زيارة بابا الفاتيكان للبنان.. مواعيد الإنتخابات مُقدسة

شكّل الاعلان اللبناني عن زيارة قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس الى لبنان في حزيران/يونيو المقبل، تتويجاً لمشاورات على خط بيروت ـ روما عُمرها سنوات، فماذا في تفاصيل ودلالات هذه الزيارة؟

أولاً؛ جاء الاعلان عن موعد الزيارة في اعقاب لقاء رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بالسفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزف سبيتري الذي سلّمه رسالة خطية اعلمه فيها ان قداسة البابا فرنسيس قرّر زيارة لبنان في شهر حزيران/يونيو المقبل، على ان يصار الى تحديد تاريخ الزيارة وبرنامجها وموعد الإعلان عنها رسمياً (من الفاتيكان)، بالتنسيق بين لبنان والكرسي الرسولي.

وقد اعرب عون عن سعادته لتلبية البابا الدعوة التي كان جدّدها له لزيارة لبنان خلال لقائهما الأخير في الفاتيكان يوم الاثنين 21 آذار/مارس الماضي، مشيراً الى ان اللبنانيين ينتظرون هذه الزيارة منذ مدة للتعبير عن امتنانهم لمواقف قداسته تجاه لبنان وشعبه، وللمبادرات التي قام بها، والصلوات التي رفعها من اجل إحلال السلام والاستقرار فيه، والتضامن مع شعبه في الظروف الصعبة التي يمرّ بها، ولا سيما غداة مأساة إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020.

هل تشكل زيارة البابا عامل تحفيز وضغط معنوي على القوى السياسية اللبنانية لانجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري؟

ثانياً؛ إن تحديد الموعد، ولو بصورة مبدئية، يومي الأحد 12 والإثنين 13 حزيران/يونيو المقبل، يعطي أوضح وأقوى إشارة دولية إلى أن الإنتخابات النيابية اللبنانية ستجري في موعدها المقرر في 15 أيار/مايو المقبل، وبالتالي لا لزوم بعد الآن للتشكيك أو طرح علامات الإستفهام، فالفاتيكان لا يُمكن أن يُغطي أي محاولة لتأجيل الإستحقاق النيابي.. إلا إذا كان هناك من يُخطط لفرض أمر واقع بتطيير الإنتخابات، وثمة ذرائع كثيرة يمكن إستخدامها (كهرباء ودولار وإضرابات نقابية وأمن إلخ..)، لكن ذلك يعني أن الزيارة حتماً ستصبح بحكم المؤجلة.

ثالثاً؛ ثمة توقيت لافت للإنتباه، فزيارة الحبر الاعظم جرى تقديمها الى حزيران/يونيو بدلا من تشرين الثاني/نوفمبر، لكي تأتي بين استحقاقين مهمين: الأول، الانتخابات النيابية في 15 ايار/مايو، وما ستفرزه من أحجام وأوزان وتوازنات سياسية؛ والثاني، الإنتخابات الرئاسية التي تبدأ مهلتها الدستورية في 31 اب/اغسطس المقبل، أي قبل شهرين من تاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون في 31 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وبالتالي فان الزيارة هي دعوة إلى إحترام المواعيد الدستورية في لبنان ومغادرة مربع الفراغ الذي أضر بلبنان واللبنانيين أكثر من أي عامل آخر، سواء أكان داخلياً أم خارجياً. فهل تشكل زيارة البابا عامل تحفيز وضغط معنوي على القوى السياسية اللبنانية لانجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري؟

رابعاً؛ ليس مستبعداً أن يرتبط موعد الزيارة الفاتيكانية بجدول أعمال الحبر الأعظم لهذه السنة، إذ أن وفد الفاتيكان الذي زار سوريا في العام الماضي كان قد ألمح إلى نية البابا زيارة سوريا، كما جرى التلميح بعد زيارته إلى العراق حول نيته زيارة إيران تتويجاً لمسار تم تدشينه في القمة التاريخية التي جمعت رأس الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر في أبو ظبي في شباط/فبراير 2019 وإستكملت بلقاء تاريخي جمع البابا فرنسيس والمرجع الشيعي آية الله السيستاني في النجف الأشرف في مطلع آذار/مارس 2021.

