اقتحام الكونجرس تطويه شعبية ترامب بين الجمهوريين!

قبل عام، استمعت لخطاب الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى سبق عملية اقتحام مبنى الكابيتول، وسط أتباع الرئيس ومناصريه الذين احتشدوا بالآلاف تلبية لدعوته. وبعد انتهاء الخطاب، غادر ترامب عائدا للبيت الأبيض، وعدت أنا إلى منزلى الذى يبعد 8 كيلومترات عن البيت الأبيض.

بمجرد وصولى للمنزل انهالت الرسائل الصحفية والتنبيهات التى تشير لاقتحام المئات من أنصار دونالد ترامب مبنى الكونجرس أثناء انشغال أعضائه بالتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية والتى فاز فيها المرشح الديمقراطى جو بايدن.
ذُهلت كما ذهل الأمريكيون والأمريكيات مما شاهدناه يحدث فى 6 يناير/كانون الثاني. وأتصور أن التاريخ الأمريكى عرف حدثين بنفس القوة لكنهما لم يكونا بنفس الخطورة على الدولة الأمريكية الحديثة.
فى السابع من ديسمبر/كانون الأول عام 1941، أغار الأسطول الجوى اليابانى على الأسطول البحرى الأمريكى فى المحيط الهادئ، وتحديدا فى بيرل هاربر بجزيرة هاواى، ونتج عن ذلك إعلان الحرب على اليابان ودخول واشنطن الحرب العالمية الثانية.
وبعد ستين عاما وفى الحادى عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، اختطفت مجموعة من الإرهابيين أربع طائرات، أسقطت برجى التجارة العالميين فى قلب مدينة نيويورك ومبنى البنتاجون، وأعلنت واشنطن بدء حربها العالمية ضد الإرهاب والتى غزت معها أفغانستان والعراق ولم تنسحب منهما بصورة كاملة بعد.
وفى الحالتين، أصبحت أمريكا قبل الحدث تختلف تماما عن أمريكا بعد الحدث، وقبل عام تصورت أن السادس من يناير/كانون الثاني 2021 سيكون بأهمية الحادثتين السابقتين، وأن أمريكا قبل 6 يناير/كانون الثاني ستختلف عن أمريكا بعد 6 يناير/كانون الثاني. لكن يبدو أننى كنت على خطأ. ففى الوقت الذى تعد فيه حادثة اقتحام الكونجرس أكثر خطورة من حادثة تدمير الأسطول فى بيرل هاربر أو حوادث 11 سبتمبر على الرغم من مقتل خمسة أشخاص فقط، فى حين قتل ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص فى الحادثتين السابقتين، لا يتفق الأمريكيون حتى على توصيف ما جرى، البعض من الجمهوريين يراه «احتجاجا معقولا»، فى حين اعتبره جمهوريون آخرون بأنه «شغب خرج عن السيطرة». وعلى النقيض يراه بعض الديمقراطيين «محاولة انقلاب» على نتائج الانتخابات، ويعتبرها ديمقراطيون آخرون عملية «تمرد» خطط لها الرئيس ترامب للاحتفاظ بالسلطة.

لا يتفق الأمريكيون حتى على توصيف ما جرى، البعض من الجمهوريين يراه «احتجاجا معقولا»، فى حين اعتبره جمهوريون آخرون بأنه «شغب خرج عن السيطرة». وعلى النقيض يراه بعض الديمقراطيين «محاولة انقلاب» على نتائج الانتخابات، ويعتبرها ديمقراطيون آخرون عملية «تمرد».

تصورت أن أحداث 6 يناير/كانون الثاني أكثر خطورة؛ لأنها صنعت وبالكامل فى أمريكا، وهى أزمة أمريكية بامتياز تعبر عما وصل إليه حجم الاستقطاب، فى وقت يؤكد على فشل كثير من دول العالم من حيث التقدم التكنولوجى فى الاستعداد لتبعات توغل التكنولوجيا فى الحياة العامة.

***

أثناء وقبل خطاب ترامب تحدثت مع الكثير من أنصاره الذين يؤمنون بما يقوله لهم من أن الانتخابات سُرقت منه وتم تزويرها لصالح جو بايدن.
فسر الكثير منهم سبب الولاء المطلق لدونالد ترامب، ورأوا أن هناك تآمرا مستمرا ضد ترامب بدأ حتى من قبل وصوله للحكم. وقال لى أحد أعضاء جماعة براود بويز اليمينية «لقد تآمرت المؤسسات السياسية الأمريكية ضد ترامب، ولا تزال تتآمر بهدف منع انتخابه عام 2020، بعدما فشلت فى منع وصوله للبيت الأبيض عام 2016».
لكن أهم ما سمعته فى هذا اليوم جاء على لسان رجل ارتدى ملابس شبه عسكرية، إذ قال «لو لم يوجد ترامب.. لأوجدناه».

***

يؤمن ما يقرب من 80% من الجمهوريين أن انتخابات 2020 تم سرقتها من ترامب. ولأيام قليلة فقط ألقت أغلب القيادات الجمهورية باللوم على دور الرئيس ترامب فى اقتحام الكابيتول لتحريضه على أعمال الشغب. إلا أن قادة الحزب الجمهورى بمجلسى الكونجرس أسرعوا لحث زملائهم على التصويت ضد قرار التصويت بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة.
وقبل ذلك برأ الجمهوريون بمجلس الشيوخ ترامب من أى مسئولية عن الأحداث. ويرغب السيناتور ميش ماكونيل زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ، فى طى صفحة اقتحام الكابيتول. ويرى أنه «لن توجد حقيقة جديدة عن ذلك اليوم، نعرف ما جرى، نحن لسنا بحاجة إلى لجنة الديمقراطيين لتكشف لنا ما جرى، وسأواصل دعم العمل الحقيقى والجاد لتحقيقات أجهزة العدالة الجنائية، ولجان مجلس الشيوخ الخاصة بنا».
ويتهم الجمهوريون الديمقراطيين باستخدام اقتحام مبنى الكابيتول «كسلاح سياسى حزبى لتقسيم البلاد» قبل حلول انتخابات التجديد الخاصة بالكونجرس فى بدايات نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
فى رسالة إلى أعضاء الحزب الجمهورى بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لأحداث 6 يناير/كانون الثاني، دعا النائب مكارثى إلى ضرورة محاسبة «أولئك الذين خرقوا القانون واقتحموا مبنى الكابيتول فهم يستحقون مواجهة التداعيات القانونية والمساءلة الكاملة». لكن قيادات الجمهوريين تبتعد عن توجيه أى لوم للرئيس السابق ترامب بسبب شعبيته الجارفة وسط قواعدهم الانتخابية.

***

قبل 5 سنوات فاز ترامب ووصل للبيت الأبيض؛ بسبب انقسام أمريكا، وتزايد الغضب بين ملايين الأمريكيين، وها هو ترامب يستعد للعودة للساحة السياسية بعد 3 سنوات، اعتمادا على عمق انقسام وغضب ملايين الأمريكيين من تطور نظامهم السياسى الذى تصورنا يوما أنه الأفضل فى العالم.

إقرأ على موقع 180   عن كورونا ونظرية المؤامرة: غيتس ضحية أم مجرم؟

(*) بالتزامن مع “الشروق”

Print Friendly, PDF & Email
محمد المنشاوي

كاتب متخصص في الشؤون الأميركية، مقيم في واشنطن

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  الدول الصغرى والأحلاف الكبرى.. لا بد من طريق ثالث