هل تقتدي إيران بإسرائيل.. حفظ القنابل في القبو؟

حان الوقت للتفكير في ما لا يمكن تصوره: التعايش مع بنية تحتية للتخصيب النووي في إيران. "قد يكون النموذج الإسرائيلي المصدر الأكثر واقعية للسياسات التي تهدف للحفاظ على السلام النووي في الشرق الأوسط"، بحسب جيفري أرونسون ("معهد الشرق الأوسط"، ومستشار سابق للاتحاد الأوروبي" في هذا التقرير الذي نشره موقع ناشونال إنتريست(*):

ليس هذا هو السيناريو الذي تصورته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب؛ عندما انسحبت من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، كما أنه ليس الخيار الذي تدعمه إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن اليوم. في الواقع، لقد عارض وزير الخارجية أنطوني بلينكين هذه النتيجة بشكل صريح عندما حذر أنه “من غير المسموح لإيران الإستمرار بالوضع الراهن والمضي في بناء برنامجها النووي مع التباطؤ في المحادثات”، مشدداً على أن “هذا لن يحدث أبداً!”.

لكن هذا هو بالفعل المأزق الذي تواجهه واشنطن اليوم. الوضع الحالي يُذكر بالإستراتيجية التي استخدمتها إسرائيل بنجاح في المحادثات النووية المتقطعة التي خاضتها على مدى عقد من الزمان مع الولايات المتحدة؛ والتي أثارها اكتشاف أنشطة التخصيب الإسرائيلية في محطة “ديمونة” النووية في كانون الأول/ديسمبر 1961.

الولايات المتحدة لا تلعب الشطرنج مع نفسها. إعتبرت إدارة ترامب أن انسحابها من الإتفاق النووي كان لتشديد سياسة “الضغط الأقصى على طهران”. كذلك تفعل إيران. في الواقع، فبينما كان الطرفان يعقدان الجولة السابعة من المفاوضات في فيينا الأسبوع الماضي، ذكرت الأمم المتحدة أن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 في المائة باستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة من طراز IR-6.

مراوغة إسرائيل

لا تحتاج إيران إلى النظر إلى أبعد من إسرائيل بحثاً عن مثال ناجح لدولة “تحافظ على الوضع الراهن لبناء برنامجها النووي بينما تتباطأ في المحادثات”.

لأكثر من نصف قرن، نجحت إسرائيل في تطوير ونشر نظام لتطوير وتوزيع أسلحة نووية، متكامل ومكتفٍ ذاتياً، في تحدٍ علني وواضح لأنظمة عدم الانتشار النووي التي يتبناها المجتمع الدولي.

إسرائيل في ذلك الوقت استطاعت تجاهل الجهود الدبلوماسية المُلحة ولكن غير المثمرة التي كانت تهدف إلى إجبارها على التخلي عن أسلحتها النووية، وذلك بفضل الصفقة التي أبرمتها مع الولايات المتحدة في أعقاب حرب حزيران /يونيو 1967.

ففي عام 1968، كانت إسرائيل حريصة على شراء طائرة “فانتوم F-4” (أفضل طائرة مقاتلة أميركية في ذلك الوقت)، وتأمين مصدر موثوق لحصولها على الأسلحة الحديثة، إلى جانب توثيق الدعم السياسي مع واشنطن.

كانت واشنطن تتطلع لأن تكون صفقة بيع طائرات “فانتوم” وسيلة ضغط لكسب انضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وإلزامها بوقف برنامج أسلحتها النووية المتمركز في محطة “ديمونة” النووية، التي كانت واشنطن تحاول إغلاقها منذ لحظة الكشف عن وجودها في العام 1960.

