يعيش لبنان أزمات معقدة وخطيرة، على الصعد السياسية والأمنية والإقتصادية والمالية والمعيشية، بلغت حد اعلان نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي ـ سهواً أم عمداً لا فرق ـ افلاس الدولة والمصرف المركزي والمصارف اللبنانية، ما يعني تبخر ودائع المواطنين، الامر الذي سيحرم اكثر من مليون وثمانمائة مودع من مدخراتهم.
رغيف الخبز، الدواء، الاستشفاء، المحروقات، المياه، الكهرباء، الاتصالات، التدفئة المنزلية، المواد الغذائية، وحتى خضار شهر رمضان، كلها صارت من الكماليات ولمن استطاع إليها سبيلا.
لا شيء ينبئ بحلول جدية ومجدية، ولا حديث عند المسؤولين الا عن وصفة صندوق النقد الدولي، برغم أن شروط الصندوق قد لا تتلاءم ووضعية لبنان السياسية والاقتصادية، سواء في الظاهر منها، أي إجراء اصلاحات في بنية الدولة، وهذا شبه مستحيل مع بقاء منظومة افسدت الدولة حتى الافلاس، أو المستتر ويعني حتماً التوجه نحو خيار بيع أصول واملاك الدولة بما يُشبه المزاد العلني، اما في السياسة فالمطلوب حياد لبنان وعدم تهديد امن العدو الصهيوني وطمس المرسوم 6433 واقرار ترسيم حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلة وفق المطلب الاميركي الذي لا بد من تحقيقه مقابل الموافقة على برنامج صندوق النقد بتوقيع الأميركيين.
وفي ظل ازمة معيشية طاحنة وازمات سياسية واقتصادية ومالية تُهدّد أسس النظام اللبناني القائم، تنطلق الحملات الإنتخابية بشعارات طنانة مصحوبة برياح طائفية ومذهبية، لا تحمل اي برامج سياسية او اقتصادية اصلاحية يمكن اعتمادها كمخرج من نفق الازمات الماحقة.
معظم المؤشرات تقود للقول إن الانتخابات النيابية اللبنانية ستجري في موعدها الدستوري، حتى أن سفراء الدول الفاعلة تبلغوا من دولهم، ضرورة حصول الانتخابات وعدم تأجيلها تحت اي ظرف كان
معظم المرشحين، نسوا انتماءاتهم السياسية، وتجاهلوا مبادئ العقيدة الحزبية، وتجاوزوا خلافاتهم الجوهرية، وحللوا الانخراط في لوائح انتخابية، ولو جمعتهم خصومة السياسة، اما خطاباتهم التعبوية، فقد حملت شعارات فئوية ومذهبية منفرة، اجهزوا فيها على ما تبقى من وحدة وطنية، اما مطالب التغيير المنشود والاصلاح الموعود، فقد تغاضوا عنها وذوّبوا معانيها، وقزموا اهميتها، حتى ان الغالبية منهم لجأت الى خطب ود ارباب الفساد الطائفي والمالي، طمعاً بحصانة طائفية ثم نيابية، تمنحهم نمرة زرقاء او التلذذ بالجلوس على مقعد نيابي.
معظم المؤشرات تقود للقول إن الانتخابات النيابية اللبنانية ستجري في موعدها الدستوري، حتى أن سفراء الدول الفاعلة تبلغوا من دولهم، ضرورة حصول الانتخابات وعدم تأجيلها تحت اي ظرف كان. اللوائح اكتملت، الماكينات الانتخابية انطلقت، لم يعد يبقى الا تأمين الحواصل، العملة الاميركية الخضراء خرجت من خزائن المرشحين المتمولين، الصوت الانتخابي صار رخيصاً، شراء الذمم بات أرخص من قبل، فالناخب الجائع لم يعد يكترث لمن يصوّت او من هو الفائز، همه الحصول على بضعة دولارات تؤمن له ولعائلته قوتاً لمدة أربعة أيام مقابل بيع صوته لمن سيتولى تجويعه طوال أربع سنوات!
مما لا شك فيه ان حماسة الناخب اللبناني في ضمور متواصل، خصوصاً بعد فقدان الامل بحصول تغيير جوهري في تركيبة المنظومة الحالية، فبعد اكتمال اللوائح الانتخابية، اجرت السفارات الفاعلة في لبنان، استطلاعات ودراسات خاصة، لم تأت بالنتائج المرجوة، بيد ان معظم التقارير الواردة تشير الى خيبة غير متوقعة، وآخر الاستطلاعات تفيد بحصول المحور المعارض للحياد على ما بين 70 الى 74 مقعداً نيابياً، يعني عكس ما توقعته وخططت له اجهزة السفارات، خصوصاً بعد انفراط عقد ما سمي بـ”قوى الثورة” لمصلحة التنافس على تقاسم مغانم منظمات المجتمع المدني، ولن نُفاجأ في المستقبل القريب عندما يبدأ هؤلاء بفضح بعضهم البعض حول تبديد الأموال وشراء الذمم!
