“تقف دولة إسرائيل في “يوم الغفران” 2021 في مواجهة مزيج من القدرات الهائلة لدى العدو وإسكات متكرر لقدرات الجيش الإسرائيلي ضدها، فهل نواجه إخفاقاً آخر كما في إخفاق يوم الغفران”؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.
في شهادته أمام لجنة أغرانات (لجنة التحقيق الإسرائيلية الرسمية التي أقيمت بعد حرب تشرين/ أكتوبر – 1973- المحرّر)، قال وزير الدفاع الراحل موشيه دايان إن خطأه الكبير كان يتمثل في تقييمه الذي قلّل فيه من قدرات الجيش المصري وبالغ في تقييم قدرات الجيش الإسرائيلي. ما هي الكلمة المفتاحية في كلام وزير الدفاع صاحب الثقة كبيرة بالنفس؟
كان دايان يعلم أن جيشين مصريين وُضعا في حالة تأهب على ضفاف قناة السويس، وكان يعلم أن خمسة فيالق سورية تم وضعها في حالة تأهب على مرتفعات الجولان، لكنه واصل منع القيام بأية استعدادات لاحتمال قيامهم ببساطة بتشغيل المحركات والتقدم.
إن الشيء الوحيد الذي تم القيام به هو نقل اللواء السابع إلى الجولان (وهو الأمر الذي تم ضمن إجراء تسبب بتأخير خطير للغاية في تعبئة قوات الاحتياط مساء “يوم الغفران”). جاء الجواب على هذا السؤال في حينه من قبل اللواء الراحل يانوش بن غال الذي وضع القاعدة التي نصّت على أنه يجب أن نستعد للحرب حسب قدرات العدو وليس حسب تقييمنا لنواياه. وهكذا، قام بن غال طيلة العام 1973 بإشغال اللواء الذي تولى قيادته في إجراء الاستعدادات المكثفة بناء على فرضية أن الحرب على الأبواب، وقد اثبتت معركة تل المخافي ذلك (معركة تل المخافي وتسمى أيضاً وادي الدموع أو بالعبرية عِمِق هبيخي؛ وهو الاسم الذي أطلق على منطقة في مرتفعات الجولان بعد أن أصبحت موقعاً لمعركة رئيسة في حرب تشرين التحريرية. ففي 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973 هاجمت الفرقة السابعة مشاة السورية اللواء السابع المدرع الإسرائيلي- المحرّر).
لذلك، فإن الكلمة الأساسية في كلام وزير الدفاع هي “التقييم”. لماذا لا يعرف وزير دفاع قدرات المعركة التي يتولى مسؤوليتها؟ لماذا يحتاج إلى تقييم يتبين أنه خاطئ في النهاية؟ هناك العديد من الإجابات المحتملة على هذا السؤال، لكن إذا تبنينا نهج يانوش بن غال، ومفاده أن هناك واقعاً يجب التعاطي معه، فإننا نواجه سؤالاً راهناً للغاية هذه الأيام في “يوم الغفران” الحالي.
إن الجيش المصري عشيّة “يوم الغفران” 2021 أكبر بكثير من الجيش الإسرائيلي. إنه جيش مجهز بمعدات غربية متطورة ويتمتع بمساعدة مالية كبيرة من الولايات المتحدة
أيها السادة، التاريخ يعيد نفسه
يواجه دولة إسرائيل في “يوم الغفران” في العام 2021 مزيج هائل من القدرات لدى العدو وإسكات متكرر لقدرات الجيش الإسرائيلي أمامها، ودعونا ننتقل من الصعب الى السهل. لقد وقّع (الرئيس المصري السابق) أنور السادات اتفاق سلام بعد حصوله على موافقة شرعية من حكماء الأزهر لتوقيع اتفاق مؤقت هناك تصريح بل واجب لخرقه، وفقاً لقدرات الجيشين، المصري والإسرائيلي.