خامساً؛ ثمة إشارة أعطاها البابا خلال رحلة عودته من زيارته الرسولية الى مالطا الأحد الماضي عندما اشار رداً على سؤال حول الحرب الروسية الاوكرانية الى ان العمل جار لعقد لقاء بينه وبين بطريرك روسيا كيريل، “والتفكير جار لان يتم هذا اللقاء في الشرق الاوسط”، فهل كان يقصد لبنان تحديداً، بحيث يكون هو البلد الثاني بعد كوبا التي جمعت في 12 شباط/فبراير 2016 رأسي الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية الروسية للمرة الأولى منذ انقسام الكنيسة إلى شرقية وغربية قبل نحو ألف سنة؟

الزيارة تعطي أوضح وأقوى إشارة دولية إلى أن الإنتخابات النيابية اللبنانية ستجري في موعدها المقرر في 15 أيار/مايو المقبل، وبالتالي لا لزوم بعد الآن للتشكيك أو طرح علامات الإستفهام، فالفاتيكان لا يُمكن أن يُغطي أي محاولة لتأجيل الإستحقاق النيابي

سادساً؛ إن أهمية توقيت الزيارة بأنه يتزامن مع مناخ تبريد كل الجبهات الاقليمية من سوريا الى اليمن الى الجبهة الخليجية الايرانية من خلال استمرار الحوار الايراني السعودي والانفتاح الخليجي عبر الامارات على سوريا وصولا الى الاتفاق النووي الايراني الذي قاربت الاطراف لحظة العودة اليه، لذلك؛ يبدي الفاتيكان حرصه على ألا تأتي الحلول والتسويات في المنطقة على حساب لبنان، بل أن يسعى لبنان إلى مواكبة هذه المناخات، من خلال إنتظام حياته الدستورية ووضع خطة شاملة للتعافي الإقتصادي والمالي والإجتماعي.

سابعاً؛ ثمة ملفات ضاغطة على لبنان وتهدد مصيره الوطني وتتمثل بالانهيار الاقتصادي والمالي والمؤسساتي، وملف النازحين السوريين بعدما سبق للفاتيكان ان بلّغ لبنان توجسه من وجود رغبة اوروبية ودولية بتجاهل هذا الملف، كما ان رئيس الجمهورية في زيارته الاخيرة الى الفاتيكان سمع بشكل واضح ان هناك ربطا لعودة النازحين بالحل السياسي الشامل في سوريا ما يعني استخدام النازحين ورقة تسرّع الانهيار الشامل في لبنان بعدما فاقت خسائر لبنان منذ العام 2011 أكثر من 45 مليار دولار جراء النزوح السوري.

إقرأ على موقع 180  حريقا المرفأ وأسواق بيروت.. معلّم اللحام ليس المتهم الأول!

ثامناً؛ ثمة نقطة تتصل ببرنامج زيارة البابا إلى لبنان ولن تتضح إلا بعد الإنتهاء من وضع البرنامج النهائي لها، وتحديدا هل سيتضمن مواعيد لن تعلن مسبقا وربما يعلن عنها بعد عقدها؟ من هنا يمكن تفسير كلام ميشال عون خلال زيارته الاخيرة الى الفاتيكان عندما قال لصحيفة “لا ربوبليكا” في عددها الصادر في 22 اذار/ مارس (غداة إجتماعه بالبابا فرنسيس) “ان حزب الله، حزب يملك السلاح وهو قام بتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي، وهو مكون من لبنانيين من الجنوب عانوا من الاحتلال الاسرائيلي، ومقاومة الاحتلال ليست ارهابا”. والعبارة الاخيرة ان حزب الله ليس ارهابا يتشارك فيها عون مع موقف الكرسي الرسولي. فهل تكون مفاجأة الزيارة إلتقاط صورة تجمع البابا بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله؟.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  الحريري يستشعر "إنقلاباً" وجنبلاط "يتموضع".. والدولار "يُهادِن"!