ستة أسرى يتحررون.. نفق تصدع المجتمع الإسرائيلي

ليس النفق الذي عبره ستة شبان فلسطينيين للتحرر من سجن جلبوع هو القضية وحسب. النفق الذي يستحق وقفة أكبر هو نفق تَصَدُّعْ المجتمع "الإسرائيلي".

لعل المحقق الإسرائيلي الذي تداولت وسائل الإعلام العالمية صورته وهو يتأمل حفرة النفق التي هرب الأسرى الفلسطينيون الستة عبرها من سجن جلبوع في منطقة بيسان، لم يكن يفكر فقط في كيفية تمكنهم من ذلك، فهو في النهاية ابن هذه المهنة (سجّان) ويعلم جيداً مواطن الخلل في المعتقلات “الإسرائيلية”، لكنه كان يفكر في الثمن الذي سيدفعه قادة “إسرائيل” الأمنيين، ويفكر كيف تم خدش صورة الأمن “الإسرائيلي”، سواء بملعقة طعام حفرت النفق، أو بفأس تسرب للأسرى بسبب فساد السجون “الإسرائيلية”.

هل يمكن وصف ما جرى بأنه عملية؟ بل إن لم يوصف ما جرى فجر اليوم (الإثنين) في سجن جلبوع بأنه عملية، فأي شيء يمكن أن يوصف بذلك!

وفقاً للصحافة “الإسرائيلية” فإن السجن الذي يعتبر الأكثر أمناً في “إسرائيل” يحتوي على 72 كاميرا تسجل على مدار 24 ساعة ما يجري في السجن.

تستذكر صحيفة “يديعوت أحرونوت” محاولة هرب كهذه قبل سبع سنوات، أي في العام 2014، مبينة أن عمليات التفقد الدائمة للزنازين حالت دون نجاح عملية الفرار تلك.

فما الذي تغير اليوم؟ تنقل “يديعوت أحرونوت” عن قائد المنطقة الشمالية الأسبق في مصلحة السجون قوله إن الضباط والحراس باتوا يخافون من الأسرى ولذلك لا يتبعون التعليمات.

تظهر خطورة التصريح السابق عندما نتابع ما نشرته الصحيفة ذاتها، إذ أنه في الساعة 1:49 من فجر اليوم (الإثنين) شعر مستوطن بحركة غير طبيعية في الحقول فأبلغ شرطة الإحتلال التي حضرت في غضون 9 دقائق، وأن مصلحة السجون اكتشفت هروب الأسرى في تمام الساعة الرابعة صباحاً.

ما سبق يعني أن نجاح العملية اعتمد على غياب عملية التفقد الدورية في سجن جلبوع، نظراً لخوف الضباط من الأسرى.

وهنا تكتمل صورة الصفعة في وجه الاحتلال، فالحديث لا يتعلق باختراق أمني وحسب، بل في تسيب مصلحة السجون وتراخي الضباط بسبب خوفهم وفزعهم من الأسرى!

لقد سعت أنظمة عربية عديدة بالإضافة إلى قوى غربية، ومعهم الصهاينة في ذات الوقت، لخلق صورة للجيش “الإسرائيلي” بأنه جيش لا يقهر، وبدا الأمن “الإسرائيلي” في أعين العرب وكأنه جدار فولاذي. وحدهم المقاومون الذي امتلكوا الجسارة وعبثوا في وجه الغول اكتشفوا حقيقته منذ زمن وباتوا يعرفونه جيداً.

ما جرى اليوم، وإن أفرح معظم الشعب العربي وربما شرائح واسعة من رأي عالمي مساند لقضية فلسطين، إلا أنه ليس الحدث الأول الذي يهين “إسرائيل” ويُمرغ أنفها بالتراب.

