفاء أجهزة الـ AIS، المنظومة الموجودة في كل سفينة مدنية في العالم، وذلك في إطار استنتاجات أحداث 11 أيلول/سبتمبر، حيث أن الأجهزة ترسل اشارات بشكل مفتوح ومكشوف لتحدد بيانات ومكان السفينة من خلال نظام (GPS) وذلك في حال لا سمح الله وقعت ضائقة في أي قطعة بحرية في المحيط يمكن مساعدتها، ولكن الخشية في أن يقوم مهاجمون إيرانيون باستخدام تلك المنظومة من أجل الكشف عن مكان سفينة “ميرسر”، أدى إلى إطفائها.

على مدار عدة أيام من الابحار، سارت ناقلات النفط العملاقة بشكل عام من دون مشاكل تذكر. في ليل الخميس والجمعة (29 و30 تموز/ يوليو 2021)، اقتربت الناقلة من مضيق هرمز، عند مدخل الخليج العربي تحديداً، ولم يكن على ظهر السفينة “بحار إسرائيلي” واحد ولكن هذا لم يُحدث فارقاً لدى مشغلي الطائرات المسيرة” الانتحارية” الأربع التي كانت تحلق فوقها فقاموا بتوجيه اثنتين منها للبدء في مهاجمة السفينة.

الطائرة المسيرة من نوع ” شهد 136” لها شكل جناح يشبه طائرة دلتا ويصل مدى طيرانها إلى ما يقرب من 2.000 إلى 2.200 كيلومتر ويمكنها حمل ما يقرب من 20 كيلوغراماً من المواد المتفجرة، ومشغلها يمكنه تشغيلها بمحاذاة الهدف بالضبط، وهذه الطائرة المسيرة تمت مشاهدتها بأحد المعارض في طهران قبل عدة سنوات، وفي عام 2020 تمت مشاهدتها في مناورة عسكرية إيرانية، حيث كانت تهاجم أهدافا علي الأرض، وقال خبير الطائرات والصواريخ تال عنبر الذي عمل لسنوات عديدة في مجال البحث وأنظمة الطائرات والسلاح الإيراني، إن الطائرة توجّه بنظام الأقمار الصناعية بالإضافة إلى نظام ذاتي داخلي، كما أن ”شهد 136″ إستخدمت من قبل الحوثيين في اليمن.

في المرتين السابقتين عندما هاجمت الطائرات الانتحارية التابعة للحرس الثوري “سفناً إسرائيلية” بحثت عن مناطق على متن السفينتين لا يوجد فيهما أشخاص. كانت الفكرة هي الحفاظ على مستوى منخفض للمواجهة: إصابة مُباشرة ولكن دون أي أضرار بالأرواح، لكن هذه المرة انتهت القصة بشكل مُختلف.

في حوالي الساعة 4:00 صباحاً، توجهت الطائرتان نحو ممر السفينة القريب من سكن طاقم السفينة، الإصابة كانت تحت جسر قيادة السفينة “ميرسر”، أي بالضبط في المكان الذي توجد به قُمرة الكابتن. اندلعت النار في المكان. الطائرتان الأخريان نقلتا صور الرعب على الهواء مباشرة إلى غرفة عمليات الحرس الثوري، هناك بالطبع عبروا عن سرورهم الكبير. توجد لدينا وسيلة تكنولوجية نسبياً تعتبر رخيصة وبسيطة وسهلة التشغيل وتصل إلى آلاف الكيلومترات من حدود إيران (…).

أيضاً مُحاولة السفينة “ميرسر” الاختفاء بواسطة غلق نظام بث الموقع لم تنجح. احتفل الإيرانيون بذلك من خلال مواقع التليجرام يوم الأحد الذي تلا الإغارة “هذه المرة كان التخطيط والتنفيذ معقداً جداً، ويعتمد على التقنيات التكنولوجية العالية كما تم التخطيط له منذ زمن طويل حيث أن المخططين كشفوا السفينة “الإسرائيلية” وتعقبوها على الرغم من غلق نظام (GPS) . شركة “زودياك” رفضت التعقيب على تلك الأقوال.

