الإنتخابات الألمانية.. “الجائزة الكبرى” للخضر والليبراليين

على الرغم من أن النتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية في ألمانيا يوم الأحد الفائت كانت واضحة لجهة تحديد الرابحين والخاسرين إلا أنها لم تحسم الجدل حول هوية وشكل الحكومة المقبلة، أو بتعبير أدق من سيرأسها ويتربع على مقعد المستشارية في البلاد، خلفاً لأنغيلا ميركل.

عدم تحديد الرابح والخاسر مرده تقارب النتائج بين الحزبين الكبيرين، الحزب الاشتراكي الديموقراطي (SPD) بزعامة أولاف شولتس الذي نال 25.7% من الأصوات والحزب المسيحي الديموقراطي (CDU) بزعامة آرمين لاشيت الذي حصل على 24.1%، وهي أسوأ نتيجة يسجلها في تاريخه. أصبح كل منهما بحاجة لتشكيل ائتلاف حكومي مع حزبين آخرين على الأقل لضمان تحقيق أغلبية في البرلمان. والحزبان الوحيدان المرشحان لذلك هما حزب الخضر الذي حصل على بنسبة أصوات بلغت 14.8% والحزب الليبرالي (FDP) الذي حصد 11.5%.

وتكمن المعادلة الجديدة التي انبثقت عن الانتخابات في أن الحزبين الصغيرين أصبحا بمثابة بيضة القبان في تغليب فريق على الآخر ومنحه لقب المستشار. فالدستور الألماني لا يمنح حق تشكيل الحكومة اوتوماتيكيا للحزب الذي حقق أعلى نسبة من الأصوات، بل أن رئيس الجمهورية الألمانية يجري محادثات مع الكتل النيابية ليتبين من هو المرشح الذي يمكن أن يحظى بأغلبية برلمانية تمكنه من الحكم وبناء على ذلك يقترح رئيس الجمهورية وفقا للدستور مرشحا للمنصب، ويكون دور البرلمان التصويت بالاقتراع السري. ويجب على المرشح الحصول على أغلبية النصف زائداً واحد من إجمالي عدد أعضاء البرلمان، في الدورة الأولى او الثانية، وإلا تصبح الأغلبية البسيطة كافية في الدورة الثالثة.

يجدر الذكر أن عدد النواب في البرلمان الألماني وفقا للدستور يبلغ على الأقل 598 نائبا إلا أن هذا العدد قابل للارتفاع، إذ يبلغ عدد النواب في الدورة الحالية 735 نائبا، وهو الرقم الأعلى في تاريخ ألمانيا الحديثة. وتعود أسباب هذا الارتفاع إلى طبيعة القانون الانتخابي الثنائي الأصوات، الذي تعتمده المانيا سعيا لضمان أفضل تعبير عن رغبة الناخب وايصال ممثليه الحقيقيين إلى الندوة البرلمانية.

يدرك الحزبان الصغيران (الخضر والليبرالي) أنهما المعبر الإلزامي والشريكان الضروريان لتشكيل حكومة، ولكن ذلك لا يلغي التناقض في مواقفهما

وبالعودة إلى الحزبين الصغيرين والتباعد الكبير في العديد من القضايا السياسية ومقاربتها في برامجهما المعلنة، لن تكون مهمة الجمع بينهما في حكومة واحدة سهلة على الإطلاق، وهي مهمة فشلت المستشارة أنغيلا ميركل في تحقيقها إثر الانتخابات التشريعية السابقة في العام 2017؛ فبعد مفاوضات استمرت لأسابيع، أعلن رئيس الحزب الليبرالي كريستيان ليندنر انسحاب حزبه من المفاوضات وامتناعه عن المشاركة في ائتلاف مع حزب الخضر، الأمر الذي دفع ميركل لتشكيل ائتلاف حكومي مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي المنافس، وهو الحل الوحيد الذي كان متاحا في حينه لمنع اجراء انتخابات تشريعية جديدة.