منذ اليوم الأول تم انتهاك الاتفاق بينما سلّمت الحكومات الإسرائيلية بحقيقتين أساسيتين: الأولى، أنه لا يوجد أي تطور في العلاقات المدنية بين البلدين؛ والثانية، أن الجيش المصري يتعاظم إلى أبعاد هائلة وأصبح اتفاق نزع السلاح في سيناء مجرد حبر على ورق. وليس هذا فحسب، فقد أفادت تقارير في الأيام الأخيرة بأن مصر ستتفاجأ إذا لم تستجب إسرائيل لطلبها بإرسال قوات عسكرية إلى شبه جزيرة سيناء، وبأحجام مماثلة لما قبل حرب “يوم الغفران”. إن مصر هي دولة فقيرة وجائعة لكنها تستثمر في زيادة حجم وقدرة جيشها وكأنها دولة غنية. بينما ذهب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إلى ما هو أبعد من ذلك، حين ضاعف في السنوات الأخيرة قدرات الجيش المصري في عدة قطاعات.
أنا أوصي الجميع بتصفّح موقع المقدّم (احتياط) إيلي ديكل، وأن يأخذوا فكرة حول القدرات وشكل التقديرات التي يضعها الجيش المصري في اتجاه الشرق، سيناء والنقب. المقدم (احتياط)، وهو خبير في الاستخبارات الميدانية، يقوم ببساطة وبعيون مهنيّة بدراسة صور الأقمار الصناعية على موقع غوغل. فهناك ثروة من المعلومات المتاحة علناً، وما عليك سوى معرفة كيفية التمعّن في الصور. إن الجيش المصري عشيّة “يوم الغفران” 2021 أكبر بكثير من الجيش الإسرائيلي. إنه جيش مجهز بمعدات غربية متطورة ويتمتع بمساعدة مالية كبيرة من الولايات المتحدة.
فعلى سبيل المثال، دبابة المعركة الحربية المصرية هي دبابة أميركية متطورة جدا، ومؤخرا اشترى المصريون ألف وخمس ناقلة دبابات، وشيدوا ستين جسرا فوق قناة السويس، وشقوا الشوارع المؤدية إلى النقب، وقاموا بإعداد خزانات وقود لجيشين في سيناء، بل إنهم يبنون قاعدة جوية في سيناء. لقد تمركز هذا الجيش الضخم شرقاً، بين القاهرة والحدود الإسرائيلية. وتشمل هذه الإمكانات القدرة على نقل جيشين إلى سيناء خلال 48 ساعة أو أقل، وهو ما يكفي لشل الاقتصاد الإسرائيلي. لقد سبق للمخابرات الإسرائيلية أن تفاجأت في الماضي بحملتين من هذا القبيل، في العامين 1960 و1967. في الحالة الأولى تسببت القوى العظمى العالمية في انسحاب الجيش المصري، وفي الحالة الثانية كان يجب علينا خوض الحرب.
إن من دفع ثمن التقييمات الخاطئة وتقاعُس القيادة العليا والمستوى السياسي في العام 1973، هم جنود وضباط القوات الهجومية. كان الثمن دموياً بما يفوق القدرة على التحمّل، وكان بذل الأرواح بمنتهى السموّ. على سبيل المثال، قاتل جنود اللواء 188 ببسالة وشراسة لا حدود لهما، لكنهم أيقنوا أنه في نهاية المطاف، يمكن للحجم الكمي لقوات العدو أن يعوّض عن قدراتها في حال كانت متدنية.
نعلم اليوم أن الجيش السوري آخذ بإعادة التأهيل والإصلاح، وأن نظاماً صاروخياً في لبنان بات جاهزاً ليضرب لنا الجبهة الداخلية، وأن قطاع غزة ليس جزيرة سلام، وفي يهودا والسامرة (الضفة الغربية) تعمل عدة كتائب دربتها القوات الأميركية وقوّات مجهزة بالسلاح الإسرائيلي بموجب اتفاق أوسلو
لنتعلّم من الماضي
من أجل تفادي العودة إلى اعتراف بخطأ “في تقييم قدرات الجيش الإسرائيلي مقابل قدرات العدو” بعد ثمن الدم الذي يمكن تخفيضه بواسطة التحضير المناسب، يوصى بشدة بقراءة مقالات اللواء (احتياط) إسحاق بريك. وهو من الجيل الذي دفع بدمه ثمن أخطاء التقديرات الخاطئة في القيادة العسكرية العليا العام 1973، وعلى مدى تسعة عشر يوماً عاصفاً، قاد سرية دبابات على خط الجبهة الأول، خط النار، المعروف أيضاً باسم “خط الدم”، بتفانٍ شديد، وهو يعرف جيداً طعم ساحة المعركة.