من غير الواضح هل استمرت حالة السعادة بين الإيرانيين حينما أتضح لهم وجود جثتين بين الأنقاض، وإحدى تلك الجثث تعود إلى القبطان الروماني، والثانية لأحد حراس الأمن البريطانيين، ووفق مصدر استخباري فإن الإيرانيين بالفعل كانوا يبحثون عن الدماء وكانوا يرغبون بالانتقام لموت سيد أحمد قرشي الضابط الكبير بالحرس الثوري الإيراني الذي قتل في ما يبدو خلال هجمة منسوبة إلى “سلاح الجو الإسرائيلي” على مطار الضبعة العسكري السوري (…).

في ظل الإدانات الدبلوماسية شديدة اللهجة للهجوم على السفينة “ميرسير” خصوصاً من لندن وواشنطن، نشرت إيران بياناً رسمياً تنفي فيه تورطها. الجهود الدبلوماسية ضد إيران يقودها وزير الخارجية يائير لبيد مع الرئيس الجديد للموساد دافيد برنيع الذي يعمل في هذه الآونة على البحث عن ضلوع إيران بالعملية بالتعاون مع أجهزة المخابرات الأمريكية، وأوروبا الغربية ورومانيا، بالتوازي مع النشاط الدبلوماسي، لا تستبعد “إسرائيل” من جانبها قيامها بالرد العسكري (…). هدف هذا الرد ليس الانتقام حيث يوضح مصدر إستخباراتي كبير أن الهدف “هو التأكد أن الإيرانيين لن ينجحوا في مهمتهم المركزية – صياغة جديدة لقواعد اللعبة” (…).

وما هي القواعد الجديدة؟

السؤال الذي لم يطرحه عدد غير قليل من كبار رجالات الأمن والاستخبارات على أنفسهم خلال الأشهر الماضية هو سؤال واحد: كيف وجدت “إسرائيل” نفسها في هذه الحرب؟

من بين الأشخاص الذين تحدثت معهم هناك عدد غير قليل ممن اقتنعوا أن “إسرائيل” بذاتها منحت الإيرانيين الهدية النهائية: طريق جديدة لضرب ذاتها.

كيف نشأت الجبهة البحرية الجديدة مع إيران؟

يقول الدكتور إيهود عيران من مؤسسي مركز دراسات السياسة والاستراتيجية البحرية بجامعة حيفا “بشكل عام ينظر إلى “الذراع البحري الإسرائيلي” على أنه ذراع ثانوي مقارنة بالذراع البري والجوي، فخلال العقود الماضية كانت قيادة سلاح البحرية موجودة في حيفا وليس في مقر وزارة الدفاع  بتل أبيب “هكريا”، في حين أنه بالعديد من الدول يعتبر المجال البحري على مدى التاريخ مصدراً للتهديد حيث أنه في “إسرائيل” باستثناء فترات قصيرة جداً لم يكن هناك تهديد حقيقي من جهة البحر، ” التحديات الأمنية بالمجال البحري مثل غلق مضائق تيران عام 1956 وبعد ذلك عام 1967 حازت على رد قتالي ودار أغلبه بالمجال الجوي والبري.

في مقابل ذلك يوجد لإيران قدر كبير من الخبرات بالمجال البحري، حيث بدأت إيران خلال حرب إيران ـ العراق عام 1980 بمهاجمة ناقلات النفط التابعة لدول الخليج التي تدعم العراق، وخصوصا الكويت. ووفق أقوال الدكتور عيران، الولايات المتحدة في ذلك الوقت قامت بعمل غير مسبوق: وضعت علمها على ناقلات النفط (الخليجية)، وأعلنت بأنها سفن أمريكية، وأن أي ضرر يلحق بها هو إلحاق ضرر بالسفن الأمريكية. الأمريكيون من جانبهم أرسلوا عشرات القطع البحرية وقوات جوية وقوات خاصة من أجل حماية ناقلات النفط “.

هذا الاجراء ساعد في ردع الإيرانيين بالمجال البحري لعدة سنوات حتى قدوم دونالد ترامب.

في شهر نيسان/أبريل 2019، فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ـ مع ضغوط ليست بالبسيطة من قبل “إسرائيل” ـ عقوبات شديدة على إيران سببت لها في مكان ما على يبدو الألم الشديد ألا وهو إستحالة تصدير نفطها.