فبالإضافة إلى عمليات نوعية قامت بها المقاومة الفلسطينية في أماكن عدة وعلى مدى سنوات عدة، إلا أنه قبل ذلك بسنوات طويلة، تمكنت “مصر جمال عبد الناصر” من زرع الجاسوس المصري رفعت الجمّال في “إسرائيل”، والذي لم يخرج منها إلا عندما توفي عبد الناصر وحلّ حُكم أنور السادات، ولم يكشف الصهاينة أمر الجمّال إلا عندما كشفت المخابرات المصرية قصته، وحينها تخبط العدو، فأعلن بداية أنها قصة خيالية ممتعة تستحق أن تتجسد في مسلسل رأفت الهجان، وعندما أمطرت المخابرات المصرية العدو بالدلائل ادعت “إسرائيل” أنه كان عميلاً مزدوجاً!

إن قيمة عملية اليوم أنها تمكنت من تمزيق صورة الأمن “الإسرائيلي” ودوسه تحت الأقدام، وحتى لو تم إلقاء القبض على الشباب الستة، فإن العملية آتت أكلها وحققت أهم هدف وهو كشف الصورة الحقيقية للمجتمع “الإسرائيلي” الذي لا يرغب العرب بدراسته أبداً، وكأنه محرم على العرب أن يعرفوا حقيقة المجتمع الصهيوني، ومطلوب رؤيته بصورة المجتمع المتماسك والمنصهر في ذاته والتغاضي عن نقاط الضعف فيه.

إن النفق الحقيقي الذي عبر من خلاله الشباب اليوم لم يكن هذا النفق الذي أذهل الجميع، بل كان نفق تَصَدُّعْ المجتمع الإسرائيلي، وهو ما نرفض دراسته نحن العرب. بل إن ما جرى وباعتراف العدو يعتبر مفاجأة كاملة، لم تسبقها أي تنبؤات استخباراتية، مما يعني أن الشباب نجحوا في تأمين أنفسهم داخل السجن أولاً ولم تتمكن أعين السجانين من معرفة ما يخططونه، ومن المعلوم أن الأمن “الإسرائيلي” يزرع في السجون ما تعارف على تسميتهم بـ”العصافير” وهم الجواسيس العرب الذين يتصيدون معلومات الأسرى.

مساعدة من الخارج

لا تستبعد التقارير الأمنية “الإسرائيلية” المتتالية أن ثمة مساعدة خارجية تلقاها الأسرى الستة لتسهيل هروبهم من المعتقل.

وبالعودة إلى التقارير الأمنية “الإسرائيلية” فإن الشباب الستة امتلكوا على اقل تقدير ساعتين لتأمين أنفسهم بعيداً عن المعتقل، بالتالي فإن تقديرات جهاز الأمن “الإسرائيلي” تقول بأنهم تمكنوا من اختراق خط التماس، وهم الآن في مناطق الضفة الغربية، وبحسب التقديرات “الإسرائيلية” المنشورة في الصحف فإنهم قد يتوجهون إلى قطاع غزة.

تأتي الإشارة تلك في الصحافة “الإسرائيلية” على الرغم من أن سجن جلبوع الواقع في منطقة بيسان لا تفصله مسافة كبيرة عن الحدود الأردنية الفلسطينية، لكن الأسرى يعلمون تمام العلم أن الأردن موقع على اتفاق سلام  مع “إسرائيل” وهذا قد يعرضهم لإعادة تسليمهم من جديد، وتأتي الحدود السورية الفلسطينية، والحدود اللبنانية الفلسطينية في الدرجة الثانية بقربها من السجن، في حين أن غزة هي الأبعد عن السجن.

إقرأ على موقع 180  القامشلي.. رسائل دم وسط التجاذبات الدولية

أيّاً كانت وجهة الشباب الستة، فإن ما قاموا به اليوم كان زلزالاً حقيقياً، ليس في مصلحة السجون “الإسرائيلية” وحسب، بل وفي جهاز الأمن “الإسرائيلي” ككل، وفي حال تمت العملية بمساعدة خارجية فإنها تحمل أبعاداً أمنية إستثنائية وربما زلزالية.

عملية كهذه في ظل المتغيرات في المنطقة، إنما تحمل أبعاداً سياسية بامتياز، وفي حال كانت المقاومة الفلسطينية هي التي نفذتها، فإنها ستقود لمواجهة محدودة مع قطاع غزة، الذي يوصي القادة “الاسرائيليون” دائماً وأبداً بعدم الغوص فيه (أي دخول غزة) حتى لو أدى ذلك لرفع المعنويات.

