معرفة دقائق حادثة الطيونة (من قَنَصَ؟ ومن ردَّ؟ من نَظَّمَ؟ ومن هيَّجَ؟ ومن تَساهَلَ؟ ومن اتَهَمَ؟) والدخول في طيات دوافعها كل هذه تفاصيل لن تضيء طريق خلاص لبنان. هذه الدقائق الغامضة المتشابكة العصية هي «بروفيل» لبنان ومجتمعه الغوغائي والمهترئ.
ولكن هذا الوصف لحادثة «طازجة» يُمهد لتسلسل دراماتيكي للبنان (ولمحيطه أيضاً)، ذلك أن مواكبة هذه الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى غفلة المجتمع اللبناني من خطورة سلاح المواقع و«طريقة استعماله اللبنانية» كأداة فش خلق وهروب من الواقع المرير للشعب اللبناني.
مواقع التواصل الاجتماعي «حليف وثيق» للأوليغارشيا اللبنانية – الطبقة السياسية المالية – فهي تقدم متنفساً سهلاً للشعب يعفيه من.. الثورة.
هذا المتنفس هو عبارة عن نهفات واستهزاءات بـ«الآخر». نكات وأخبار غير موثوقة – في غالب الأحيان- ولكنها تُبَرِّد قلب المواطن الغلبان وتشفي غليله طالما هي تصيب في الصميم قادة «الضفة المقابلة». وكذلك في الضفة المقابلة ـ بات يمكن القول في الرصيف المقابل ـ ذلك أن المبارزة عبر الشوارع والأحياء تُنذر بتقسيم البلد إلى مناطق تقابلها مناطق، في مشهدية تعيد تذكيرنا بأيام سوداء عرفتها البلاد.
ولكن يمكن تحليل الخلل الذي قاد إلى حادثة الطيونة ومن نقطة التحليل هذه الانطلاق إلى مكامن الأخطاء التاريخية التي قادت إلى هكذا توزيع للقوى السياسية على الأرض على أبواب انتخابات قد تكون مصيرية للبنان.
وبالتالي لم تكن حادثة الطيونة مقصودة ولكن طبيعة الصراع والتحالفات جعلت منها «حادثة مبرمجة» (مفعول بقوة العوامل المجتمعة) حتى ولو لم يرغب بها أو يقصدها «أبطالها» أو قادتهم.
وطالما لبنان بلد الطوائف وجب على المحللين محاكاة الطائفية والدخول في تفاصيلها: حادثة الطيونة هي اشتباك بين مجموعة شيعية ومجموعة مسيحية.
يمكننا القول «نقطة على السطر» ولكن غرابة التركيبة اللبنانية تجبرنا على الدقة في الوصف: هو اشتباك بين مجموعة شيعية متحالفة مع مكون مسيحي – لم يشارك في حادثة الطيونة – وبين مجموعة مسيحية «يقف وراءها كمٌ من المسلمين شيعة وسنة.. لم يشاركوا في الطيونة».
المشاركون في الطيونة «جبهة» حزب الله وأمل من جهة و«جبهة» القوات اللبنانية من جهة أخرى وهما الخاسران على المدى المتوسط والطويل.
الثنائي الشيعي في محاولته «قلع» قاضٍ عبر تجييش جموع مؤيديه، ولو سلمياً، يعطي العصا لمن يريد ضربه واتهامه باستعمال «فائض القوة» للسيطرة على لبنان، ويبعد عن مكون الحزب في الثنائي صفة جمالية المقاومة -أيا تكن الأسباب التي وضعته في المواجهة- ويزيد من تلوين المكون الثاني بفكرة الهرب من المحاسبة.
القوات اللبنانية خاسرة أيضاً لأنها بتصديها للمسيرة – وأياً كانت مسببات التدخل – أعادت نبش سجل تاريخ ممارساتها السابقة التي يمكن للعفو السياسي أن يغطيها ولكن لا يمكن أن يمحوها من الذاكرة.
الانتخابات النيابية على الأبواب ولن تأتي المساعدات الكبرى ما لم يدخل لبنان في فترة هدوء تحضيراً لإصلاحات جذرية للنظام.. والانتخابات هي مدخلها.