تل أبيب وواشنطن كانتا تأملان أن يغير هذا القرار شيئاً ما لدى الإيرانيين، ولكن هذا لم يحدث. وبحسب مصدر استخباراتي إسرائيلي ”في ذلك الوقت، أوصى قاسم سليماني الزعيم الروحي خامنئي: إذا لم تستطع إيران أن تصدر نفطها لن يستطيع أي بلد في الخليج العربي تصدير نفطه”.

بعد وقت قصير، اتضح بأن التحذير كان جاداً حيث وصل فريق غيراني صغير من وحدات الكوماندوس في ساعات الليل الحالكة ووضعوا ألغاماً صغيرة على ناقلات النفط. تم التخطيط بأن لا تقود التفجيرات إلى وقوع أضرار بالأرواح ولكن يكون لها صدى، ووقوع تلوث بيئي بالإضافة إلى غرق الناقلة.

في المقابل، وجهت إيران جهودها للعمل في المشروع الثاني عدا المشروع النووي، ألا وهو وضع  قدم لها في سوريا. عدة كيلومترات من الحدود مع “إسرائيل” هذا المشروع تمت إدارته من قبل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني تحت قيادة قاسم سليماني.

بالطبع حاولت “إسرائيل” أن تمنع جعل حدودها مع سوريا كحدود مع إيران. مئات الغارات قام بها “سلاح الجو الإسرائيلي”. العديد من العمليات التي كان يقوم بها الموساد وتلك المنسوبة له، كانت تهدف إلى منع التواجد الإيراني في سوريا ومنع إيران وحزب الله من بناء مركز قوة عسكري فعال لهما في سوريا، وفي المقابل إفشال مشروع حزب الله القاضي بالعمل على تحسين مشروع الصواريخ الدقيقة.

سليماني الذي كان يرغب في التملص من “القصف الإسرائيلي” حاول فعل كل شيء، في عام 2018-2019 قام بنقل جزء من قواعده إلى عمق الشمال السوري واستلم العتاد عن طريق مطارات حماة و T4 في حمص، و”إسرائيل” هاجمت هناك.

الخطوة التالية كانت محاولة عبور المسار البري، بدأ سليماني بنقل وسائل قتالية من خلال المركبات من إيران وصولا إلى العراق للمعسكر التابع للحرس الثوري إلى الشمال من بغداد، هناك يتم استبدال المركبات والسائقين من أجل التملص من عيون المخابرات “الإسرائيلية”.. ومن هناك تستمر إلى شمال سوريا.

هذا أيضاً لم ينجح. للمرة الأولى منذ قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981 هاجمت في 19 تموز/يوليو 2019 طائرات إسرائيلية معسكرا للإيرانيين الأمر الذي أدى إلى تدميره والفتك بشحنة صواريخ دقيقة.

حاول سليماني الرد من خلال مهاجمة قواعد للجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان بواسطة طائرات انتحارية ولكنه تلقى ردا “إسرائيلياً” حيث تم قصف المكان بواسطة “سلاح الجو الإسرائيلي” وتم احباط المخطط الإيراني. في ضوء معلومات إستخبارية دقيقة جداً هاجمت “طائرات مسيرة إسرائيلية” بأربع مراوح” مركبة في قلب الضاحية الجنوبية كان يوجد بداخلها خلاط هو عنصر تكنولوجي مهم لإنتاج وقود الصواريخ (الدقيقة).

 سليماني شعر بأنه مكشوف

الطريق الذي بقي أمامه هو البحر. في ذلك الحين، إبتكر قاسم سليماني حلاً خلاقاً. من جهة، هناك مقاطعة نفطية لإيران من قبل الولايات المتحدة ومن الصعب عليها بيع ملايين البراميل التي تنتجها ومن جهة أخرى، سوريا بحاجة ماسة إلى النفط. إيران ستعطي النفط لسوريا، وتدفع سوريا بالسلاح وبالخدمات المقدمة لفيلق القدس ولحزب الله، وهكذا ولدت صفقة “أعطني نفطاً تحصل على السلاح”.

إقرأ على موقع 180  قرار "الجنائية الدولية" بالتحقيق في جرائم إسرائيل.. خطوة كبيرة ولكن

في السياق ذاته، ينبغي التوقف عند آخر جلسة للحكومة الإيرانية برئاسة الرئيس حسن روحاني قبيل تسلم الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي منصبه، في هذه الجلسة أكد نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري أن إيران شغّلت أسطولاً سرياً من الناقلات من أجل تجاوز العقوبات، لم يسألنا أحد كيف نجحتم في بيع النفط، قال جهانغيري بفخر: ”ترامب حاول وقف كل شيء والإهتمام بأن لا نبيع برميل نفط واحد”.