هل ستحصل الانتخابات النيابية أم ستؤجل؟
سؤال يراود الكثيرين داخل لبنان وخارجه؛
على الصعيد الخارجي، تبلغ لبنان رسمياً من جهات ودول فاعلة لا سيما فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، بضرورة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، برغم النتائج المرتقبة والمخيبة لآمالهم، اما في الداخل اللبناني، فان مختلف التيارات والاحزاب، باتت متيقنة بحصول الانتخابات في موعدها.
وتعتبر عودة سفيري السعودية والكويت الى لبنان مؤشراً ايجابياً لجهة عودة الاهتمام بالوضع اللبناني، ما يعزز فرضية اجراء الانتخابات النيابية في موعدها. يسري ذلك أيضاً على قرار البابا فرنسيس بزيارة لبنان في شهر حزيران/يونيو المقبل.
لكن وبرغم كل التأكيدات على اجراء الانتخابات النيابية بموعدها، إلا أن جهات عليمة تشير إلى وجود عوامل داخلية تحمل صواعق على انواعها تُهدّد بتطيير الانتخابات. فما هي هذه العوامل ـ الصواعق؟
أولاً؛ الاختلاف الحاصل بين رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية اللبنانية حول التشكيلات الدبلوماسية، فضلاً عن التأخر المتعمد من جانب مصرف لبنان منذ حوالي الشهرين في صرف رواتب العاملين في هذا السلك في الخارج، وهو ما جعل الجسم الدبلوماسي في الإدارة المركزية كما في بعض السفارات في الخارج يبادر إلى الاضراب المفتوح إحتجاجاً، ما يهدد حكماً بتعطيل عملية اقتراع المغتربين المسجلين بالخارج والبالغ عددهم أكثر من 220 ألف ناخب لبناني.
ثانياً؛ ثمة ملفات خلافية مفتوحة بين المصارف اللبنانية والقضاء اللبناني وثمة من يحذر من توقف المصارف عن العمل مطلع الشهر المقبل حتى فض النزاع القائم مع القضاء المختص، فإذا حصل ذلك، سيؤدي إلى جنون أسعار الدولار، تماماً كما حصل عند إقفال المصارف غداة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
جرت الانتخابات النيابية أم لم تجرِ، فالمؤكد ان لا تغيير ولا اصلاحاً في لبنان، انما جرعات ومكرمات لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تقيه حر الصيف ولا برد الشتاء، في انتظار العثور على متبرع لخلايا متطابقة مع خلايا زعماء الطوائف في لبنان
ثالثاً؛ إحتمال تنفيذ اضراب قضائي للمطالبة بإقرار التعيينات القضائية وتحسين أحوال هذه الفئة بالتزامن مع اعلان عشرات القضاة تمنعهم عن المشاركة في أعمال لجان القيد، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر على الانتخابات أيضاً.
رابعاً؛ ماذا لو بادر الاتحاد العمالي العام إلى تنفيذ اضراب وطني شامل في كل لبنان بالترافق مع قطع طرق احتجاجاً على تردي الاحوال المعيشية وهبوط القيمة الشرائية للعملة الوطنية مقابل جنون متصاعد في اسعار السلع وفي سعر صرف الدولار الاميركي، ما يُهدد بوصول أغلبية المقترعين الى مراكز الاقتراع.
خامساً؛ ماذا لو قررت الهيئات النقابية لأساتذة التعليم الرسمي وموظفي الإدارات والمؤسسات العامة تنفيذ الإضراب المفتوح منذ مطلع أيار/مايو المقبل حتى تحقيق مطالبها؟ من سيتولى إدارة عملية الإقتراع من كتاب وإداريين؟
سادساً؛ أعطال “مفاجئة” في يوم الإنتخابات أو عشية الإستحقاق من نوع الإنقطاع الشامل للتيار الكهربائي أو إنقطاع شبكة الإتصالات (بما فيها الإنترنت).
سابعاً؛ لنضع فرضية الأمن المفاجىء والداهم في الحسبان ومن خارج جدول الأعمال اليومي المضبوط الإيقاع، بما يؤدي إلى الإطاحة بالإنتخابات؟
لقد تم سحب ذرائع عديدة من نوع الدائرة الـ 16 والميغاسنتر والاعتمادات المالية وتصويت المغتربين، ولكن ماذا يمنع إختراع ذرائع جديدة، من دون إغفال وجود ميل مضمر لدى جهات اوروبية واميركية للابقاء على المنظومة الحالية والتعامل معها برغم فسادها، خصوصاً بعد ثبوت رؤية هلال الاكثرية في المجلس النيابي المقبل لمصلحة القوى الرافضة للحياد اللبناني؟
كل ما ذكر انفاً هي عوامل نشطة تعمل على خط التوتر العالي ومعرضة في اي لحظة للتلاقي والاحتكاك المؤدي لانفجار من شأنه الاطاحة بالانتخابات النيابية.
في الخلاصة، جرت الانتخابات النيابية أم لم تجرِ، فالمؤكد ان لا تغيير ولا اصلاحاً في لبنان، انما جرعات ومكرمات لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تقيه حر الصيف ولا برد الشتاء، في انتظار العثور على متبرع لخلايا متطابقة مع خلايا زعماء الطوائف في لبنان.