لبنان وصندوق النقد.. إرتباك برغم تفاهم “الكبار”

Avatarخاص 18018/01/2022
لدى نجيب ميقاتي حجج كثيرة لتبرير تأخيره في تنفيذ ما وعد به عند ولادة حكومته قبل أكثر من أربعة أشهر، لكن حقيقة الأمر تبقى في أن لبنان يتخبط بأزماته منذ خريف 2019. سنتان وثلاثة أشهر والأوضاع تزداد سوءاً. فإلى أين من هنا؟

حصل توافق بين الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان على تحديد حجم الخسائر التي قدرت بنحو 69 مليار دولار، وهي أموال من المودعين بدّدتها منظومة الحكم، بفساد وفشل، في أقل من 10 سنوات، وراكمت فوقها 100 مليار دولار ديناً عاماً يكاد يساوي ضعفي الناتج.

الخلاف الآن هو حول كيفية توزيع تلك الخسائر. ثمة معلومات تفيد أن مصرف لبنان يقترح “ليلرة” (تحويل إلى ليرة) نحو 70% من اجمالي الودائع الدولارية المسجلة في مطلوبات على المصارف والبالغة (إسمياً) نحو 105 مليارات دولار. أما نسبة الـ 30% الباقية فهي ما تبقى من موجودات بالعملة الأجنبية لدى البنك المركزي بالاضافة الى 288.8 مليون طناً من الذهب قيمتها 17 إلى 18 مليار دولار. وقد يضاف اليها القليل من الخيارات الأخرى من “بايل إن” و”بايل أوت”، أي تملك مودعين في البنوك المتعثرة بالاضافة الى تملك جديد أو رسملة بدولارات طازجة. علماً أن مصرف لبنان ليس متحمساً كثيراً لذلك باعتبار استحالة تنفيذه كما يجب.

في المقابل، يطرح نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي وآخرون “ليلرة” 50% من الودائع، والباقي بين سداد بالدولار و”بايل ان” و”بايل أوت” وطرح أسهم في شركة أو صندوق توضع فيه أصول الدولة، على ان يتملك مودعون جزءاً منها.

لم تعرف بعد آراء الأطراف السياسية النافذة في هذا الطرح أو ذاك. فالوقت وقت تحضير للانتخابات النيابية ولا يمكن لأي طرف تحمل اي إعلان يمس حقوق المودعين، تحت شعار أنها “مقدسة” ولا يمكن الا ردها الى اصحابها كاملة غير منقوصة!

في هذه الأجواء الملبدة باللايقين، سيفتتح قريباً جداً فصل جديد من فصول المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لكن بأمل ضعيف في إمكان توحيد الرؤى المختلفة قبل ذلك الحين الداهم بسرعة.

في جانب التفاؤل، لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعود دولية، أبرزها أميركية وفرنسية بالإيحاء الى صندوق النقد لتسهيل حصول اتفاق مع لبنان على قاعدة رفض انفجار البلاد، أمنياً واجتماعياً، تحت وطأة فقر يطال 80% من السكان وناتج هابط مضمحل من 55 مليار دولار الى 22 مليار فقط، ومرشح للهبوط أكثر.

ومن الوقائع المثيرة أن هناك توافقاً ضمنياً بين أميركا وحزب الله على تسريع توقيع اتفاق مع صندوق النقد. فهذا أو ذاك من الطرفين ليس على استعداد لتحمل أي انفجار يهدد الكيان اللبناني برمته هذه المرة. أجل، نقيضان قويان متفقان ولا يستجيب لهما بعد من هم في الوسط اللبناني الضعيف الذي يتحجج أحياناً بأن حزب الله لا يريد التوقيع مع الصندوق بينما الحقيقة في مكان، وأكثر من يدرك ذلك هو نجيب ميقاتي.

في جانب الصندوق، يتجلى استعداد للتسهيل، لكن مصادر تؤكد ان اللبنانيين غير جاهزين بعد بسبب خلافاتهم التي لا تنتهي ولا سيما حول توزيع الخسائر. وبات لبنان حالة فريدة من نوعها بالنسبة للصندوق وتجاربه مع عشرات الدول. حالة يشفق عليها العالم ولا تشفق على نفسها. إذ يمعن اللبنانيون في “سادومازوشية” غريبة، أي تعذيب انفسهم والغير معهم في آن معاً.