لكن حينما بدأت ناقلات النفط السرية الإيرانية بالإبحار نحو سوريا كشفت الاستخبارات الإسرائيلية البرنامج الإيراني ومخطط سليماني، فقررت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدمير هذا المخطط أيضاً.

“سلاح البحرية الإسرائيلي” لم ينتظر كثيراً حيث قدم خطة مفصلة لمحاربة المخطط الإيراني المتمثل بقوافل الإمداد الإيرانية. شملت الخطة تفعيل كافة الوسائل المتاحة، سواء العلنية منها أو السرية، لم يرحب البعض في هيئة الأركان والمؤسسة الأمنية بتلك الأفكار، ما زال هناك من هو مقتنع بأن سلاح البحرية بكل بساطة يغار من سلاح الجو، الأخ الأكبر، الذي يقود الضربات الجوية في سوريا.

بكلتا الحالتين تم قبول بعض مقترحات سلاح البحرية. منذ منتصف عام 2019 هاجمت “وحدة شيطت 13” معتمدة على معلومات استخبارية تم جمعها من قبل الموساد وشعبة الاستخبارات ووحدة الاستخبارات البحرية التابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي السفن الإيرانية التي تحمل السلاح والنفط. كان القصد هو عدم إغراقها لكن فقط التسبب لها بالضرر الكافي للعودة إلى إيران وعدم اكمال مشوارها، لذلك كان يتم الضرب بمنطقة المحرك أو بالمروحة الموجهة للسفينة.

على الأقل في حالتين حملت السفن عتاداً عسكرياً متطوراً كان متجهاً إلى مشروع تطوير الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله وهذا العتاد بحد ذاته ليس السفينة برمتها. في إحدى المرات حاولت إيران تغيير الخلاط الكوكبي الذي تم تدميره (في الضاحية الجنوبية) من الجو، فحاولت إيران تهريب خلاط آخر على إحدى السفن وأيضاً تم تدميره.

بعد إغتيال قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير 2020، وبينما كان النشاط “الإسرائيلي” مستمراً، زاد الشعور بالإحباط لدى الحرس الثوري الإيراني، رافقه ضغط على خامنئي للرد.

في شباط/فبراير الماضي، أعطى خامنئي الضوء الأخضر. حدث ذلك حينما تم عرض طريقة جديدة  أمامه  للرد ليس من خلال حزب الله، الأمر  الذي كان سيقود إلى الخراب في جنوب لبنان وليس من خلال عملية تفجير بالقرب من سفارة أو هدف “إسرائيلي” بالخارج، الأمر الذي سيقود إلى حملة تصفيات واغتيالات من قبل “إسرائيل”. إستقر الرأي على مهاجمة سفينة مدنية مملوكة لـ“الإسرائيليين” والتسبب في وقوع أضرار بسيطة دون سقوط قتلى. الدافع المركزي لهذه المبادرة هو الشخص الأهم الموجود اليوم في الحرس الثوري أي الشخص الذي حل مكان سليماني: أمير علي حاج زاده

هذا هو الاسم الجدير ذكره في الاستخبارات الإسرائيلية، وهو يعرف بأنه صاحب مواقف متطرفة للغاية ولا يتقيد خلال الرد على “إسرائيل” والذي يدفع نحو القيام بالعديد من العمليات ضد “إسرائيل” والولايات المتحدة.

حاج زاده هو قائد سلاح الجو والفضاء بالحرس الثوري الإيراني وهو من يقف وراء هجمات الصواريخ الإيرانية على القاعدة الأمريكية (عين الأسد) بعد اغتيال سليماني، هو كان قويا لدرجة أن يبقى في منصبه حتى بعد أن قامت قواته بإسقاط طائرة الركاب الأوكرانية في 8 كانون الثاني/يناير 2020 ومقتل 176 راكباً الأمر الذي أحدث غضباً دولياً.

