الفاشية الصهيونية تُعمّق الدعم الشعبي للمقاومة

ما يجري في مخيم جباليا يكاد يكون أسطورياً بكل معنى الكلمة. وفي الوقت نفسه، وبعد أكثر من عشرة آلاف غارة فقط على قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان على مدى سنة وعشرات محاولات الإقتحام البري منذ شهر حتى الآن، ها هي إسرائيل تغرق مجدداً في المستنقعين الغزاوي واللبناني!

أكثر من أي عدوان “إسرائيلي” سابق على قطاع غزة ولبنان، أطلقت آلة الحرب “الإسرائيلية” العنان لوحشيتها هذه المرة على كل مساحة قطاع غزة المتواضعة (364 كلم2) وعلى مناطق البيئة الحاضنة للمقاومة اللبنانية من أقصى شمال شرق لبنان إلى أقصى جنوبه مروراً بالضاحية الجنوبية لبيروت. منذ أكثر من سنة، لم تُميز “إسرائيل” بين هدف عسكري أو مدني، بين اغتيال مقاوم أو مدني، لا بل تعمدت استهداف مؤسسات الاغاثة الدولية والصحية والمسعفين ورجال الدفاع المدني والصحافيين، وأن ترتكب مجازر بالمدنيين بلغت حد الإبادة الجماعية، ولم تُوفّر ممتلكات عشرات آلاف المدنيين تفجيراً وحرقاً وتدميراً وصولاً إلى جرف حجارة المنازل والمستشفيات وحتى المقابر، فصدق فيها أنها تريد تدمير البشر والحجر.

أامام هول هذه الارتكابات المخالفة للقوانين والأعراف الدولية في زمن الحرب، انبرى المحللون للقول إن هدف هذا الجنون الدموي هو دفع المقاومة إلى الاستسلام في غزة كما في لبنان أو على الأقل إلى خروج المقاتلين من قطاع غزة عبر ممر آمن إلى مصر وإبعاد المقاومة اللبنانية بمقاتليها وسلاحها عن كل منطقة جنوب نهر الليطاني، وثانياً تأليب البيئة الحاضنة للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية ضدهما، وثالثاً، وهو الأهم، كي الوعي، بحيث لن يتجرأ فلسطيني أو لبناني أو أي إنسان عربي على المس بشعرة من جندي أو مستوطن إسرائيلي الآن.. ومستقبلاً.. غير أن ما يبدو واضحاً، بعد مرور أكثر من عام على العدوان “الإسرائيلي”، أن النتائج تأتي على عكس ما تشتهي الحكومة الفاشية الصهيونية، ما يدفع إلى التساؤل كيف يحصل ذلك ولماذا؟

في قطاع غزة، حيث تجاوز عدد الضحايا الربع مليون بين شهيد وجريح ومفقود، نصفهم من النساء والاطفال، وبحسب تقديرات مؤسسات دولية معنية أصبح أكثر من 70 في المئة من قطاع غزة غير صالح للسكن البشري، ومع ذلك يواصل الغزاويون كما أهل الضفة الغربية تمسكهم بمقاومتهم. وفي لبنان، قارب عدد الضحايا الستة عشر ألفاً بينهم حوالي ثلاثة آلاف شهيد وثلاثة عشر ألف جريح فيما سويت قرى بأكملها بالأرض ليس فقط عند الحدود المتاخمة لفلسطين المحتلة بل أيضاً في البقاع، شرقي لبنان، كما سويت مربعات سكنية كاملة بأبنيتها وأبراجها العالية بالأرض في الضاحية الجنوبية لبيروت، ناهيك بكتلة مليونية من النازحين في غزة ولبنان.. وبما أن الحرب لم تنته بعد، من السابق لأوانه تقدير حجم الخسائر في مسرحي المعارك في فلسطين ولبنان.

ولا يُمكن تفسير استمرار عمليات المقاومة البطولية، لا بل الاسطورية، في قطاع غزة وجنوب لبنان إلا تعبيراً عن تفاعل موضوعي مع الوعي الجماعي للبيئة الحاضنة هنا وهناك، فمقاتلو المقاومة هم أولاً أبناء الأرض والمدافعون عنها وعن شعبها وبالتالي فإن هؤلاء يعرفون جيداً أن كرامتهم ومستقبلهم يرتبط عضوياً بصمود المقاومة وبقاءها، كما أن هؤلاء المقاتلين ليسوا جيشاً مستورداً من كوكب آخر أو بلدان أخرى كحال الجيش “الإسرائيلي”، بل هم أبناء الأرض. وعندما تطرح الحكومة الفاشية الصهيونية ومن خلفها الولايات المتحدة وكلّ حلفائها الغربيين والعرب ابعاد المقاتلين الفلسطينيين إلى مصر عبر ممر آمن وابعاد مقاتلي المقاومة في لبنان إلى شمال نهر الليطاني، فإنها تقول لأهالي هؤلاء المقاتلين أنها تريد إبعادهم عن أبنائهم وأخوتهم وآبائهم، ليصبحوا عراة ومستباحين.