نجحت الإجراءات الإسرائيلية في حماية قدراتها النووية، بما في ذلك إخفاء قنابلها النووية في الأقبية بمساعدة أميركية، من دون أن تتعرض لأي ضغط دولي – لا دبلوماسياً ولا عسكرياً

لكن المفاوضات بين مسؤول وزارة الدفاع الأميركي آنذاك بول وارنك، وسفير إسرائيل في واشنطن يتسحاق رابين توصلت إلى نتيجة مختلفة تماماً. فبموجب شروط التفاهم في ذلك الوقت، أوقفت واشنطن مساعيها لفرض التزام إسرائيل بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وإغلاق “ديمونة”. في المقابل، حصلت إسرائيل على طائرات “الفانتوم” الخاصة بها، وهي عملية تحول تطورت على مرّ السنين إلى التزام أميركي كامل وصريح وعلني لضمان تفوق إسرائيل التقليدي على أعدائها. وحتى يومنا هذا، فإن التزام واشنطن بالحفاظ على “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل يتم الإعلان عنه بشكل رسمي من قبل كل إدارة أميركية تصل إلى البيت الأبيض.

.. والتساهل الدولي

في مقابل طائرات “الفانتوم” وإنهاء الضغط على البرنامج النووي الإسرائيلي، أعاد رابين التأكيد على التزام تل أبيب الطويل الأمد بألا تكون أول من “يستخدم” أسلحة نووية في المنطقة. كرّس هذا الموقف المرّن إستراتيجية الغموض النووي الإسرائيلي التي طوّرت تل أبيب بموجبها؛ ونشرت؛ بل واختبرت، ترسانة حديثة من أنظمة الأسلحة النووية الجوية والبرية والبحرية. باختصار، لقد حصلت إسرائيل على منصات الإطلاق اللازمة، ووافقت على إبقاء قنابلها النووية غير المُعلنة وغير الشفافة مُخبأة في الأقبية.

في أوقات الأزمات، ولا سيما أيام بداية حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، نشرت إسرائيل أسلحتها النووية، بل وفكرت في استخدامها لوقف تقدم الجيش السوري. ومع ذلك، فإن المجتمع الدولي، بقيادة واشنطن، لم يفكر قط في إتخاذ أي قرار أو إجراء للحد من قدرات إسرائيل النووية غير المعلنة. لقد نجحت الإجراءات الإسرائيلية في حماية قدراتها النووية، بما في ذلك إخفاء قنابلها النووية في الأقبية بمساعدة أميركية، من دون أن تتعرض لأي ضغط دولي – لا دبلوماسياً ولا عسكرياً، ولا حتى الحد الأدنى من الإدانة.

إيران بالطبع ليست إسرائيل. في الواقع، وعلى الرغم من أوجه القصور فيها، تظل خطة العمل الشاملة المشتركة الخيار الأفضل لإحتواء الطموحات النووية الإيرانية. تشير وزارة الخارجية الأميركية إلى أن هذه الخطة “هي أفضل طريق، لأنها تحدد لنا نهجاً دائماً ومُستداماً ويمكن التحقق منه”. مع ذلك، وفي الوقت الذي يحاول فيه المفاوضون إعادة توحيد “هامبتي دمبتي”(**) مرة أخرى، فإن كل شيءقد تغير بإستثناء نص اتفاقية تحاول جميع الأطراف إنعاشها.

إقرأ على موقع 180  مصر وإثيوبيا.. هل دقت طبول أول حرب مياه في أفريقيا؟

بالنسبة لمزايا “الخطة (JCPOA)”، أصبح من الواضح، وبشكل متزايد، أن المجتمع الدولي قد يكون غير قادر على إعادة تشكيل خطة العمل الشاملة المشتركة، مما يُجبر الأطراف على البحث عن “الخطة ب”. مع ذلك، وبينما تُحذر معظم التعليقات من – أو تتبنى – خياراً عسكرياً غير موجود، قد يكون النموذج الإسرائيلي مصدراً أكثر واقعية للسياسات الهادفة إلى الحفاظ على السلام النووي في الشرق الأوسط.

(*) النص الأصلي على موقع “ناشونال انتريست

(**) بالإنكليزية  Humpty Dumpt، شخصية خيالية على شكل بيضة تمشي على حائط لا متناهي،  وردت بهذا الإسم  في أدب الأطفال الإنكليزي، كما وردت تحت اسم Boule Boule في الأدب الفرنسي، وتحت  تحت اسم  Lille Trille في الأدب السويدي.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  إنتفاضة لبنان.. وحدود مواجهة أميركا - إيران