حاج زاده من أشد المؤمنين بالطائرات المسيرة – طائرات بدون طيار وحوامات – ووضع على رأس هذا القسم سعيد ارجيني، الضابط الذي تم ذكره هذا الأسبوع بالتوجيهات المغلقة التي أجراها لبيد وغانتس لسفراء الدول الأعضاء بمجلس الأمن، يمكن الافتراض أننا سنشهد خلال المستقبل القريب استخداماً كبيراً ومتزايداً لتلك الأدوات، وقد تابعت الأجهزة الاستخبارية في الأشهر الأخيرة عن قرب تحركات حاج زاده وأنشطته.

الآن حاج زاده ورجاله يبحثون عن هدف. في ساعات المساء في يوم 25 شباط/فبراير كانت السفينة ”هليوس ري” تبحر في الخليج العربي. “ري (RAY) هي علامة التعارف والسمة المميزة لقطب وزعيم الشحن الإسرائيلي رامي أنجر، ذلك الشخص الذي يشغل أسطول نقل المركبات الأكبر في العالم.

وبالفعل أبحرت السفينة “هليوس ري” قبل عدة أيام من هامبورغ، حيث كان على ظهرها قرابة 6.500 سيارة من انتاج المانيا: مرسيدس، وبي أم دبليو، وأودي، حيث تمكنت من إنزال أكثر من نصف حمولتها في موانىء جدة والدمام ودبي، وبقيت قرابة 3.000 سيارة كان من المفترض أن يتم إفراغها في الصين.

“هليوس ري” هي عبارة عن سفينة مرتفعة حيث يبلغ طول ارتفاع جسرها قرابة 40 مترا فوق سطح البحر. الجالسون على متنها لا يمكنهم رؤية قوارب الكوماندوس الإيراني صغيرة الحجم التي تتربص بهم في عتمة الليل. انتظرت حتى تجاوزتها سفينة الشحن وحينئذ في الساعة 22:16 بدأت القوارب الصغيرة بالتحرك خلف السفينة مع المحافظة على مسافة محددة داخل التيار المتسارع الذي خلفته سفينة الشحن وراءها حيث تملصت القوات (الكوماندوس) من رادار السفينة وأصبحت رؤيتها شبه مستحيلة.

هكذا تعقب القارب الصغير السفينة العملاقة لمدة تصل إلى ربع ساعة تقريباً وفي الحين ذاته، زاد سرعته بشكل مفاجئ، وانحرف بحدة نحو اليسار ووصل بمحاذاة مؤخرة سفينة “هليوس ري”، في الساعة 22:38 انفصل القارب عنها وتوجهت شمال شرق نحو إيران.

وبعد مرور 20 دقيقة بعد ذلك وقع انفجاران مرعبان في السفينة، وظهر من خلال الكشف الذي أجراه خبراء من الأسطول الأمريكي وخبراء مدنيون أن الأشخاص الذين كانوا على القارب (الكوماندوس الإيراني) ألصقوا عبوتين ناسفتين على حواف السفينة، قرابة متر عن سطح الماء، الانفجاران أحدثا فتحة ببطن السفينة وضرراً لحق بالشحنة من الجانب. من خلال كمية المواد المتفجرة ومن المكان الذي إختير للانفجار – بعيد عن مستوى الماء – يتضح أن الإيرانيين لم يقصدوا إغراق السفينة لكن الإكتفاء بإرسال رسالة.

إيران نفت ضلوعها بهذا الحادث لكن حسين دلريان، المحلل العسكري المقرب من الحرس الثوري قال لصحيفة “نيويورك تايمز” بأن كلا من “إسرائيل” وإيران لا يرغبان في إعلان مسؤولياتهما علنا عن تلك الهجمات لأن ذلك سيقود إلى حرب، لكن هجمات على السفن بهذا المستوى لم يكن ليحدث لولا وجود دوله خلفها، وأضاف “نحن في حرب لكن مع أضواء خافتة”.

قيس قريشي المحلل والذي كان يعمل سابقاً مستشارا لوزارة الخارجية الإيرانية لشؤون الشرق الأوسط، قال لصحيفة “نيويورك تايمز” أنتم تهاجموننا هنا ونحن سنهاجمكم هناك، إيران و”إسرائيل” تجلبان حربهما السرية إلى المياه المفتوحة”.

