قامت مبادرة السلام العربية على مبادئ وأهداف الأمم المتحدة فى التسوية السلمية للنزاعات وعلى القرارات الدولية ذات الصلة. قامت ايضاً على مفهوم السلام الشامل والعادل والدائم والترابط الواقعى أو التكامل الفعلى بين هذه الأبعاد الثلاثة فى تحقيق السلام: السلام فى قضايا تتعلق بالهوية الوطنية لشعب معين والحق فى التعبير عن هذه الهوية عبر إقامة الدولة المستقلة أو تحرير أرض ما زالت محتلة. دون ذلك يبقى النزاع مفتوحا أيا كانت التوازنات القائمة على الأرض فى شأن هذا النزاع وأيا كانت القدرة على احتوائه أو تهميشه لفترة تقصر أو تطول. ويبقى منكشفا للتوظيف فى جميع أنواع الاستغلال السياسى تحت عنوان الدفاع عن «القضية» لأهداف ومصالح استراتيجية وسياسية لا علاقة لها بالضرورة بتلك القضية. والتاريخ تاريخ الصراعات والأزمات التى قامت واستمرت وخفتت واستيقظت فى العالم وفى المنطقة ملىء بالدروس والعبر فى هذا الخصوص.
كيف تبدو الصورة اليوم؟
أزمات «وحرائق» كثيرة فى المنطقة أدت إلى تغيير الأولويات الإقليمية عند مجمل الأطراف ولو بدرجات مختلفة وإلى «تهميش» موقع النزاع العربي الإسرائيلي وإسقاطه عن جدول الأولويات الإقليمية الضاغطة. واستمر الحديث عنه بشكل عام فى دبلوماسية «إعلامية» كلامية لا تشكل أى فعل على أرض الواقع الإقليمى. واستمر الجمود فى هذا الملف سيد الموقف.
«مثلث برمودا» الذى اختفى فى إطاره هذا النزاع، الذى كان فى صلب جدول الأولويات الإقليمية كما أشرنا سابقا ولو وظف كثيرا لأسباب متعددة، وبعضها لا علاقة له «بالقضية» أساسا، يتشكل مما يلى:
أولاً؛ غياب الاهتمام الإقليمى وبالتالى الدولى بشكل شبه كلى بهذا «الملف» كما أشرنا سابقا.
ثانياً؛ سياسة إسرائيلية يحكمها اليمين المتشدد بشقيه الدينى والاستراتيجى حاملاً عنوان تحقيق حلم إسرائيل الكبرى واعتبار أن الحل يقوم على «الاقتصاد مقابل الأمن» أى بعض المساعدات للشعب الفلسطينى مقابل السلام أو القبول والاعتراف بالواقع الذى يهدف ويعمل على تحقيق ذلك الحلم.
ثالثاً؛ مزيد من التفكك والخلافات والوهن فى الجسم السياسى التنظيمى الفلسطينى، الرسمى والعام وغياب الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية الشاملة فى الرؤية والجامعة فى الحركة.
أزمات «وحرائق» كثيرة فى المنطقة أدت إلى تغيير الأولويات الإقليمية عند مجمل الأطراف ولو بدرجات مختلفة وإلى «تهميش» موقع النزاع العربي الإسرائيلي وإسقاطه عن جدول الأولويات الإقليمية الضاغطة
نسمع الكثير عن محاولات إحداث مصالحة فلسطينية بين المكونات التنظيمية الرئيسية ولو دون ذلك الكثير من العوائق السياسية والمصلحية وهنالك أكثر من ضرورة لإعادة إحياء وتفعيل مؤسسات السلطة الفلسطينية عبر الانتخابات المختلفة والمنتظرة لإعطائها الشرعية الوطنية المطلوبة قبل الشرعية الدولية الضرورية، ودون ذلك أيضا الكثير من التحديات فى البيت الفلسطينى. لكن ذلك لا يلغى ولا يبرر أن يبقى الجمود الذى يطبع هذا «الملف» الإقليمى الهام جداً، كما أشرنا، سيد الموقف وذلك عبر توظيفه بأشكال وعناوين مختلفة فى صراعات المنطقة. ذلك كله يستدعى العمل على إعادته إلى جدول الأولويات الإقليمية فى ظل المعطيات والتطورات الإقليمية والدولية برغم أنها قد تحمل الكثير من التوترات وذلك للعمل على احتواء هذه الأخيرة وعدم مدها بمزيد من الحماوة والشرارة لإشعال بعض «الملفات» المشتعلة اساسا.
جرى الحديث فى الماضى القريب عن ضرورة إعادة تفعيل دور الرباعية الدولية وجرى الحديث أيضا عن توسيع هذه الرباعية لضم قوى دولية وعربية إليها في ضوء المعطيات الجديدة وبغية تعزيز دورها.
ولكن فى خضم انفجار المواجهة الغربية ـ الروسية حول أوكرانيا صار من الصعب إن لم يكن من المستحيل العمل على إحياء دور الرباعية الدولية فى المدى المنظور وقبل التوجه الفعلى نحو الانخراط فى مسار الحل السياسى للأزمة فى أوكرانيا. وقد يكون الحل الأكثر واقعية اليوم، طالما أن الجمود يسمح بخلق معطيات على أرض الواقع كما أشرنا سابقا تزيد من العوائق أمام أى عملية سلام فعلية وبالتالى فعالة فى المنطقة، من خلال تفعيل مبادرة الرباعى العربى الأوروبى، وتوفير الدعم من قبل الأمم المتحدة لهذا الدور وكذلك من طرف المنظمات الإقليمية المعنية مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبى. يساهم ذلك بإعادة وضع «الملف» على جدول الأولويات فى المنطقة برغم ازدحام هذا الجدول بالقضايا الساخنة. ولكن يبقى ذلك أكثر من ضرورى، برغم جميع الصعوبات والتعقيدات التى أشرنا إليها، إذا أردنا مقاربة شاملة وهى أكثر من ضرورية من منظور واقعى لتحقيق الأمن والسلم والاستقرار فى المنطقة.
(*) بالتزامن مع “الشروق“