“الفرار الكبير” للرساميل الروسية إلى.. دبي!

لم تجد "الأوليغارشية" الروسية أفضل من دبي ملاذاً آمناً لثرواتها هرباً من العقوبات الدولية غير المسبوقة تاريخياً ضد روسيا. حال هذه الفئة كما هو حال رجال الأعمال الإيرانيين والباكستانيين والأفغان.. وحتى أولئك القادمين من هونغ كونغ وتايوان.

صارت الإمارات مركزاً عالمياً مقصوداً من قبل الهاربين من هنا أو هناك سعياً وراء حماية ثرواتهم الطائلة. هو الزمن الروسي بإمتياز. زد على ذلك آلاف رجال الأعمال الأجانب الذين كانوا يستثمرون أو يؤسسون لإستثمارات في روسيا، وقرروا سحب إستثماراتهم بالتحايل على القوانين في ظل تشدد الحكومة الروسية مع أي محاولات لسحب الودائع بالعملات الصعبة خارج الأراضي الروسية.

تشي بذلك حجوزات الطائرات التجارية. الطائرات الخاصة بالعشرات في أبو ظبي ودبي. مئات اليخوت حجزت أماكن لها في الموانىء الإماراتية. حجوزات الفنادق والسيارات. شراء العقارات. فورة جديدة بكل معنى الكلمة.

قررت الامارات أن تفتح أبوابها على مصراعيها لتصبح ملاذاً آمناً لأموال المئات من الاثرياء الروس الذين فرضت الولايات ودول الغرب العقوبات عليهم واخذت تصادر اموالهم وممتلكاتهم وشركاتهم، إثر إندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية. هؤلاء بدأوا يلجأون الى الامارات ومعهم عشرات وربما مئات مليارات الدولارات ويخوتهم وطائراتهم الخاصة، ولا شك ان هؤلاء حصلوا على تطمينات اماراتية بضمانة من الحكومة الروسية.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في 9 آذار/ مارس 2022، إن أكثر من 20 ثرياً حليفاً للرئيس فلاديمير بوتين يمتلكون قصوراً فاخرة على سواحل دبي، بما في ذلك حاكم إقليمي سابق ومدير محطة للطاقة النووية، وقطب إنشاءات وعضو مجلس شيوخ سابق، ورجل أعمال (تاجر تبغ) من بيلاروسيا، وأكدت أن 38 ثرياً مرتبطاً بالرئيس الروسي على الأقل يمتلكون عشرات العقارات في دبي تتجاوز قيمتها 314 مليون دولار، فضلاً عن العديد من اليخوت الواقفة بأمان حالياً.

وأوضحت أن ستة من هؤلاء الأثرياء يقعون تحت طائلة العقوبات الأميركية والأوروبية، بحسب بيانات “المركز غير الربحي للدراسات الدفاعية المتقدمة”.

وطبقت دول مثل سويسرا وموناكو وجزر كايمان، المعروفة بأنها مقابر آمنة للأموال غير النظيفة، هذه العقوبات، فيما لم تتحرك الإمارات خطوة واحدة في هذا الاتجاه، كما تقول الصحيفة الأميركية، وهو الأمر الذي يُفسر وضع الإمارات على اللائحة الرمادية، في خطوة تحمل في طياتها إحتمال تجول الردادي إلى أسود، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى إنقلاب الوضع رأسً على عقب إذا قرر الأميركيون معاقبة الإمارات وحاكمها الفعلي محمد بن زايد.

ونقلت “نيويورك تايمز” عن آدم سميث، وهو محامٍ ومستشار سابق لمكتب وزارة الخزانة الأميركية الذي يدير العقوبات، أن أي مركز مالي يريد الاستفادة من العقوبات فإنه سيفعل بسهولة، مضيفاً: “ما عليك سوى توفير مخرج أو خرق وعندها ستقوّض الأمر برمّته”.

وحسب تقارير غربية، يمتلك حلفاء بوتين 76 عقاراً على الأقل في دبي، إما بشكل مباشر أو باسم قريب.

ومن بين الأشخاص الخاضعين للعقوبات، والذين رصد “المركز الدفاعي” عقارات لهم في دبي: ألكسندر بوروداي (عضو مجلس الدوما الذي شغل منصب رئيس وزراء إحدى المقاطعات الأوكرانية عام 2014) عندما استولى عليها انفصاليون مدعومون من روسيا)، وبيخان أجاييف (عضو الدوما تمتلك عائلته شركة بترول)، وأليكسي أليكسين (عملاق التبغ البيلاروسي).

ويمتلك بعض الموجودين في القائمة منازل تتجاوز قيمة الواحد منها 25 مليون دولار. كما أظهرت السجلات البحرية رسو يخت مملوك لعضو مجلس الدوما وقطب التعدين أندريه سكوتش، الخاضع للعقوبات، على سواحل دبي.

وهبطت طائرة رجال الأعمال أكادي روتنبرغ، وهو ملياردير روسي آخر مشمول بالعقوبات، في دبي يوم 5 آذار/ مارس 2022، فضلاً عن رصد العديد من الطائرات واليخوت التابعة لأشخاص مماثلين، بينهم 3 من القلّة الروسية الحاكمة، بحسب التقارير الغربية.

وقالت “نيويورك تايمز” إن طائرة “بوينغ 787” مملوكة للملياردير الروسي رومان إبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي الإنجليزي، أقلعت يوم 5 آذار/ مارس 2022 متجهة إلى الإمارات، فيما تحركت باخرة عملاقة يملكها أحد أقطاب التعدين من جزر سيشل متجهة إلى الإمارات أيضاً.

