التقويم الجديد.. 7 أكتوبر

ستتبدّل أرقام الروزنامة البارزة باللون الأسود، في عملية تبادل تقليدية بين نهاية رقم وبداية آخر. وستجري العملية وكأنها تقديم أوراق اعتماد لخدمات مُجَدْوَلة وطارئة في يوميات العام الجديد.

عادة ما نرمي الورقة الأخيرة من الروزنامة بالكثير من الاتهامات غير المؤكدة (تقريباً) بأنها ـ أي هذه الورقة ـ تسبّبت في عذاباتنا ومصائبنا. بناءً عليه، سَنُحمّل الورقة ذات الرقم واحد من العام المولود في منتصف ليل العام المتواري، بالكثير من التمنيات المتفائلة، ومن لوائح أولوياتنا بما يشي بأن التغيير فيها شبه مؤكد، ليس من منطلق الثقة بتحقُّقه، وإنما لكثرة التبرُّم من السنة التي أفلت وما حملت في طيات أيامها وشهورها من مآس واحباطات..

التغيير الذي حصل ويحصل، إنما يشمل الأرقام فقط، ولا يتضمن تغييراً في امتداد الزمن فينا، وفي أحداثه، المتقلبة على جمر الأزمات المشتعلة والبراكين الكامنة، فضلاً عن زلازل مواقيتها في علم الغيب، لأننا في منطقة ثارت واستكانت؛ عاشت وتعايشت؛ انتفضت وانهزمت؛ جدّدت شبابها وهرمت سريعاً، وسعت ما استطاعت إلى التحرر سبيلاً، وتكبّلت بشرانق ذاتها الخانقة، وبحبال الشنق سمة أنظمتنا وبعضها موروث من زمن إستعمار الرجل الأبيض.

نحيا في منطقة تُعاني منذ آلاف السنين على لهيب النار وسطوع النور، وبما فوق الرماد وتحته، وعلى حوافي الشواهق، وفي وُحُولْ الأنانيات؛ منطقة ذَرُبَت فيها الألسن وخَبُثت فيها النوايا، فامتطت الاحتلالات الطامعة عقول بعض أصحاب الأرض قبل دوس ترابها بأشواط، تسهيلاً منهم للتموضع، والاستئثار، وتغليب السيْطرتين: الداخلية والخارجية.

هي إذاً عملية تبادل وتقديم أوراق اعتماد لمهامٍ، المجهول منها في روزنامة السنة المُحتفى بها أكثر غموضاً من المُعلن عنه كوقائع جارية، متسلسلة، مُتَوَارثة، ومُتَنَابتة ومُتَناسلة من جذور وشرايين أزماتها الأم.. ولكن، هذا إنما يتّسق مع عملية تبادل الأرقام وانسيابها العادي، الكلاسيكي، وأيضاً لدى “النائمين ملء جفونهم عن شواردها”، الفرحين لهذا الروتين في هذا التداول والتبادل، لكنها، ومع “السرَاجيين” أنّى رابطوا فعادة ما تكون عكس هذا النُعاس المُتَجذّر، ويكون الأقصى في “الطوفان” بعض أنواع الطوفان، الذي وحين يحصل – وحصل – يكون من المفاجآت عالية الدقة.

طوفانٌ تكرّس إلى جانب التقويمات السنوية المعهودة، والمعدودة، كالتقويمين الميلادي والهجري، وفي أعياد الشعوب الأصلية في مناطق انتشارها. إنه طوفان يحمل إسماً ورقماً ثابتين وبكل اللغات: 7 تشرين أول/أكتوبر 2023.

مع هذا “التقويم الطوفاني” عالي الدقة والأهداف والرؤية والأداء واليقين والمفاجآت تلو المفاجآت في محراب الميدان، ومن رنين الصوت ومعنى الكلمات المُرسلة عبر الأثير، وفي شهامة الصامدين كأنها من فروض صلواتهم، وأركان عباداتهم، وامتلاءات وجدانهم بروحانيات ومَدَد إلهي.

مع هذا التقويم الجديد، وقد أعاد لمبدأ التشبث بالأرض قوته، ولِنبْذ قرارات التهجير ولو على وقعْ المجازر فاعليته، ولراية التحرير وتطهير التراب من رجس المحتل الصهيوني/الإحلالي/العنصري الهدف الأسمى والأغلى.

لم يَعُد الرقم 7 علامة نصر. صار 7 أكتوبر هو النصر المؤزّر بذاته، وبفائض دلالاته وعَبَق الأجواء التي أوجدها، وأفرزها، وكشفها، ووضع العلامات الساطعة على جبين مستحقيها، ووصمات العار على وجوه المنافقين/الكاذبين من تجّار هياكلها، وذارفي دموع التماسيح من ذوي القربى باللغة والدين من خبثاء السريرة، وأولئك الذين عابتهم ازدواجية معاييرهم وثنائيات برامجهم، وثلاثيات التزاماتهم، ورباعيات الدفع مما يكسبون، وخماسيات الأصابع في العيون الوقحة.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  فلسطين تحاكم محتلها أمام الغرب.. بالصوت والصورة
منى سكرية

كاتبة وصحافية لبنانية

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  "هآرتس": غارة حمص.. عرضُ قوة موجه ضد من؟