من الوقائع المثيرة أن هناك توافقاً ضمنياً بين أميركا وحزب الله على تسريع توقيع اتفاق مع صندوق النقد. فهذا أو ذاك من الطرفين ليس على استعداد لتحمل أي انفجار يهدد الكيان اللبناني برمته هذه المرة. أجل، نقيضان قويان متفقان ولا يستجيب لهما بعد من هم في الوسط اللبناني الضعيف

رب قائل، لا سيما في الداخل، أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو العقدة وأن بقاءه يعقد الحلول في ظل حماية أميركية له. لكن المسألة، أميركياً تطرح بشكل مختلف: آتونا بحاكم لا يمت بصلة لـ”الثنائي الشيعي” والتيار الوطني الحر ونصّبوه فوراً. وهنا لب المعضلة!

على أي حال، ليس أمام الحكومة مسألة توزيع الخسائر فقط، بل مطلوب من الحكومة بالحاح خطة اقتصادية شاملة، يمتد تنفيذها من ثلاث إلى خمس سنوات هي مدة القرض المزمع الحصول عليه من صندوق النقد. تلك الخطة غير موجودة بعد، ولا الموازنات المرتبطة بها، ولو أن مصادر وزارة المالية تؤكد انها بصدد انجاز ما عليها. لكن أوساط ميقاتي تجزم أن الموازنة ـ الخطة ستوضع على جدول أعمال مجلس الوزراء في الأسبوع المقبل (الإثنين أو الأربعاء) في جلسة تعقد في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، على أن تليها سلسلة جلسات متتالية مخصصة لمناقشة الموازنة برئاسة ميقاتي في السراي الكبير. وتفاهم رئيس الحكومة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على وضع آلية لمناقشة الموازنة في لجنة المال والموازنة النيابية طوال الشهر المقبل، بمعدل جلستين للجنة يومياً قبل الظهر وبعده، ما عدا السبت والأحد على الأقل.

إقرأ على موقع 180  عقيدة السياسة الخارجية لبايدن عالقة في القرن العشرين

على أي حال، الخطة التي يطلبها صندوق النقد باصلاحاتها وموازناتها يفترض بها، ان تُغيّر النموذج الاقتصادي اللبناني بالكامل. ليتحول من ريعي الى انتاجي قادر على التصدير وجذب الاستثمارات والسياحة. بكلام آخر، نموذج قادر على الاستدامة من دون ادمان على القروض والمساعدات ولا على تدفقات مغتربين بعدما تبخرت تلك التدفقات في ودائع لم تعد موجودة ولن تعود الى سابق عهدها في ضوء فقدان الثقة بالنظام المصرفي والمالي. ثقة لن تعود قبل انقضاء سنوات طويلة جداً من المعالجات و”التنظيف” والتطمين.

في غياب الثقة بالنظام النقدي والمالي والمصرفي اللبناني وعدم وضع خطة شاملة تكمن كل المشكلة، في الوقت الذي لا يرى الزعماء والساسة إلا أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي عبارة عن قرض يسمح بقروض أخرى لا سيما من حصيلة مؤتمر “سيدر”. وبالتالي هم يريدون، من حيث يدرون أو لا يدرون، تكرار نفس النموذج السابق من دون تغيير جذري فيه.

في الأثناء، ينتظر اللبنانيون حلولاً عادلة لودائعهم، وتحسناً في سعر صرف عملتهم التي فقدت 90% من قيمتها، وفرص عمل يعيشون منها بالحد الادنى، بعد تيقن شرائح واسعة منهم ان الازمة ممتدة لسنوات طويلة. والخبراء يؤكدون، احساس البسطاء، بافتراضات اقتصادية علمية خاصة بالنمو وهي: اذا توقف الانهيار اليوم، وهذا مستبعد، فان لبنان بحاجة الى نحو 20 سنة او اكثر بمعدل نمو سنوي 5 الى 7% سنوياً بلا انقطاع، للعودة الى ما يقرب حجم الناتج الذي كان في العام 2018. وبالتالي صعود نصيب الفرد من 3 الى 4 آلاف دولار سنوياً الى 11 أو 12 ألفاً. الخلاصة هي أن جيلاً أكل الحصرم بجهالة وجيلاً سيضرس لا محالة!

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  إتفاق أضنة.. إلى الواجهة مجددا