وقال عبد الخالق عبدالله، المحلل السياسي المقرب من حكام الإمارات، للصحيفة الأميركية: “إذا لم ننتهك أي قوانين دولية فلا أحد يلوم دبي أو الإمارات أو أي دولة أخرى على محاولتنا استيعاب من يأتي بطريقة مشروعة”.

ويشير رجل أعمال روسي لجأ إلى دبي إلى أن الحصول على جواز سفر روسي أو أموال روسية الآن “أمر بالغ السوء.. لا أحد يريد أن يقبلك، باستثناء أماكن مثل دبي. ليس هناك مشكلة في أن تكون روسياً في دبي”.

وتقول مايرا مارتيني، الباحثة في منظمة الشفافية الدولية، إن حكام الإمارات يضعون غطاءً كبيراً من السرية على المعلومات المتعلقة بالأموال الأجنبية الموجودة لديهم.

ويقدر مجلس الأعمال الروسي، وهو منظمة غير ربحية مقرها دبي، أن هناك نحو 3 آلاف شركة روسية موجودة في الإمارات. وقالت السفارة الروسية في أبوظبي إن نحو 100 ألف ناطق بالروسية يعيشون في البلد الخليجي، ويزور نحو مليون روسي الإمارات سنوياً.

إقرأ على موقع 180  السعودية من قفزة الإنفتاح على إيران.. إلى التطبيع مع إسرائيل!

وتمثل إقامة المستثمر بنوعيها 3 أو 10 سنوات، المرهونة بشراء عقار عامل جذب كبيراً لأولئك الذين يبحثون عن مكان يحتمون فيه من لهيب العقوبات المتصاعد، والذي يتمدد في أنحاء العالم.

وبرغم أن التحويلات المالية من البنوك الخاضعة للعقوبات إلى البنوك الإماراتية تواجه العديد من المشاكل، فإن بعض المُقرضين يجدون سبلاً لإتمام العملية.

ونقلت “فايننشال تايمز” البريطانية عن رجل أعمال روسي مقيم في الإمارات منذ عقدين أن بعض الوسطاء في جزيرة “جميرا” يقومون بتحويلات غير رسمية، إلى جانب شركات سمسرة من بينها “نايت فرانك”.

وتأتي هذه التدفقات المالية الجديدة في وقت حساس بشكل خاص بالنسبة إلى الإمارات، التي تم وضعها في 4 آذار/ مارس 2022، على “القائمة الرمادية” لفريق العمل المالي الخاص بمكافحة غسل الأموال، وهو ما يجعلها تحت رقابة أكثر صرامة. وتضم القائمة الرمادية 23 دولة مثل باكستان وجنوب السودان وجزر كايمان واليمن والمغرب.

والمعروف ان الامارات عموماً وامارة دبي خصوصاً أصبحت منذ سنوات طويلة “مغسلة اموال” للاثرياء الروس مثلما هي بوابة لإيران لخرق العقوبات الاقتصادية الدولية عليها بتصدير البترول الايراني عبرها وبواسطة شركات دولية متخصصة او بالحصول على ما تحتاجه من واردات من الغرب.

ونقلت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن ثيودور كاراسيك، المحلل في شركة الأبحاث “جلف ستيت أناليتيكس” قوله: “عندما كنت أعيش في دبي، اعتاد الروس الذين قابلتهم على التحدث عن المدينة باعتبارها (وحدة إدارية) تابعة للاتحاد الروسي”.

وقد تضاعف عدد قراء ومتصفحي الموقع الإلكتروني لمجلة “Russian Emirates” حيث وصل إلى 300 ألف خلال أسبوع، أما السؤال الذي يتردد على لسان شريحة بارزة من المتصفحين فيتمحور حول الآتي: “هل يمكنني الحصول على جنسية الإمارات؟”

الجدير ذكره أن دبي كانت وجهة جذّابة للسائحين الروس حيث وصل عدد الذين زاروا دبي عام 2019 قبل وباء كورونا إلى أكثر 730 ألف سائح، فيما يقدر بأن قرابة 40 ألف روسي يعيشون في الإمارات، قبيل إندلاع شرارة الحرب الأوكرانية ـ الروسية.

وثمة تقديرات متباينة للثروة التي يملكها الأغنياء الروس في الخارج، لكنّها تتراوح بين تريليون دولار وأكثر من تريليوني دولار، وتتركز معظم الثروات الروسية في البنوك التجارية بسويسرا وبريطانيا والنمسا، وفي ملكية العقارات الفاخرة في بريطانيا.

وتقدر جمعية الصناعة المالية في سويسرا، حجم الأموال الروسية في الحسابات السرية بالبنوك السويسرية بنحو 213 مليار دولار، لكنّ هذه التقديرات قد تكون متواضعة ولا تشمل الحسابات الروسية في فروع المصارف السويسرية في جزر الأوف شور.

وفي الشأن ذاته، قدرت ورقة بحثية أميركية أعدها ثلاثة اقتصاديين من وكالة الاقتصاد الوطني الأميركية في عام 2017، حجم الثروات الروسية في الخارج بنحو 800 مليار دولار.

ويقدر معهد “أتلانتك كاونسل” للدراسات حجم الأموال الروسية في الخارج بنحو تريليون دولار. وفي بريطانيا تقدر منظمة الشفافية الدولية حجم الأموال الروسية التي يخفيها الأثرياء الروس في العقارات البريطانية بنحو 1.5 تريليون جنيه إسترليني، أي نحو تريليوني دولار.

Print Friendly, PDF & Email
سليمان نمر

كاتب عربي متخصص بالشؤون الخليجية

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  وجه دبلوماسي جديد.. للتنين الأسيوي