اليوم يزيد عمر العاملة المنزلية “مالا” عن السبعين؛ خبرتها الشخصية في العيش والعمل خارج بلدها جعلها قائدة لمجموعة من العاملات والعمال من أبناء بلدها سريلانكا، تناضل من أجل حقوقهم، وتتواصل مع الجمعيات طلباً للمساعدة أو الاستشارة القانونية لتسوية ملفاتهم العالقة في الدوائر الرسمية وتأمين الدعم لهم من خلال تنظيم جلسات اسبوعية أو شهرية، يتشاركون خلالها أفراحهم وأتراحهم وأحلامهم ويومياتهم.
سرعان ما ربطت “مالا” علاقة وثيقة مع مديرة مركز بشار مهنا ومسلم عقيل في مؤسسة عامل الدكتورة لميا رمضان؛ المركز المختّص بدعم العاملات والعمّال الأجانب، وتحسين ظروف عيشهم في لبنان، وتذليل العوائق لحصولهم على حقهم في العودة إلى بلادهم، أو تقديم مساعدات عينية ومالية لمن قرّر منهم البقاء في لبنان كدفع ايجار المنزل وتوفير مواد التنظيف وتأمين رعاية صحية مجانية لهم ولأطفالهم، فكانت “مالا” صلة وصل أساسية بين المركز ومجموعات من العاملات الأجنبيات.
وخلال حملة تلقيح المهاجرات والمهاجرين ضد وباء كورونا، في إحدى مستشفيات بيروت، أصرّت “مالا” على مساعدة سيدة تدعى “سيلا”، تفوقها عمراً وتعاني من صعوبات في الحركة وتحتاح للمساعدة الدائمة لممارسة حياتها اليومية. ولأنّ “سيلا” لا تملك أوراقاً ثبوتية، فقد احتاجت إلى زيارات عديدة للحصول على اللقاح، وخلال هذه الزيارات اكتشفت مديرة المركز الدكتورة رمضان قصة “سيلا” ومعاناتها الصحية ومحاولاتها المتكررة العودة إلى وطنها، ولكن لسوء حظها كان برنامج العودة الطوعية للمهاجرين في المركز قد انتهت مدّته، وبرغم ذلك، وبالتعاون مع محامي المركز المتخصص بتسوية ملفات العاملات الأجنبيات وإيجاد الحلول القانونية التي تسمح لهن بالعيش بكرامة أو المغادرة بكرامة، أمكن الإستحصال على اذن للسيدة “سيلا” بالرحيل من لبنان والعودة إلى أسرتها في سريلانكا.
قرّرت “مالا” مرافقة “سيلا” خلال رحلة العودة، بسبب وضعها الصحي وعمرها المتقدّم، وفيما كانت السيدتان تتحضران بمساعدة من مركز بشار مهنا ومسلم عقيل لاجراء فحوصات PCR وتأمين بعض المتطلبات الأساسية كالحقائب، وصلت سيدة أخرى تدعى “سرياني” وقد فقدت نسبة كبيرة من بصرها بسبب مرض السكري، وكانت تنتظر أي بارقة أمل للعودة الى بلدها حيث تتمنى أن تموت هناك، كما قالت لـ”مالا”. عدم توفر أي أوراق ثبوتية لها لدى الجهات الرسمية اللبنانية جعلها تلجأ إلى مركز بشار مهنا ومسلم عقيل بهدف الحصول على مساعدة من محام المركز الذي استطاع الحصول على تصريح لها بمغادرة لبنان، بسبب حالتها الصحية المتفاقمة وعدم قدرتها على العمل وإعالة نفسها في لبنان.
وبعد تحديد موعد رحيل السيدات الثلاث، اصيبت “مالا” بعارض صحي بفعل ارتفاع ضغط دمها وأصبحت القائدة تحتاج لمن يقودها في كرسي مدولب أمنّه لها المركز لتمضي قدماً في رحلة العودة إلى بلادها.
وفي مطار بيروت الدولي، حصل ما كان غير متوقّع، فتشتّت شمل السيدات الثلاث عندما رفضت شركة الطيران السماح لـ”مالا” بالمغادرة بدون مرافقة ممرضة خاصة لها على متن الطائرة، ما دفع كلاً من “سيلا” و”سرياني” إلى السفر من دون “مالا”.
هكذا عادت “مالا” إلى بيتها المهجور في شمال شرق بيروت، فيما أرسلت السيدتان صوراً مع عائلتيهما ورسائل شكر وامتنان لما قدّمته مؤسسة عامل لهما من دعم لأجل العودة إلى بلدهما.
غادرت “مالا” بيروت منذ عشرة أيام وهي اليوم تعيش مع ابنتها، وتخضع لعلاج فيزيائي آملة في استعادة قدرتها على الحركة والعودة إلى لبنان لمساعدة أخريات يواجهن صعوبات في العودة إلى الوطن.
هؤلاء الغريبات في بلدنا تستحقّن التكريم والدعم والحب، وعيش ما تبقى لهنّ من أيام في أحضان اولادهن وضحكات أحفادهنّ، وتستحق مؤسسة عامل وخصوصاً مركز بشار مهنا ومسلم عقيل الثناء على الجهود الجبّارة والمتابعة الحثيثة لأوضاع المهاجرات والمهاجرين والعمل على تسهيل العوائق القانونية أو المادية التي يواجهونها في سبيل العيش بكرامة انسانية.