في آخر منصب له في المؤسسة الأمنية، أجرى اللواء بريك بحثاً معمقاً لم يقم بإجرائه أحد حتى الآن. على امتداد عقد من الزمن، زار كل واحدة من وحدات الجيش الإسرائيلي ثلاث مرات وتعرف على حالتها، ليس من تقارير قادتها، وإنما من فحص الأمور ميدانياً على الأرض، في المستودعات، في التدريبات، في مستودعات وقت الطوارئ، في جودة الصيانة وفي شهادات الجنود الذين يجرون الاستعدادات للحرب من خلال التدريبات والتزوّد بالمعدات والتجهيزات. وهو لم يكتف بـ”تقييمات” ضباط كبار. لقد وجد اللواء بريك أن الجيش الإسرائيلي يعتمد مرة أخرى على المعجزات، ولم يكن على استعداد لمواجهة محتملة مع قدرات العدو المؤكدة.
فيما يتجاوز قدرات الجيش المصري، نعلم اليوم أن الجيش السوري آخذ بإعادة التأهيل والإصلاح، وأن نظاماً صاروخياً في لبنان بات جاهزاً ليضرب لنا الجبهة الداخلية، وأن قطاع غزة ليس جزيرة سلام، وفي يهودا والسامرة (الضفة الغربية) تعمل عدة كتائب دربتها القوات الأميركية وقوّات مجهزة بالسلاح الإسرائيلي بموجب اتفاق أوسلو. ويجب أن يضاف إلى ذلك التلميحات الفظة التي تلقيناها من البلدات العربية داخل الخط الأخضر.
صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر 1973، خدمت كقائد سرية في اللواء التاسع. خرجنا فجراً من قاعدة الطوارئ في يُكنعام، ومررنا، طابوراً من الدبابات والمدرعات، في شوارع الناصرة في طريقنا إلى جنوبي الجولان. لم يطلق أحد النار أو يشوّش مسيرنا، ورأينا النظرات المرتعبة على الشرفات. هل هناك من يوهم نفسه بأنه في فترة طوارئ مستقبلية ستكون قوات الاحتياط فعالة عندما تغلق طرق الشمال والجنوب كتائب “شغب” عربية التي لم تُحاكم بعد على أعمال الشغب العام 2021 ولا على أعمال الشغب العام 2000 ولاقوا التشجيع من “لجنة أور” وسياسيين من بعض الأحزاب؟
لقد هاجم العرب المشروع الصهيوني فقط عندما قدّروا أن إسرائيل ضعفت وأن ميزان القوى سمح بالنصر. لقد ارتكبوا أخطاء في الماضي، لكن ليس هناك ما يضمن أنهم لن يستمروا في ارتكاب الأخطاء والهجوم مرة أخرى. كل شيء جاهز والجميع ينتظرون مؤشرات الضعف في استعداد اليهود للقتال. إن تجربة الصهيونية التي امتدت على مدى مائة عام تثبت أن الاندلاع يمكن أن يحدث كلّ يوم.
إذا كنا راغبين في الحياة، فيُحظر علينا الاعتماد بأعين مغمضة على المسؤولين عن أمن الدولة. يجب الانتباه للحقائق التي يتم الكشف عنها كل يوم ومطالبة القائمين على الاستعدادات للحرب بتقديم إجابات قبل الحرب وليس في لجان التحقيق. لذلك، كي لا نضطر مرة أخرى لسماع أخطاء أي وزير دفاع ولا اعتذاراته، نحن مطالبون بالاستفادة من “يوم الغفران”، لإجراء حساب نفس على صعيد وطنيّ يتطرق إلى القدرات وليس إلى التقييمات. فالاستعدادات لحرب مفاجئة تستغرق وقتاً طويلاً، وبالتالي، يجب أن ندعو الحكومة إلى التعاطي مع الواقع غير السار الذي يتم الكشف عنه في أعمال الكثيرين، بمن فيهم إيلي ديكل وإسحاق بريك، وتفادي أي وضع يتحدث فيه وزير دفاع ما بشكل يائس عن احتمال “تدمير الهيكل الثالث”، في حين أن المستوى العسكري الهجومي يبذل روحه في المعركة”.
(*) هذه الترجمة خاصة بـ”المشهد الإسرائيلي” في موقع “مدار“.