ويدرك الحزبان الصغيران أنهما المعبر الإلزامي والشريكان الضروريان لتشكيل حكومة، ولكن ذلك لا يلغي التناقض في مواقفهما، فقد أعلن روبرت هابك، رئيس حزب الخضر إلى جانب أنالينا بيربوك (من حزب الخضر)، وجود خلافات أساسية في الملفات الاقتصادية والاجتماعية والضريبية مع الليبراليين، فبينما يرفض الليبراليون بشكل قاطع رفع نسبة الضرائب وفرض ضرائب إضافية على الأثرياء خوفا من تبعات ذلك على الاقتصاد والاستثمار، يطالب الخضر بفرض ضرائب تصاعدية وضرائب إضافية على الإرث ورفع الحد الأدنى للأجور. أما في النقاط المشتركة كقضية المناخ والحفاظ على البيئة، فيختلف الطرفان حول طريقة المعالجة بشكل جذري، ولكن الحزبين متفقان في قضايا السياسة الخارجية التي لا خلاف كبيراً عليها لدى كل الأحزاب الألمانية، فالأحزاب الأربعة متمسكة بالوحدة الأوروبية والخيار الأوروبي، وهذا مبدأ ثابت عند الجميع الذين يرغب  أيضاً بمواصلة مسار تحسين العلاقات مع روسيا من دون التخلي عن التزام ألمانيا الأساسي بالتحالف الغربي وتموضعها فيه.

الثابت الوحيد أن الحزبين الصغيرين حجزا مقاعدهما في الحكومة المقبلة، أما مشاركة أحد الحزبين الكبيرين ونيله منصب المستشار فمرهونة بخطب ود الخضر والليبراليين

ويبقى أيضا السؤال الخلافي، الذي قد يشكل المعضلة الكبرى وهو أي من الحزبين سيؤول إليه منصب نائب المستشار في الحكومة المقبلة. ومن هو الشريك الكبير الذي يفضله كل من الحزبين الصغيرين، فبينما يميل الحزب الليبرالي تقليديا للتحالف مع الحزب المسيحي الديموقراطي ولديهما تجارب تاريخية طويلة معاً، كان حزب الخضر الشريك المفضل في حكومات الحزب الاشتراكي الديموقراطي.

أما اليوم فيبدو أن الرغبة المشتركة في تغيير الوضع القائم وانهاء التحالف الحكومي الكبير، وضع الحزبين الصغيرين امام مسؤولية المبادرة للبحث عن قواسم مشتركة تضمن تعاونهما في المستقبل ولذلك بدأ حزب الخضر والحزب الليبرالي مباحثات ثنائية مباشرة غداة إعلان نتائج الانتخابات، في خطوة شكلت سابقة في تاريخ تشكيل الائتلافات الحكومية، حيث بادر الطرفان الصغيران للتفاوض بمعزل عن هوية المستشار أو الحزب الذي سيقود المرحلة المقبلة ودون مشاركته. فالثابت الوحيد أن الحزبين حجزا مقاعدهما في الحكومة المقبلة، أما مشاركة أحد الحزبين الكبيرين ونيله منصب المستشار فمرهونة بخطب ود الخضر والليبراليين. وإن كان هامش المراوغة لدى آرمين لاشيت بدأ يضيق جراء ارتفاع العديد من الأصوات الوازنة داخل الحزب المسيحي الديموقراطي الداعية إلى تحميله مسؤولية هزيمة الحزب في الانتخابات التشريعية ومطالبته بالاستقالة.

إقرأ على موقع 180  إسرائيل ودروس حرب اليمن: قلق من حزب الله والحوثيين

 

Print Friendly, PDF & Email
برلين ـ محمد إبراهيم

صحافي وكاتب مقيم في برلين

Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "تهديدات" متغيرة.. تحالفات دولية جديدة