لذا فإن القيادة “الإسرائيلية” لا تبحث اليوم فقط في كيفية استعادة الأسرى الستة، بل إنها تبحث في كيفية رد الصفعة، بما يعيد للمؤسسة الأمنية الجريحة هيبتها وفي الوقت نفسه بما يؤدي إلى تدمير تلك الروح التي بعثتها العملية في نفوس الفلسطينيين.

وفي حال تمكن الشباب الستة من عبور الحدود نحو لبنان، فإنه من المستحيل أن يتم الإعلان عن وصولهم إلى البلد الذي يئن تحت وطأة الحصار الدولي، وسيتم إدارة المعركة بصمت مطبق، ولن يعلو صوت المعركة إلا في الوقت الذي يحدده الطرف الأقوى، والقوة هنا لا نعني بها الآلة العسكرية، فالشباب الستة خلقوا معنى جديداً للقوة. القوة تعني اليوم التعامل مع الظروف ومع المحيط واستثمار كل المعارف في التحايل على أمن العدو ومنطق تفكيره.

من هم الأسرى الستة؟

زكريا الزبيدي (46 عاما)

– مواليد مخيم جنين.

– القائد السابق لكتائب شهداء الأقصى (حركة “فتح”).

– انتخب عضوا في المجلس لثوري لحركة فتح عام 2006.

– اعتقل من مدينة رام الله في الضفة الغربية يوم 27 فبراير/شباط 2019 ولم يصدر بحقه حكم.

– التهمة: الانتماء لكتائب الأقصى.

مناضل يعقوب عبدالجبار النفيعات (26 عاما)

– مواليد بلدة يعبد قضاء جنين.

– اعتقل عام 2006 وأفرج عنه عام 2015.

– أعيد اعتقاله عام 2016 ثم عام 2019.

– التهمة: الانتماء لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي والمشاركة في عمليات للمقاومة ضد قوات الاحتلال.

– لم يصدر بحقه حكم.

يعقوب محمود أحمد قادري (49 عاما)

– مواليد قرية بير الباشا قضاء جنين.

– تعرض عام 2000 للمطاردة من الاحتلال.

– شارك في معركة الدفاع عن مخيم جنين عام 2002.

– اعتقل في 18 أكتوبر/تشرين أول 2003.

– عام 2004 صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد مرتين و35 عاماً.

– في عام 2014 حاول مع مجموعة من الأسرى الفرار من سجن شطة، عبر نفق، لكن المحاولة لم تنجح.

أيهم فؤاد نايف كمامجي (35 عاما)

– مواليد قرية كفر دان من مدينة جنين.

– بدأ الاحتلال في مطاردته في أيار/مايو 2003.

– اعتقلته قوات الاحتلال في 4 يوليو/تموز 2006.

– حُكم عليه بالسجن المؤبد مرتين.

محمود عبد الله علي عارضة (46 عاما)

– مواليد بلدة عرابة قضاء جنين.

– اعتقل لأول مرة عام 1992 وتم إطلاق سراحه عام 1996.

– تم اعتقاله من جديد بذات العام بتاريخ 21 سبتمبر/أيلول 1996.

– محكوم بالسجن مدى الحياة بالإضافة إلى خمسة عشر عاماً.

– التهمة: الانتماء للجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي والمشاركة في عمليات للمقاومة.

محمد قاسم أحمد عارضة (39 عاما)

– مواليد بلدة عرّابة قضاء مدينة جنين.

– اعتقل في كمين إسرائيلي بتاريخ 7 يناير/كانون ثاني 2002، ثم أفرج عنه منتصف شهر آذار/مارس من العام 2002.

– بتاريخ 16 مايو/أيار 2002، تم محاصرته واعتقل في مدينة رام الله.

– الحكم: 3 مؤبدات و20 عاما.

Print Friendly, PDF & Email
رانية الجعبري

صحافية وقاصة من الأردن

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "محور المقاومة".. حروب بالوكالة أم دكاكين سياسية أم اتحاد مصالح؟