في 11 آذار/مارس، نشرت “وول ستريت جورنال” تحقيقاً استقصائياً كشفت فيه أهم العمليات السرية التي قامت بها “إسرائيل” ضد السفن الإيرانية (…). ردت “إسرائيل” على التفجير الذي وقع في سفينة أونجر بشن هجوم علي السفينة الإيرانية “شهركرد” أثناء ابحارها إلى الغرب من “الشواطئ الإسرائيلية” بنحو 80 كيلومتراً. خلال الهجوم تم تدمير عدة حاويات كانت تحتوي على أسلحة وعتاد قتالي كان مخصصاً لسوريا ولبنان. الإيرانيون لم يصمتوا وردوا بتاريخ 25 آذار/مارس بإطلاق صاروخ على “لوري” سفينة حاويات يملكها رجل الأعمال رامي أونجر، كانت في طريقها من تنزانيا إلى الهند.

جراء ذلك وقعت أضرار طفيفة بسفينة أونجر، لكن الجبهة البحرية بدأت بدفع الثمن، وأحد مكونات التجارة البحرية هو التأمين البحري. بدأت شركات التأمين برفع التعرفة (“الرسوم”) التي تجبيها من السفن التابعة لـ”إسرائيل” وبعض رجال الأعمال الذين تضرروا  لجأوا إلى المسؤولين “الحكوميين الإسرائيليين” وزعموا أن الأضرار التي لحقت بهم ناتجة عن السياسة غير المسؤولة التي ينتهجها بنيامين نتنياهو. الجيش “الإسرائيلي” في المقابل، كان مقتنعاً أن إدخال المجال البحري في الحرب ضد إيران كان ضرورياً وقال مصدر سياسي (إسرائيلي) كبير “إن هذا الهجوم الإيراني الذي أودى بحياة المواطنين البريطاني والروماني يشكل كسراً لقواعد اللعبة في المنطقة وهذا من اختصاص مجلس الأمن، ولا يمكن تجاهل التوقيت، عشية تنصيب إبراهيم رئيسي رئيسا لإيران.

بعد الهجوم ووفق تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، قررت “إسرائيل” العمل ضد السفينة التابعة للحرس الثوري الإيراني “سافيز” ولكن هذه العملية تم تأجيلها لوجود حاملة الطائرات الأمريكية “ايزنهاور” بالقرب من المكان. الجهات الأمريكية قالت بأن “إسرائيل” كانت ترغب بأن لا يُنسب الحادث إلى الجهات الأمريكية، هل تم تسريب خبر تلك العملية إلى الأمريكيين؟

“وحدة شيطت 13” تستخدم أجهزة اتصال سرية جداً، لكن الوثائق التي نقلها إدوارد سنودن الذي سرب معلومات والذي كان يعمل في وكالة الأمن القومي الامريكي (تقابلها الوحدة 8200 الإسرائيلية)، كشف أن الاستخبارات الأمريكية نجحت في تحليل اتصالات “الشيطت 13” (“وحدة النخبة البحرية الإسرائيلية”). لاحقاً، قدمت “إسرائيل” احتجاجاً إلى الولايات المتحدة لقيامها بتسريب الخبر إلى صحيفة نيويورك تايمز، وربما إلى جهات أخرى في ما يبدو من أجل وقف الهجوم. في السياق ذاته، ولغاية الان لم تنشر الصحيفة خبراً بهذا الخصوص، وأعلن مصدر أمريكي أنه في الحال بعد مهاجمة سفينة الحرس الثوري، أبلغت “إسرائيل” البنتاغون بسرية تامة عن نتائج الهجوم وبطريقة ما وصل هذا الخبر إلى صحيفة “نيويورك تايمز” حيث تم نشره بعد وقت قصير.

الجانب الإسرائيلي أبدى غضبه “اذا نحن قمنا بعمل كهذا ضد الأمريكيين، فلن يغفروا لنا أبداً”، وقال المصدر الأمني الكبير أن هذا تصرف وسلوك “إسرائيلي” نموذجي: لكن مسموح لهم كل شيء.

الغضب “الإسرائيلي” وجد أذنا صاغية في واشنطن حيث وافقت على طلب تل أبيب بأن تقدم سفن سلاح البحرية الأمريكية الحماية والمعلومات الاستخبارية للسفن “الإسرائيلية” المدنية القريبة منها، ونسق قائد الأسطول الأمريكي الخامس الأدميرال تشالرز كوبر شخصياً كل ذلك بل قام بزيارة “إسرائيل” في الآونة الأخيرة لهذا الغرض.