إن الوحشية التي يمارسها الجيش “الإسرائيلي” في عدوانه المتواصل منذ أكثر من عام والتي اعتقد أنه يمارس من خلالها كي الوعي الجمعي للجمهور الحاضن للمقاومة في فلسطين المحتلة وقطاع غزة وفي لبنان جاءت تماماً بنتيجة عكسية، فما يحصل هو تعميق دعم هذا الجمهور للمقاومة، وزاد من حقده على الكيان “الإسرائيلي”

في لبنان، وفي كل الاعتداءات “الإسرائيلية” التي حصلت على مدى 75 عاماً من تاريخ قيام الدولة العبرية، كنا نسمع، وما زلنا، عبر وسائل الإعلام أصوات النازحين من بيوتهم التي دمّرها الجيش “الإسرائيلي” وهم يقولون بالفم الملآن أن تضحياتهم تهون أمام تضحيات المقاومين وأيقونتهم الشهيد السيد نصرالله. حتى عندما يُردّدون جملة من نوع “فدا صرماية السيد”.. فإن الغرب ومعه أداته الفاشية الصهيونية لا يفقهون معناها ويعتقدون أنها مجرد كليشيه عاطفية لا قيمة لها، ولكن التمعن في هوية مقاتلي المقاومة يقود إلى الفهم الحقيقي لهذا الكلام وهو أنهم يقصدون القول “فدا اجر أولادنا وأخوتنا”، فالمقاومة بالنسبة إلى هؤلاء النازحين هي هؤلاء تماماً، والسيد “نصرالله” هو قائد هؤلاء، لذلك، ألا يُفتدى هؤلاء الآباء والأبناء والأخوة بالممتلكات والأرض والرزق؟

إن الوحشية التي يمارسها الجيش “الإسرائيلي” في عدوانه المتواصل منذ أكثر من عام والتي اعتقد أنه يمارس من خلالها كي الوعي الجمعي للجمهور الحاضن للمقاومة في فلسطين المحتلة وقطاع غزة وفي لبنان جاءت تماماً بنتيجة عكسية، فما يحصل هو تعميق دعم هذا الجمهور للمقاومة، وزاد من حقده على الكيان “الإسرائيلي” وعمّق شعور الحقد هذا إلى درجة يصعب معها تقبل الأجيال المقبلة وجود هذا الكيان من أساسه.

إقرأ على موقع 180  فرنسي رئيساً لحكومة لبنان.. بتغطية حريرية!

وللتأكيد على ذلك، فإن المناخ الشعبي المصري ما يزال غير متقبل لفكرة تطبيع بلاده مع “إسرائيل” بالرغم من توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل في العام 1979، أي منذ 45 عاماً. وكما هو معروف فإن الحروب الإسرائيلية على مصر في الأعوام 1956 و1967 و1973 لم تشهد هذا الحجم من القتل للمدنيين والتدمير للقرى والمدن التي شهدها العدوان على الفلسطينيين واللبنانيين. مع الأخذ بالاعتبار الفارق بالمساحة الجغرافية وعدد السكان بين مصر وبين كل من لبنان وفلسطين المحتلة. ولا يختلف الأمر مع دولة الأردن التي وقعت اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل في العام 1994.

إن الواقع في لبنان يشير إلى أن المقاومة التي مُنيت بضربات قاسية في لبنان خلال هذه الحرب اكتسبت المزيد من الشعبية ليس فقط على مستوى بيئتها الحاضنة (الطائفة الشيعية بصورة أساسية) بل في أوساط وازنة في باقي النسيج الطائفي اللبناني. كما أن تمسك جماهير المقاومة بسلاحها أصبح اليوم أعمق وأقوى وأكثر اتساعاً، لأن كل ما صدر من قرارات عن مجلس الامن الدولي منذ نشوء الكيان “الإسرائيلي” في العام 1948 بقي حبراً على ورق ولم يحمِ لا الشعب اللبناني ولا الشعب الفلسطيني من عدوانية “إسرائيل” وفكرها الفاشي الصهيوني التوسعي الذي يديرها منذ ذلك التاريخ. وبالتالي فإن التفكير بأن هذه الحرب إذا ما وضعت أوزارها ستكون آخر الحروب هو تفكير واهم طالما أن هذا الكيان يحمل هذا الكم من الفاشية الحاقدة في قيادته، ومن الجشع التوسعي في سياساته.

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  الآن الآن وليس غداً، اللحظة السياسية الملتبسة