اتفاق غزة وتطلعات إنهاء الحرب
تجاوبت جميع الأطراف المعنية بأمن المنطقة مع «اتفاق غزة» الذي طرحه الرئيس الأميركي، وتمنّت أن يأخذ هذا الاتفاق مجراه في إنهاء الحرب على غزة وأن يحقق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، ولا سيما الحق بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف؛ إلا أن هذه الأطراف شكّكت مراراً في إمكانية التزام الجانب الإسرائيلي بهذا الاتفاق الذي قبلت به حركة حماس وباقي فصائل المقاومة في غزة.
لقد كانت هذه الأطراف الإقليمية محقّة عندما طالبت الإدارة الأميركية بالإشراف على وقف إطلاق النار وتنفيذ مراحل الاتفاق بعد أن تمت المرحلة الأولى بتبادل الأسرى، إلا أن جميع هذه الأطراف تعتقد أن الجانب الإسرائيلي لا يمكن الاعتماد عليه ولا الثقة به، لأنه ومنذ أكثر من سبعة عقود نقض كل العهود التي أعطاها للمجتمعين الدولي والإقليمي، وبالتالي من الصعب الاتكال عليه وعلى التزاماته، مما دفع الإدارة الأميركية التي تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة من أجل السير بالاتفاقيات الإبراهيمية والانتهاء من المشكلة الفلسطينية في الشرق الأوسط.
زيارات أميركية وضمانات واهية
ولذلك شدّ الرئيس ترامب الرحال إلى تل أبيب ليعلن من هناك انتهاء الحرب، ليرسل إلى الكيان رسالة واضحة بأنه المسؤول الأول عن إنهاء الحرب. ثم توالت الزيارات التي ساهم فيها نائب الرئيس جي. دي. فانس، وزير الخارجية ماركو روبيو، وموفد ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس المشرف على الاتفاقيات الإبراهيمية جاريد كوشنر، علمًا أن روبيو زار الكيان مرتين بعد زيارة الرئيس ترامب.
هذه الزيارات المكثفة التي جرت أثناء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق تشي إلى أن هناك عدم اطمئنان من قبل الإدارة إلى تنفيذ الاتفاق بعد أن ضمنه ترامب أمام المجتمع الدولي، وتحديدًا الدول التي حضرت مؤتمر شرم الشيخ الذي أراده الرئيس الأميركي استعراضًا سياسيًا عالميًا ليُتوَّج رائدًا من رواد السلام في المجتمع الدولي.
إيران في ظل اتفاق غزة
وفي سياق أزمة وقف إطلاق النار في غزة، التي دخلت حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2025، يبرز دور إيران كعامل معقد يجمع بين الدعم السياسي والعسكري لحركة حماس والفصائل الفلسطينية وبقية فصائل “المحور”، بما في ذلك حركة أنصار الله اليمنية، التي أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني محمد باكبور استمرار وقوف إيران إلى جانبها لمواجهة «الغطرسة والهيمنة الأميركية والاستكبارية».
الرسالة الأميركية إلى طهران
وفي ظل هذه الأجواء، نقلت مصادر إيرانية مطلعة أن مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف بعث برسالة إلى طهران عبر وسيط بعد العدوان الإسرائيلي الأميركي على إيران في حزيران/يونيو الماضي، ذكر فيها الشروط الأميركية لاستئناف المفاوضات، وهي:
أولًا: قطع جميع العلاقات مع فصائل “محور المقاومة”.
ثانيًا: تفكيك كافة أنشطة التخصيب والمعامل والمنشآت النووية المرتبطة بها.
ثالثًا: تفكيك كافة الصواريخ التي يزيد مداها عن 450 كيلومترًا.
ولم تذكر رسالة ويتكوف ماذا بعد ذلك؟ وماذا سيكون؟ وأين هي مكانة العقوبات المفروضة على إيران، سواء تلك الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية أو تلك المفعَّلة من قبل مجلس الأمن الدولي؟
الرد الإيراني: رفض الإملاءات
المصادر ذاتها نقلت أن طهران لم ترد على الرسالة الأميركية، لأنها لن تقبل أصلًا الشروط المسبقة لاستئناف المفاوضات، لأنها ستكون إملاءات وليست مفاوضات. لكن المرشد الإيراني الأعلى السيد علي الخامنئي ردّ في خطاب على هذه الرسالة ورفض أية شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات، مشيرًا إلى أن المنشآت النووية التي استهدفتها الطائرات الأميركية لم تُدمَّر، كما أن عددًا من كبار المسؤولين الإيرانيين، كوزير الخارجية عباس عراقجي وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني، أجابوا من خلال تصريحات على فحوى الرسالة، وفُهِم منها أن إيران غير مستعدة لمناقشة المنظومة الصاروخية مع أي طرف خارجي، وهذه المنظومة تندرج في إطار القوة الدفاعية التي تمتلكها إيران وهي غير قابلة للنقاش أو المساومة. تبقى بقية المواضيع العالقة فهي تُبحث على طاولة مفاوضات جادّة تستند إلى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وقاعدة «رابح / رابح».
إيران وواشنطن: لعبة الوقت
ويسود الاعتقاد أن الجانبين الإيراني والأميركي يتلاعبان بالوقت؛ فواشنطن تريد زيادة الضغوط الاقتصادية على طهران من أجل إنهاكها للحصول على المزيد من التنازلات، فيما تستعد طهران في طريقها ومسالكها لتجاوز العقوبات والصمود أمامها كما صمدت خلال العقود الماضية، والإثبات أن خيار العقوبات لا يمكن أن يضغط على الشعب الإيراني الذي لا يريد الركوع أمام العدو. أما إذا أراد الرئيس ترامب أن يستخدم نظرية «أبواب جهنم» التي استخدمها مع حماس، فإن الحالة تختلف مع إيران، حيث يقول الإيرانيون إن هذه الأبواب إذا ما فُتحت فإنها ستُفتح على الجميع، وإن أقرب القواعد الأميركية الموجودة في المنطقة هي «إسرائيل».
في الخاتمة؛ تتداخل الملفات في منطقة الشرق الأوسط – تضيف المصادر الإيرانية – “وعلى من يريد حلها أن يتحلى بواقعية سياسية وواقعية عقلانية لا تتوفر عند الكيان الإسرائيلي ومسؤوليه. ومن يريد أن يُجرِّب فنحن هنا – تضيف طهران – ومن يريد أن يصل إلى اتفاق فإن كل الطرق تؤدي إلى روما”.