هذه الخطوة لاقت نجاحاً: ففي شهر نيسان/أبريل من هذا العام أعلن الأمريكيون أن إحدى السفن المملوكة لأونجر موجودة في دائرة التعقب من قبل الحرس الثوري الإيراني وهذا التحذير تم سماعه مرتين، وتم الطلب من الطاقم تغيير مسار السفينة أو اتخاذ تدابير اخفاء وتمويه، بالوقت ذاته تم تدعيم حواف سُلم السفينة من أجل الكشف عن أي شيء غير اعتيادي.

في ليلة 13 نيسان/أبريل ورد خبر تحذيري من قبل المخابرات البحرية الأمريكية حول نية الحرس الثوري تنفيذ هجوم ضد السفينة “هيفرون ري” وأنه يتوجب عليهم البقاء بالقرب من ميناء الفجيرة بالإمارات والقيام بمناورات تضليل ومخادعة وعدم السير بذات المسار، ووفق المعلومات الاستخبارية، من المتوقع أن يقوم الإيرانيون بشن هجوم ليلاً ولكن لن يجرؤوا على الهجوم نهاراً.

هذه المرة لم يتم استغلال التحذير. تحديداً بعد بزوغ الفجر أطلقت طائرة إيرانية مسيرة صاروخاً نحو السفينة، كابتن السفينة قال بأنه شاهد الطائرة الإيرانية تحوم حول السفينة وعلى بعد معين منها. الصاروخ أخطأ الهدف وربما عن قصد، ولكنه خدش مقدمة السفينة دون أن يلحق ضرراً بالغاً بالسفينة. ومن أجل التملص من الصواريخ سارت السفينة بمسار متعرج بل وتلقت تصريحا خاصا بالانطلاق بسرعة أكثر من المسموح بها.

هذه الإصابة هي الثالثة حيث أصابت عالم التأمين على السفن بالذعر، هذه هي اللحظة التي أدرك فيها الإيرانيون أن الفرصة المؤاتية لاحت أمامهم.

في 23 حزيران/يونيو هاجمت طائرتان مسيرتان من نوع “كواد كابتر” – الإسرائيلية – وفق مصادر غربية، مصنع انتاج  الطرد المركزي TESA، زعم الإيرانيون بشكل رسمي بأنه لم يقع ضرر وما حصل هو كذب محض، لكن هذا لم يمنعهم من تطبيق الإستراتيجية الجديدة  الخاصة بهم، والخروج ومهاجمة سفينة مدنية أخرى مملوكة لـ“إسرائيلي”. تلك السفينة التي كانت في السابق تابعة لأيال عوفر، ولكن تم بيعها قبل تنفيذ الهجوم كما ذكر، لم يقوموا بالبحث في غوغل قبل أصدار أمر تنفيذ الهجوم.

الهجمة الإيرانية التالية كانت في نهاية الأسبوع الأخير من تموز/يوليو الماضي على السفينة “ميرسر” وأودت بحياة شخصين، وادعت المصادر الإيرانية أنها جاءت في أعقاب الهجوم على القاعدة الإيرانية في سوريا قبل أسبوعين، وهو القصف الذي قُتل خلاله قيادي كبير من الحرس الثوري الايراني وزعم آخرون أنه جاء رداً على الهجمات السيبرانية المنسوبة إلى “إسرائيل” والتي أحدثت ضررا بحركة القطارات في إيران.

بكل الاحوال، يدور الحديث هذه المرة عن تطور خطير، وقع هجوم آخر علي قطع بحرية في الخليج العربي، لكن حتى نشر الخبر لم يقع حادث آخر، حيث اتضح هذه المرة أن إيران أو قوة تعمل بالنيابة عنها هي المسؤولة عن ذلك ومن المحتمل أن طهران ربما توسع من تكتيكاتها الجديدة.

هناك أمر واحد واضح: إلى جانب سكان الشمال وغلاف غزة فقد انضم خلال الأشهر الأخيرة الماضية إلى جبهة الحرب قبالة إيران عدة آلاف من الملاحين، تقريباً أغلبهم غير “إسرائيليين” وعدد غير قليل من السفن المدنية وخمس محيطات وبحار لا حصر لها وخلجان ومضائق (…)”.

(*) بتصرف نقلاً عن موقع “الهدهد

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  مقتدى الصدر.. الشرارة العراقية بيده!